عندما يخرج اللاعبون عن النص

عندما يخرج اللاعبون عن النص

[escenic_image id="556202"]

لا تكف الكويت عن تصدر أخبار الشرق الأوسط بين الحين والآخر، إذ استطاعت هذه الدولة صغيرة المساحة أن تتحول إلى مصنع منتج للخبر وتقدم نفسها كدولة يطغى عليها النشاط السياسي أكثر من أي نشاط آخر.

البرلمان هو صانع الحدث الأول في الكويت ومنه تبدأ الأخبار وعلى أبوابه تنتهي، فالسياسة هنا تُمارس بصخب، وربما تكون أكثر شعبية من كرة القدم، ويخدم ذلك حرية التعبير التي يتمتع بها الكويتيين وتتابعها وسائل الإعلام المحلية بشكل مكثف، كما لا يكاد يخلو بيت من ارتباط ما بمرشح أو نائب في البرلمان إن لم يكن بوزير حالي أو سابق. أما المساحة الفارغة بين المنتمين للمؤسستين فيشغلها العاملين في الحقل السياسي والموزعين بحسب قناعاتهم وانتماءاتهم على التجمعات الرئيسية التي تنقسم كل وهواه ما بين الإسلاميين والليبراليين والشيعة والمستقلين وأبناء القبائل الناشطين على الصعيد السياسي.

وتضفي الديمقراطية على الكويت نكهة خاصة، لكنها تختلف بحسب متذوقيها، فتجدها حلوة الطعم في فم ممتهني السياسة، ومُرة لدى الحكومة، فيما يحار المواطنون عند تذوقها وممارستها فتجد بينهم من يراها حاذقة وآخرون يعتبرونها بلا طعم. وبينهم يقف السواد الأعظم ممن يعاملونها كالملح، فلا خلو طبق من رشة منه، لكن مقدار استخدامه يختلف من شخص إلى آخر.

وربما تكون الكويت بحسب المتابعة لآليات ممارستها، قد ركنت كثيراً على السياسة، ما أدى إلى تناسيها أن إدارة البلاد تتطلب العمل أكثر منه ممارسة السياسة. لهذا تعاكس فيها مستوى الوعي السياسي المرتفع مع مستوى الأداء العام المنخفض، وهو ما دفع بالمواطنين إلى مطالبة الدولة في أكثر من مرة لإنجاز مشاريع تنموية تساهم في رفع مستوى التعليم والخدمات العامة كالصحة والأشغال والكهرباء والإسكان. إذ فيما تعتبر الكويت واحدة من أغنى دول العالم، وحققت موازنتها العامة فوائض تاريخية بعد ارتفاع أسعار النفط خلال العامين الماضيين، تعاني من تدهور وتراجع على مستوى البنى التحتية والخدمات العامة.

وأدت المواجهات السياسية على مدى السنوات الثلاث الأخيرة بين الحكومة والبرلمان إلى تنامي تيار يطالب بإعادة النظر في جدوى الديمقراطية والمشاركة الشعبية، والتسويق لأفكار من بينها تعطيل العمل بالدستور وإلغاء البرلمان لمدة معينة، تتيح للحكومة العمل براحة على تنفيذ المشاريع وإعادة هيكلة قطاعات الدولة. إلا أن معارضو هذه الاتجاه دائماً ما يذكرّون أن تجارب شبيه تم اعتمادها في السابق وأدت إلى حدوث أكبر كارثتين في تاريخ الكويت، وهما انهيار سوق المال عام 1982، والغزو العراقي عام 1990، وذلك نتيجة لغياب الرقابة الشعبية وعجز الحكومة عن مواجهة الاستحقاقات المحلية والدولية.

وتاريخياً تشكلت في الكويت 25 حكومة منذ العام 1963، قابلها 12 برلماناً (المدة الرسمية للبرلمان أربع سنوات)، تعرض 6 منها للحل، كان أقساهما اثنين تما بشكل استلزم معه تعليقاً للعمل بالدستور وتعطيلاً للعمل في بعض مواده خلال الفترة 1976 – 1981، و1986 – 1992 إلا أن ظروف الغزو دفعت بالكويتيين إلى التوصل لاتفاق مع الأسرة الحاكمة يحثها على الالتزام بالدستور وإعادة انتخاب البرلمان لتعود الحياة النيابية مجددا للكويت عام 1992.

ويحق لأمير البلاد وحده بموجب الدستور حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، أو إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة متى ما تعذر التعاون بين الطرفين.

ويمزج النظام السياسي في الكويت بين النظامين الرئاسي والبرلماني مع ميل للثاني ما يمتع البرلمان بصلاحيات أكبر من الحكومة، وهو ما أدى لاحقاً لحدوث زحف برلماني على عمل الحكومات المتعاقبة، دفع في حالات متفرقة إلى حد حل البرلمان وإقدام الأسرة الحاكمة بالتفكير جدياً بإلغاء العمل بالدستور نظراً لتعقد العلاقة بين الحكومة ونواب مجلس الأمة.

