خمسة مؤشرات أساسية لصانعي السياسات

خمسة مؤشرات أساسية لصانعي السياسات

[escenic_image id="555916"]

بينما يصارع العالم أسوأ أزمة اقتصادية خلال أكثر من سبعة عقود، يقدح واضعو السياسات زناد فكرهم، من أجل التوصل إلى حلول تقي بلدانهم كما تقي العالم، شر المزيد من العواصف، في نفس الوقت الذي تعيد فيه شحن قاطرة النمو العالمي، التي حققت رخاءً غير مسبوق خلال النصف الثاني من القرن العشرين وما بعده.

ويبدو المشهد العالمي كئيباً. فوفقاً لتقديرات البنك الدولي سوف ينكمش النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 1,7% في عام 2009 مقارنة بمعدل نمو بلغ 1,9% في عام 2008. وهذا بمثابة إشارة إلى أول ركود في الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. كما أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى هبوط نسبته 6% في حجم التجارة الدولية في السلع والخدمات، والذي يمكن أن يكون بمثابة أكبر تدهور خلال 80 عاماً. ووفقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية يمكن أن تتخطى البطالة في العالم 30 مليون شخص في عام 2009، وهو ما يعد أعلى مستوى له على الإطلاق.

لقد شهدنا بالفعل سقوط بعض أضخم المؤسسات المالية، بدءاً من ليهمان برزرز إلى بير ستيرنز، كما رأينا دولاً تواجه إفلاساً ودولاً أنقذها صندوق النقد الدولي في اللحظة الأخيرة، بدءاً من أيسلندا وباكستان إلى لاتفيا والمجر. وفي الشرق الأوسط، تأثرت مدن صاعدة مثل دبي في حين رأينا دولاً مثل مصر وإيران والمغرب تزداد فيها مشكلات البطالة تفاقماً، ويتوقع العديد من الاقتصاديين المزيد من الكبوات الاقتصادية في وسط وشرق أوروبا.

والدول النامية التي شهدت معدلات نمو قوية خلال السنوات القليلة الماضية، سوف تواجه معدلات نمو أكثر بطئاً وبعض الانحدارات الشديدة، والإخفاق الكبير لمحرك النمو العالمي يمكن أن يضرب الدول النامية بشدة، وكما أشار رئيس البنك الدولي روبرت زويليك في خطاب ألقاه في لندن بمناسبة قمة العشرين: "نعلم أن الاقتصاد العالمي أسهم في وقت من الأوقات في إنقاذ مئات الملايين من الناس من شبح الفقر. واليوم نواجه خطر الاتجاه المعاكس، حيث يساعد ارتباط العالم ببعضه البعض على تمرير صدمات سلبية بقوة أشد وسرعة أكبر".

في غضون ذلك، يترقب العالم ما إذا كانت أميركا ستتمكن من الخروج من عنق الزجاجة، ففي حين قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة العشرين في لندن، إن العالم لطالما اعتمد على إنفاق المستهلك الأميركي، في دفع عجلة نموه قدماً، فإن تحذيره لم يصرف الأنظار عن أمريكا، فإذا استرد الاقتصاد الأمريكي عافيته، فإن هذا سيكون بمثابة دفعة معنوية هائلة للاقتصاد العالمي، ومن المحتمل أن يزيل العراقيل التي تواجه التجارة العالمية، التي تعاني تباطؤاً في الوقت الراهن.

وفي حين أظهرت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وآسيا ومنطقة الخليج، دلائل على الصمود والتعافي خلال الشهر الماضي ، يظل التساؤل : هل هذا ارتفاع لسوق متدهور الأسعار، وهو ما يسبق أخر تدهور نحو القاع، أم أننا نشهد البوادر الأولى من الثقة المستعادة والتي يمكن أن تعزز الانتعاش؟

ماذا يفعل صانع السياسة؟ وقد يكون هذا واحدا من أضخم التحديات في السياسة لهذا القرن. ولكي نفهم القوى الفاعلة في الاقتصاد العالمي اليوم ، فمن المهم أن نعرف أين ننظر، ويقترح محررو المجلة خمسة اتجاهات رئيسية يتم رصدها لكل من واضعي السياسات والمستثمر المستقل.

