تداعيات تقرير الأمم المتحدة

تداعيات تقرير الأمم المتحدة

[escenic_image id="556691"]

كشف التقرير الذي سلمه ممثل الأمم المتحدة ستفان دي مستورا إلى زعماء العراق عن تحديات جدية للأقلية الكردية قي البلاد. فهي تزيد من الضغوط المضعفة لنفوذهم والذي لعب دورا حاسما فيما مضى في المشهد السياسي للبلد المضطرب.

وأوضح بيان الأمم المتحدة الذي صدر غداة تسليم التقرير إلى القادة العراقيين أن خيارات كركوك تتضمن مشاركة وتراضي سياسي بين الأطراف. كما تدعو الخيارات الأربع إلى معاملة كركوك ككيان منفرد ولا تتضمن تقسيمه بأي حال.

فما هي تداعيات هذا التقرير؟ لعلها قد تفتح فصلاً جديداً من نزاع  امتد لعقود بين العرب والأكراد حول كركوك وعدد من المدن والبلدات المهمة في شمال العراق.كما أنه يخيب آمال الحالمين الأكراد في ضم المدينة إلى قلب كردستان التاريخية.

وتزامن تسلم تقرير كركوك ظهور منغص جديد للأحزاب الكردية يتمثل في بروز عدد من الكيانات السياسية المسلحة في معسكر الخصوم حيث شكلت مجموعات الصحوة وهي تنظيمات نالت شهرة واسعة في عام 2006 و2007 لمقاتلتها تنظيم القاعدة في العراق وبفضل مساعدة مالية أمريكية.

وكانت الحكومة الإقليمية الكردية، والتي تعمل كدولة مستقلة ذات سيادة وقوات مسلحة، تقوم منذ عام 2003 بنشاط واسع لاستعادة النفوذ في العديد من المناطق المتنازع عليها والتي تطالب بها لكون غالبية سكانها من الأكراد. فقامت بصرف الملايين من الدولارات في تقديم خدمات اجتماعية وكذلك قامت بنشر مليشياتها المسلحة المعروفة بالبشمركة (الفدائيين) حول أجزاء من محافظات نينوى وديالى وكركوك  المحاذية لإقليمها ذو الحكم الذاتي.

واشتد الأمر في كركوك مع ظهور سيناريو سياسي مشابه في محافظة نينوى يرفع من مستوى التوتر أكثر فأكثر تمثل يفوز قائمة الحدباء العربية ذات التوجهات القومية في انتخابات مجالس المحافظات هذا العام وإقصائهم للأكراد من المناصب المحلية المهمة.

وأيد رئيس الوزراء العراق نوري المالكي وعدد من زعماء القومية العربية هذا الاتجاه حيث توافق الأمر مع نشر قوات موالية للحكومة في المناطق المتنازع عليها بعد أن أدى قلة عدد القوات الأمريكية وضعف الجيش العراقي الحديث التكوين إلى تعزيز نفوذ السلطة الكردية على أرضها.

وجرى تطبيق هذا الاتجاه بتحالف قائمة الحدباء المتكونة من زعماء قبائل ونخب سنية مدنية يقودها رجل أعمال من الموصل مع قوائم محلية لتشكل غالبية 72% دون قائمة التآخي الكردية والتي حكمت المحافظة خلال الأربع سنوات الماضية. دفع هذا الوضع المتوتر الولايات المتحدة تفضيل إبقاء قواتها في نينوى إلى ما بعد يونيو-حزيران، التاريخ الرسمي الذي وضعته لانسحاب قواتها من العراق.

ويشير مسئولون أمريكيون وعراقيون أن الاحتكاك بين الطرفين قد يتصاعد إلى صراع مسلح يمتد إلى المدن المختلطة السكان.هذه المخاوف جعلت من الجيش الأمريكي يزيد في شهر يناير من هذا العام من قواته من فوج يبلغ عدده حوالي 900 جنديا إلى 3,200 في كركوك.

ويعد الأكراد ما حصل من إقصاء سياسي في نينوى بداية الفصل لمعركتهم مع الحكومة المركزية. ويوضح سامي شورش، محلل كردي ووزير سابق للثقافة في حكومة كردستان الإقليمية أن "ما حدث في نينوى يعكس المشكلة الكبرى بين حكومة المالكي وكردستان". وتؤثر في وجهة نظهره على "جهود لتهميش الأكراد ودفعهم خارج المناطق المتنازع عليها وتأجيل تطبيق مادتها الدستورية".

وعبر الرئيس العراقي جلال طالباني، وهو كردي،عن تبدد الأحلام الكردية في تحقيق دولة مستقلة بتصريحه بان "حلم الدولة الكردية" غير ممكن. هو يرى أن "حلم تحقيق دولة كردية منفصلة موجود فقط في قصائد الشعر الكردي".

ويأتي تضاؤل الآمال الكردية مع تصاعد ضغط شعبي  على الحزبين. الحزب الديمقراطي  الكردستاني وحزب الاتحاد الكردستاني  في كردستان , من اجل مكافحة الفساد الإداري المستشري وتوزيع عادل للثروات. حيث يشتكي العديد من الأكراد من أن المناصب الحكومية وفرص العمل تذهب إلى أقرباء لقادة الحزبين الحاكمين والى أعضاء متنفذين فيهما.

وحث هذا الأمر عدد من الأحزاب المحلية الساعية إلى التغيير في المشهد السياسي الكردي إلى النزول بقوائم منفصلة خلال الانتخابات المحلية.وتهدف هذه الأحزاب إلى ضخ دماء جديدة إلى المسرح السياسي قد يكون له الحظ في كسر الاحتكار السياسي الذي مارسه الحزبين الكرديين خلال السنوات الماضية.

ولم تكن الأحزاب المحلية منفردة في محاولة التغيير. حيث عملت قوى إقليمية ومجاورة للعراق على إحداث ضغط سياسي في العراق. وتضغط هذه الدول إلى جعل الولايات المتحدة تغيير خطتها في تقسيم العراق إلى مناطق ذات قومية ومذهب واحد خوفا من حدوث سيناريو تقسيم مشابه في بلدانها. وظهر الاتجاه الجديد جليا في تصريحات  نائب الرئيس الأمريكي الحالي جوزف بايدن في عراق موحد قوي خلافا لتصريحاته السابقة الداعية إلى تقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم أو دويلات كردية وعربية سنية وشيعية.

ومع كل هذه التحديات الكبرى, فان القادة الأكراد الذين خبروا خلال تاريخ حافل من الانفراج والتضييق في علاقتهم مع الحكومة المركزية, اثبتوا فيه أنهم سياسيين أكفاء قادرين على الخروج بنتيجة مناسبة للشؤون السياسية اليومية.كما نجحوا وهم المدركين لوجودهم العددي في أن يصبحوا  قوة رئيسية فاعلة في العراق. ولا يبدوا أنهم سيفقدون حصة كبيرة من هذا الدور إلى القوى الأخرى.

وستكون الانتخابات البرلمانية القادمة حاسمة في تحديد للتحالفات الممكنة للعرب والأكراد والقوى الأخرى من الطيف العراقي. ويقول دبلوماسي غربي أن "الانتخابات القادمة ستحدد طريقة السلوك السياسي وستضفى الشرعية التي تسكت دعوات المجموعات المتصارعة على السلطة الداعية إلى استمرار الصراع  المسلح".       

أحمد مختار المالك - كاتب عراقى

font change