وينظم الدستور الموضوع سنة 1962 صيغة إدارة البلاد بشكلها الحديث، حيث تتقاسم الأسرة الحاكمة والمواطنين أركان الإدارة وفقاً لمعادلة تكفل تعادل موازين القوى بين جميع الأطراف مع غلبة لكفة أمير البلاد كونه رئيس جميع السلطات، ما يجعله صمام أمان متى ما زحفت أي سلطة على صلاحيات الأخرى.

ويمارس أمير البلاد بحسب الدستور مهامه من خلال مجلس الوزراء الذي تهيمن عبره الحكومة على مصالح البلاد وتسيير أمورها اليومية، فيما يختار المواطنون نواب مجلس الأمة، وهو البرلمان المنتخب يعنى نوابه بالتشريع والرقابة، في وقت تعمل فيه الحكومة على إدارة البلد وتطبيق القوانين وتنفيذ المشاريع العامة.

وبموجب الدستور هناك فريقان يلعبان السياسة في الكويت، الوزراء والنواب، أو في الصيغة الأعم البرلمان والحكومة، وكل لاعب منهم يريد تسجيل النقاط لمصلحة فريقه، وهو ما يؤدي في أحيان متفرقة إلى خروج اللعبة عن قواعدها أو حدوث خشونة متعمدة بهدف إصابة لاعب منفرد أمام المرمى، ودائماً ما تكون ساحة اللعب قاعات البرلمان حيث يجتمع الوزراء والنواب لتسيير أمور الدولة وتشريع قوانينها ومراقبة أداء الحكومة ومصروفاتها من المال العام.

ودائماً ما يسود التوتر العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية نظراً لغياب برنامج عمل واضح، وتردي مستوى الخدمات العامة إلى جانب تدخلات غير معلنة لعدد من النافذين في البلاد على مستوى القرار العام، وهو ما يؤدي إلى حدوث مشاحنات بين الوزراء والنواب لتعكس المشاحنات داخل قاعة عبد الله السالم بمجلس الأمة، وهي القاعة التي يجتمع فيها النواب مع الوزراء للنقاش، مدى الشحن الذي يلف الشارع السياسي والذي يغلف في أوجه منه صراع حقيقي على مراكز النفوذ والقوى والسلطة.

وتتهم قوى المعارضة الحكومة باستمرار لعدم جديتها معالجة الفساد الإداري والمالي، وتردي مستوى الخدمات وغياب المشاريع التنموية، بينما ترد الحكومة على الاتهامات بأن التصعيد المتكرر عليها من قبل النواب، يفقدها التركيز في عملها، لأن ذلك يتطلب منها التفرغ للرد على النواب واستجواباتهم واتهاماتهم، ما ينعكس على أدائها العام إلى جانب تغليب الجانب الشخصي أكثر من السياسي في بعض المسائل الفنية المتعلقة بأداء الوزراء والوزارات.

كما تتنافس التيارات السياسية على مقاعد البرلمان والمناصب الإدارية فيه، حيث تعتبر ذلك مقياساً لحجم قوتها ومؤشراً لما تمثله على مستوى الشارع السياسي، إلا أن الحكومة دأبت منذ نهايات السبعينيات على تقوية التيار الديني بمواجهة التيار الليبرالي، وهو ما استفاد منه أبناء القبائل خاصة من انضوى منهم في العمل السياسي تحت عباءة التيارات السياسية الدينية، فتحول المشهد في أحد أشكاله من مواجهة سياسية إلى مواجهة اجتماعية، تقسم الكويتيين بين أبناء قبائل وأبناء حاضرة، وهو ما انعكس على العمل السياسي، فحدث أن تراجعت الحريات العامة وأقرت قوانين ذات طابع ديني منها قانون الزكاة على دخل الشركات وفصل الاختلاط بين الطلبة في الجامعة.

وسيتجه الكويتيون يوم السادس عشر من مايو المقبل لصناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في الدورة الثالثة عشر للبرلمان، بعد أن دعاهم أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد منتصف أبريل الماضي لإحسان اختيارهم، واختيار الأفضل لمصلحة الكويت، مطالباً إياهم بإعانته على مهمته بعد أن اعتصر قلبه الألم لما آلت إليه الأوضاع في البلاد، إثر علو نبرة الصراخ من النواب على الوزراء، وتخلل العملية السياسية اختلالات شلت الكويت وساهمت في تعطيل مسيرة التنمية فيها بعد أن تفرغ الوزراء والنواب لتبادل الاتهامات، فيما لا يزال المواطن حائراً في تصنيف أي مذاق يغلب على الديمقراطية في بلاده.

font change