1) المستهلك الصين

شاهد المحللون ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بوصفه محركا للنمو العالمي في الآونة الأخيرة، وتغذي صناعاته التصديرية العالم بسلع وأفرز إقباله النهم على المواد الخام، الازدهار في البلدان النامية الغنية بالموارد، ويعد سجله في تحقيق نمو متواصل لمدة ثلاثين عاما بمتوسط 9 ٪ أمرا غير مسبوق. ومع ذلك، فإن المستهلك الصيني يجب أن يقوم بدوره في التحول الاقتصادي العالمي، والحقيقة هي أن العالم يحتاج إلى أن ينفق المستهلكون الصينيون أكثر.

وهناك حقيقة أساسية: إجمالى الناتج المحلى في الصين يصل إلى الثلث من الاستهلاك المحلي. وسوف يدعم نمو الصناعات والتجارة في آسيا وخارجها، سوقا استهلاكيا داخليا أقوى في الصين، وقد وضعت الصين خطة طموحة بقيمة  527 مليار دولار لتحفيز الاقتصاد.

2) سوق الأسهم الأميركية

حذر اقتصاديون منذ فترة طويلة من مغبة إعطاء توقعات طويلة الأجل، ترتكز على تقلبات البورصات العالمية، لكن السوق الأميركية هي أكبر الأسواق ، وأكثرها سيولة مادية وأكثرها عالمية في تاريخ العالم وعلى هذا الأساس يراها المختصون مؤشراً للاقتصاد العالمي. وعندما تهبط الأسواق الأمريكية بشكل حاد تلحظ الأسواق العالمية ذلك، وغالباً ما تحذو حذوها.
وبينما توجد نظرية اقتصادية أساسية، تقول إنه يمكن التنبؤ بالنمو المستقبلي في أوقات انعدام الثقة في أسواق الأسهم، فإن طبيعة السوق العالمية لا تتماشى دائما مع هذه النظرية، ونتيجة لذلك، فإن الانتعاش المستمر في سوق الأسهم الأمريكية -كما شهدنا في شهر مارس- سوف يؤثر إيجابياً على الأسواق العالمية، وسوف يعيد الاستقرار في سوق الأسهم الأميركية، الثقة أيضا إلى المستهلك الأمريكي المحطم.

ورغم أن أوباما قال إن العالم لا ينبغي أن يظل معتمداً على المستهلك الأمريكي، فإن الواقع هو أن المستهلكين الأمريكيين ساعدوا على دفع الازدهار العالمي، وسوف يفعلون نفس الشيء مع الانتعاش العالمي.

3. العمالة الأجنبية

عند زيارة أي مدينة خليجية كبرى، نجد جيشاً من العمالة الأجنبية ومتخصصي الخدمات، الذين يساعدون في تقوية الاقتصاد المحلي. لكن الشيء الذي يغيب كثيراً عن الأذهان، هو التأثير الاقتصادي الحيوي لهؤلاء العاملين في أوطانهم، والذي يأتي في صورة تحويلات نقدية. فالحوالات التي يرسالها العامل الأجانب إلى بلادهم النامية– تقدر بنحو 300 مليار دولار سنوياً، وهو رقم يفوق بكثير مساعدات التنمية الرسمية وتدفقات رأس المال الخاص. في الواقع هناك دول مثل الفلبين تعد فيها التحويلات النقدية بمثابة أهم مصدر للدخل، ومن ثم فإن العمالة الأجنبية تلعب دوراً حيوياً في النمو العالمي، فهي تتعزز نمو بلدانها .

وتشير التقديرات الرسمية للبنك الدولي إلى أن التحويلات النقدية يحتمل أن تهبط لما دون 300 مليار دولار في عام 2009. وإذا استمر الحال على هذا النحو، فإن محافظ التنمية التي تعتمد على التحويلات النقدية، في الدول النامية سوف تتأثر سلباً، مما يؤدي إلى تفاقم الظروف المتعثرة الحالية.

4) الاستثمار النفطي

كثيراً ما يشار بأصابع الاتهام إلى الأسعار المرتفعة للنفط، على اعتبار  أنها المسئولة عن حدوث دوامات من الركود، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن النفط، يظل أحد أكثر السلع انخفاضاً من حيث السعر مقارنة بقيمته الحقيقية، و كان بمثابة الوقود الذي دفع النمو العالمي على مدى العقود الستة الماضية. وبالرغم مما شاع عن نهاية حقبة النفط لصالح تكنولوجيات جديدة صديقة للبيئة، يظل الوقود الحفري بمثابة جزء حيوي من محرك النمو العالمي. وعلاوة على ذلك، فإن الأسعار يمكن أن تحقق انفراجا قصير الأجل، لكن قد تصبح كارثية على المدى الطويل.

