تشاثام هاوس، لندن، مارس 2009

تشاثام هاوس، لندن، مارس 2009

[escenic_image id="556041"]

ما هي الأهمية السياسية والاقتصادية لأنابيب نقل النفط والغاز الطبيعي من منابعه الى الدول المستهلكة؟ وهل ستزداد أهمية هذه الأنابيب في أسواق الطاقة العالمية مستقبلاً؟ لماذا حفل تاريخ نقل النفط عبر الأنابيب بالنزاعات بين الدول الأطراف؟ وهل أنابيب النفط هي أحد مصادر النزاعات الدولية ؟ أم أن المشاكل السياسية بين الدول تنعكس على نقل النفط بينها؟ وما العمل لجعل نقل النفط أقل إثارة للمشاكل بين الدول ؟.

هذه الأسئلة وغيرها دفعت بول ستيفنس ،خبير الطاقة في معهد "تشاتام هاوس" في لندن، إلى إعداد تقرير مفصّل عن مشاكل نقل النفط دولياً. نشره المعهد المذكور تحت عنوان : مشاكل العُبور: أنابيب النفط كمصدر للنِزاعات.يتطرق فيه الى  واقع نقل النفط من مصادره الى مستهلكيه في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خاصةً.

يبدأ ستيفنس تقريره مذكرأً بالحوادث الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا(2009) وبين روسبا وجورجيا(2008) ،كونها "أعادت تسليط الأضواء الإعلامية على مشكلة عبور أنابيب النفط بين الدول". كلنا يتذكر الهلع الذي أصاب أوروبا حين قصف سلاح الجو الروسي موقعاً قريباً من خط الأنابيب النفطي "باكو- تبليسي-جيهان" في جورجيا خلال الحوادث التي وقعت بين روسيا وجورجبا عام 2008.  وينقل خط الأنابيب هذا ، الذي دشن عام 2006 ، النفط من الحقول النفطية الأذرية عند بحر قزوين الى مصب جيهان التركي، ثم الى اوروبا. فهو ينقل النفط من أسيا الوسطى الى الأسواق الغربية ،ويبلغ طوله 1774كلم ، وهو قادر على ضخ 1.2مليون برميل يومياً.

واعتماد أوروبا المتزايد على نقل النفط و الغاز إليها بالأنابيب، يزيد مخاوفها من عدم ثبات السياسات التجارية ،إضافة الى الخلافات بين الدول المعنية بالنقل، والذي قد يهدد بإيقاف وصول النفط والغاز الطبيعي إليها، فالموضوع بالنسبة لأوروبا إستراتيجي و حيوي بامتياز .

قراءة معمقة لتاريخ نقل النفط والغاز الطبيعي تثبت أن النقل كان دائماً سبباً لمشاكل بين الدول أدّت أحياناً الى انقطاع نقل النفط بينها لفترات قصيرة أو طويلة الأجل. يعزو البعض سبب ذلك للتوترات السياسية بين  الدول المجاورة، لكن يجب أن لا نغفل - يقول التقرير-  أن نظم العبور وعائدات الدول من استعمال أراضيها لنقل البترول هي أمور لها أبعاد اقتصادية أيضاً.

لذلك يدق ستيفنس ناقوس الخطر طالباً تنظيم قطاع نقل النفط ، معلناً أن "الحل العملي الوحيد القادر على الحدّ من النزاعات بين الدول هو تطوير اتفاقات العبور الحالية وعصرنتها".

أنابيب العبور هذه، هي مسارات محددة لنقل الطاقة إلى الأسواق عبر أراضي دول ذات سيادة، إلا ان  تعدد الجهات المستفيدة وتضارب مصالحها أحياناً، وطبيعة التنظيم والأرباح وعائدات العبور ... إضافة الى نقص الخبرات الاقتصادية والبنية القانونية الأساسية واختلاف شروط الصفقات والمقايضات، وما يسود من توتر في العلاقات السياسية بين الدول وموازين القوى،  غالباً ما تتسبب بمشاكل بين الدول الأطراف، خاصة في غياب التشريع الموحد والسلطة أو المرجعية القضائية الواحدة التي تحّل النزاعات .

