العراق: جدل الدولة والمجتمع

العراق: جدل الدولة والمجتمع

[escenic_image id="556092"]

مستقر يسوده الوئام بين كافة أطيافه، وهو وإن انتقل من صفوف المعارضة في زمن النظام السابق ليتولى مناصب رفيعة بعد التغيير لازال يعتبران مسيرة التحول طويلة ومسالكها وعرة وتطلب الكثير من الجهد والجد والعمل.

في هذا الحوار وضع د. عبد المهدي اليد على الكثير من الجروح العميقة لمشروع بناء الدولة، الإرهاب، الخلافات الداخلية ،مستقبل الكتل السياسية، الاستقطاب الطائفي، إضافة الى  التدخلات الخارجية.

المجلة : هل هناك تفسير سياسي لعودة التفجيرات للعاصمة العراقية بغداد، أم أن هناك أطراف تضغط امنيا من اجل مكاسب سياسية ؟

د.عبد المهدي : التفسير الأساس هو أن المعركة مع القوى المعادية لم تنته بعد وإن المعركة بمثابة هجوم وهجوم مضاد. لقد نجحت القوى الأمنية من تحسين الوضع الأمني وحققت نتائج مهمة، لكن ذلك لا يعني أن القوى المضادة قد طردت تماماً من الساحة، فبعد كل معركة هناك استعدادات جديدة تكتشف فيها الثغرات فتسعى هذه القوى لتأكيد وجودها ورفع معنوياتها ودحض أطروحات الحكومة ولاستعادة المبادرة يساعد ذلك الخطط المعلنة لانسحاب القوات الأجنبية من المدن أو الانسحاب النهائي، ويضاف إليها أن العملية الأمنية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع وحسن إدارتها وما تحققه من وحدة القوى والإدارة وكذلك بالأوضاع الاقتصادية والخدمات ورضى الجمهور أو سخطه. ما يمكن تأكيده هنا أن التحول الأمني الايجابي المتحقق هو تحول استراتيجي وحقيقي ولا يمكن أن يرتد آو ينتكس إلا بانتكاسات حقيقية وإستراتيجية,  ونحن لا نسير بهذا الاتجاه كما تؤكد كل الوقائع.

المجلة: دولة الرئيس هل العراق بحاجة على عقد اجتماعي جديد من أجل انجاز عملية المصالحة الوطنية ؟

د.عبد المهدي : الدستور شكل بدايات العقد الجديد يبدو أن هناك قبولاً متزايداً بذلك مع رغبة بإجراء تعديلات حسب الآليات الدستورية، وبما أفرزته المرحلة من ردود فعل وتجربة، وبالتأكيد نحتاج كقوى سياسية وصناع رأي وقرار للخروج من عقليات وظروف الماضي  ومن انحباسات الجماعة الواحدة وآفاقها المحدودة أو مطامحها المتصادمة إلى رؤية الأفاق التي تفتحها عملية انطلاق مصالح الجماعة الوطنية ككل والآفاق الواسعة التي تفتحها للجميع، فالمكاسب ستكون كبيرة للجزء وللكل بالمقابل الطريق الضيق الذي يريد البعض أن يستمر عليه لأنه كان مدمراً للجميع بدون استثناء، وسيكون مدمراً في حالة الإصرار عليه.

 

المجلة: إلى أي مدى يستمر الاستقطاب الطائفي في العراق، وهل انتفت ضروراته؟ وما هي الأسباب الفعلية وراء نشوئه ؟ وهل تراجع تأثير الخطاب الديني على اختيار الناخبين العراقيين بمعايير الانتخابات الأخيرة مثالاً؟

د.عبد المهدي : لاشك أن الاستقطاب سيستمر لفترة غير قصيرة من الوقت، ليس الاستقطاب الطائفي فقط بل الاستقطاب القومي والديني أيضا، وهناك عوامل داخلية وخارجية وشروط داخلية وخارجية للانتقال كلياً من هذا الوضع إلى وضع جديد الاستقطاب المذهبي والقومي كان رداً على سياسة طائفية وقومية حملت معها الظلم للجميع.

فالحل لإنهاء الاستقطاب بإشاعة العدل والتوازن ومشاركة الجميع حسب روح وطنية وعراقية ترى الجميع وتدافع عن الجميع وتعمل لمصلحة الجميع. أما تراجع الخطاب الديني فيجب التدقيق في ذلك حيث أن الحركة أو الحركات التي لها خلفيات دينية ما زالت فاعلة وقوية.