لقد دق وزير النفط السعودي علي النعيمي ناقوس الخطر ، (وهو الذي يُعرف باعتداله في أوساط صناعة النفط )، بسبب انخفاض الأسعار، فالنعيمي يثير قضية مقنعة بقوله، إن الأسعار المنخفضة للنفط تخلق نوعاً من الإحجام عن الاستثمار في المعروض النفطي المستقبلي، مما سيفرز أزمة نفطية قادمة حيث سيرتفع حتماً معدل الطلب، وقال النعيمي في خطاب ألقاه في فيينا: "إذا أثبتت مصادر الوقود التقليدي أنها غير ملائمة بسبب تقليص النفقات الرأسمالية، نتيجة لتقلب الأسعار والذي لا يعد مؤشراً موثوقاً على الطلب المستقبلي، أو الأمل في بديل، لا يمكن أن يحققه النفط، مثل هذه الأزمة في المعروض يمكن أن تكون كارثية. ومن الممكن أن تحدث نتائج مؤلمة عاجلاً وليس آجلاً مما قد يؤدي إلى زيادة تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي فعلياً.  

وأشار النعيمي إلا أن السعر المعقول لبرميل النفط الذي يتراوح ما بين 60 و 75 دولار يمكن أن يكون حافزاً لزيادة الإنتاج. "حقيقةً من الممكن أن تحدث كارثة إذا لم تفِ الموارد التكميلية، التي تنعقد حولها الآمال في أمن وتعزيز الطاقة بآمالها العريضة".

ومن ثم فإنه من المفارقة اعتبار انخفاض أسعار النفط، بمثابة إنذار بأزمات اقتصادية مستقبلية، وحدوث دورة من الارتفاع والانخفاض.

5- تمويل التجارة

تظل التجارة واحدة من أقدم وأنجح الوسائل لخلق الازدهار ودفع النمو، وتتجه أرقام التجارة العالمية إلى التراجع، وتتوقع منظمة التجارة العالمية انخفاضا بنسبة 9 ٪ في عام 2009. ويحرك الصفقات التجارية البنوك والائتمان، وبينما تناضل البنوك وتتعثر، ويجف الائتمان فإن المثل يحدث للتجارة. ومن المقدر أن يغطى تمويل التجارة نحو 10 تريليون دولار من اجمالى 15 تريليون دولار في التجارة العالمية.
وهكذا ، لكي نعيد إيقاظ شعلة التجارة العالمية ، تدخل قادة مجموعة دول العشرين ببرامج تمويل تجاري طموحة، وقد اتفقت دول المجموعة على تمويل صفقة بقيمة  250 مليار دولار في مجال التجارة على مدى سنتين.

وكما ذكرت وكالة رويترز "معظم صكوك التمويل التجاري، مثل خطابات الاعتماد هي أشكال بسيطة للإقراض، ويرجع تاريخ بعضها إلى مئات السنين. كما أنها من بين الأكثر أمانا بالنسبة للبنوك المشاركة، لأنها قصيرة الأجل وتعرف البنوك المصدرين والمستوردين، ويمكن استخدام السلع المشمولة كضمان لهذه الصفقة ".

"في الوقت الراهن، وبينما أصبحت مشاكل التدفق النقدي على المصدرين والمستوردين أكثر حدة ، وأصبحوا هم أقل قدرة على الوصول إلى تمويل رخيص قصير الأجل لتغطية الاحتياجات الفورية،فقد تصبح البنوك أقل استعدادا لتقديم الائتمان التجاري وتتردد في الموافقة على أشكال بديلة للتمويل".

وهكذا، فإن مراقبة الاتجاهات في مجال التمويل التجاري ودعم الإجراءات التي تسمح للناس والشركات والمؤسسات التجارية بالمشاركة في التجارة، وهى أقدم نشاط اقتصادي دولي، سوف تقدم خيوطا كاشفة حول مستقبل الركود.

font change