في المستقبل - يقول ستيفنس- ستزداد حاجتنا للمزيد من أنابيب نقل النفط والغاز الطبيعي ، لان معظم الآبار القريبة من الأسواق ستستنزف مع ازدياد حاجة العالم للطاقة ،ما يعني ان النزاعات ستزداد إن لم ينُظم القطاع سريعاً.

وتقدر إحتياطيات النفط في منطقة بحر قزوين بحوالي 51 مليار برميل، أي ما يزيد بقليل عن إحتياطات أوروبا والولايات المتحدة الأميركية مجتمعتين،  الأمر الذي جعل بحر قزوين يحظى بأهمية دولية خاصة كمصدر أساسي للنفط والغاز الطبيعي.

إثر انهيار الإتحاد السوفياتي إزداد عدد الدول المطلة على بحر قزوين من دولتين هما الإتحاد السوفياتي وإيران إلى خمسة دول، هي أذربيجان، تركمانستان، كازاخستان، روسيا، وإيران.

كما تحولت المنطقة إلى ساحة للصراع بين الدول حوض بحر قزوين . وبين بعضها وبعض القوى الغربية، لا سيما ان أذربيجان و وتركمانستان وكازاخستان ، الغنية جداً بالنفط ، هي "دول حبيسة" أيضاً، أي لا منافذ لها، مما يجعلها تعتمد على الدول المجاورة لها كوسيط للوصول إلى الأسواق الغربية .

إن جوهر الصراع الجيو- سياسي الحالي في آسيا الوسطى مزدوج: السيطرة على إنتاج النفط والغاز الطبيعي.  والسيطرة على خطوط الأنابيب التي ستنقل النفط إلى الأسواق الغربية، هنا تدخلت واشنطن لترسم خطوطاً نفطية بأبعاد سياسية كخط تركمانستان - أفغانستان - باكستان - الهند والمعروف بـTAPI . وهو البديل الأميركي عن خط أيران - باكستان - الهند والمعروف بـ IPI (شيراز_ حيدراباد )والتي أبدت الصين إهتمامها به، في محاولةً من (واشنطن) لضرب طوق على الطاقة الروسية والإيرانية أكبر الموردين للنفط و الغاز الى أوروبا.

ختم ستيفنس تقرره بسلّة حلول "تقنية" ممكنة ، صاغها على شكل (إقتراحات - تمنيات ) لتخفيف أو لإنهاء مشاكل عبور أنابيب النفط بين الدول وأهمها:

- تشجيع دول العبور  بالانخراط أكثر في الاقتصاد العالمي، لجعل الموضوع مرتبطاً بالاستثمار العالمي، إضافة جعل دول العبور متمسكة أكثر بهذه الأنابيب، وذلك بإعطائها الحق في استهلاك كمية محدودة من الغاز او النفط المصدر عبر أراضيها .

- التشجيع على الحلول المتعددة الأطراف كاتفاقية دولية للطاقة، كذلك ربط الدول المصدرة للنفط ودول العبور والدول المستوردة يبعضها، من خلال نظام مصالح متوازنة لا متضاربة، كما يقترح جعل الموضوع تجاريا إقتصاديا بامتياز، للتقليل من تأثير السياسة عليه، تنظمه اتفاقات جديدة متعددة الأطراف، وصولاً لهيئة أو سلطة قانونية دولية لتنظيم هذا القطاع الهام والمتنامي.

ستيفنس، الذي أسهب في شرح الجوانب القانونية والتقنية والاقتصادية لموضوعه، أعترف بأن للسياسة تأثيراً كبيراً على سوق نقل النفط دولياً،  قائلاً " إن استمرار تدهور العلاقات بين واشنطن وإيران يؤثر على الطرق المقترحة لأنابيب للنفط المصدَّر من إيران،لأن ضغط أميركا على الدول المستوردة ودول المرور سيستمر لمنع شراء النفط الإيراني".فترى هل قرأ المسؤولون الإيرانيون التوصية الأخيرة هذه.

أنتوني زيتوني - باحث في فض النزاعات بواشنطن

font change