وإن نتائج الانتخابات الأخيرة قد أكدت ذلك، حيث فازت في الجنوب مثلاً بأكثر من 95% من الأصوات، هذه الحقيقة لا تعني أن الحركات الإسلامية أو غيرها تقوم بعملها كما يجب وان سياساتها متكاملة، أو احتوائية ومرشدة بالشكل المطلوب، هناك أزمة في عموم الحركة السياسية العراقية، أو لنقل أن الحركة السياسية وفي مقدمتها الحركة الإسلامية بحاجة ماسة إلى ضرورة تجديد عميق وجدي وحقيقي.. وهذا يشمل الحركات ذات المرجعيات الدينية وغير الدينية  في الساحة العربية أو الكردية أو غيرهما. ظروف الماضي قد تغيرت، ويجب أن تتغير الأشكال والمضامين أيضا وإذا لم يتحقق ذلك فان من سيدفع الثمن ليس الحركات نفسها فقط بل العراق كله أيضا.

المجلة : ما هي إمكانية تكوين حركة مدنية غير دينية في الوسط الشيعي العراقي؟

د.عبد المهدي: إمكانية تكوين حركة بالمعنى الذي تشيرون إليه أمر ممكن، بل أن الوسط الشيعي العراقي يضج بالحركات الفكرية والسياسية التي لا تتخذ من الدين مرجعية لها, والمشكلة ليست هنا هل ستحظى بالتأييد المطلوب ؟  وهل ستستطيع كسب الشعب؟

فالوسط الشيعي كان أساسا منطلق الحركة الشيوعية وحزب البعث وحركة القوميين العرب، والكثيرين غيرهم من حركات غير دينية كما تحبون أن تعبروا وبعض هذه الحركات، إن لم اقل جميعها، كسبت في مراحل معينة قطاعات مهمة من الشارع الشيعي بل العراقي،  لكنها تراجعت وانحسر نفوذها كثيراً وتقدمت الحركات التي مرجعيتها الدين. ليس الآن بل منذ فترة من الزمن. فكسبت التأييد وتكوين حركة مؤثرة لا يعتمد على مرجعية الدين أو مرجعية غير الدين فقط، بل أساساً على شعور الناس أن هذه الحركة تخدم المطامح الوطنية والقيمية والمعنوية والمادية والخدمية لها. فإذا تخلفت الحركات ذات الخلفيات الدينية عن تحقيق هذا الشرط فستتراجع والأمر صحيح بالنسبة لغيرها أيضا.

المجلة : أين هو موقع البرجوازية الشيعية غير الحزبية من التمثيل السياسي الشيعي في العراق؟

د.عبد المهدي: ضعيفة جداً بل أن الطبقة البرجوازية عموماً ضعيفة في العراق وتلقت ضربات منذ الخمسينات وإلى الآن لم يبق لها شيئاً يذكر، فتراجع دورها الاقتصادي ومن ثم السياسي والفكري خصوصاً. أنها لم تكن قوية أصلاً بل كانت ناشئة ولم ترسخ لنفسها استقلالية حقيقية وتقاليد عمل اجتماعية وسياسية حقيقية يرتكز عليها فغابت معالمها وأصبحت مبعثرة وغير متواصلة، ولا تراكم لنفسها ممارسات وقيم وأصول تستطيع بثها والارتكاز عليها، وبالتالي أحداث التأثير اللازم لها سياسياً لتلعب الدور المنشود. أصبحت اضعف من أن تواجه مسلحاً معدماً مما يسمى "بالبروليتاريا الرثة" يأمرها بإغلاق محلها أو إعطاء "الخوة" المطلوبة لتسيير مصلحتها أو عملها.

المجلة: هل انتهى دور الائتلاف العراقي الموحد وخصوصاً بعد الانتخابات المحلية الأخيرة ؟

د.عبد المهدي : كلا لم ينته، فأذكركم أن الانتخابات المحلية الأولى التي جرت في نفس فترة الانتخابات التشريعية السابقة، أقول أذكركم أن تلك الانتخابات قد خيضت بقوائم منفردة بينما خيضت الانتخابات التشريعية بقائمة الائتلاف بالنسبة للقوى التي تقصدونها، الآمر هذه المرة سيعتمد أيضا على حسابات مختلف القوى, وعلى الضغوطات المفككة أو الموحدة التي ستواجهها.

المجلة : هل من الممكن إن يشهد العراق ائتلاف وطني بدلاً من الائتلافات الطائفية، خصوصاً بعد التسريبات عن مفوضات، تدور بينكم و بين أطراف خارج الائتلاف العراقي الموحد، مما هم كانوا  في السابق خصوماً للمجلس الإسلامي الأعلى؟

د.عبد المهدي: السؤال غامض وفيه تفرعات عديدة لكن هل يمكن أن يشهد العراق ائتلافاً وطنياً بديلاً، نعم ..بمعنى أن الكثيرين يفكرون أن الساحة العراقية واحدة وأن الصوت الذي يأتي من الشمال معادل للصوت الذي يأتي من الجنوب ويجب كسبه. فأما أن يتحقق الأمر عبر ائتلاف القوى المحلية في ائتلاف وطني يعقب الانتخابات آو أن يتحقق الائتلاف الوطني قبل الانتخابات ليفوز بحكومة وطنية مؤسسة ابتداءاً وليس لاحقاً.

صعوبة الأمر الثاني هو أن القوى المحلية ما زالت اقوي في ساحاتها من أية أطروحة أخرى مع التأكيد أن الاتحاد حول المنهاج والحكومة قبل الانتخابات سيشكل خطوة مهمة في إنضاج العملية السياسية في العراق والخروج من الخندقة بكل أشكالها. لذلك نحن بحاجة إلى تطوير نظامنا الانتخابي أكثر فأكثر.. وبحاجة عاجلة إلى قانون الأحزاب, وبحاجة إلى فصل الدولة بكل مؤسساتها عن الأحزاب وتحييدها كلياً مادياً وسياسياً وأمنياً. ليصبح اختصاص الأحزاب السياسة في إطار الحكومة، أي تشكيلة السلطة التنفيذية والتشريعية المكلفة بوضع السياسات والسهر على تنفيذها، وليس عبر الاستيلاء على الوزارات ودوائر الخدمة العامة التي يجب أن تكون بمنأى عن ذلك كله وتتمتع باستقلالية عن الأحزاب والقوى السياسية وتستطيع أن تستمر في عملها حتى عند الأزمات السياسية.

المجلة : ما هي الأسباب الكامنة وراء القلق الكردي من سياسات الحكومة المركزية، هل هناك أزمة ثقة بين الطرفين، أم إن هناك صعوبة لدى الأكراد في  الانتقال في التعامل من عقل المعارضة إلى عقل الدولة ؟

د.عبد المهدي: نعم هناك أزمة ثقة الأخوة الكورد مارسوا الإدارة منذ بداية التسعينات، بل أن الحركة الكوردية مارست أشكالاً من الإدارات المحلية قبل ذلك بكثير بسبب الطبيعة المسلحة للحركة تاريخياً، لذلك الصعوبة لدى الأخوة الكورد هو ليس الخروج من عقل المعارضة إلى عقل الدولة بل الصعوبة في الخروج من عقل الجغرافيا إلى عقل المصالح, هوجمت جغرافياتهم وكل ما يرتبط بها من قيم ولغة وتشكيلات فصار موقفهم الطبيعي الدفاع عن كل هذا الذي يهددهم. فإذا كان الكورد في المعارضة يدافعون عن جغرافيتهم وثقافتهم ومصالحهم بالانكفاء على ذاتهم منعاً لاختراق الأطروحات المعادية لهم فان الدفاع عن مصالحهم اليوم.

يعني بالضرورة الانتقال من ذلك النهج إلى منهج البحث عن المصلحة الأعلى لهم, وهذه، في رأي، تكمن في بغداد وليس في كوردستان. العراق الديمقراطي الاتحادي التعددي هو ما يضمن مصالح الكورد, وهذا العراق الجديد ينتصر له ويتحقق في كل تفاصيل وجزئيات العراق وليس في كوردستان أساساً، ويكسب بأطروحات العراق كله قبل أن يكسب بأطروحات كوردستان، وأطروحات العراق يجب أن تحتوي المصالح الكوردية المتناغمة مع عموم مصالح الوطن في إطار ما اقره الدستور كما يجب أن تسير المصالح الكوردية بالخط الطولي للمصالح الوطنية لنقل أن أطروحات الجغرافيا أن كانت ستعطل أطروحات المصلحة فان الأولى يجب أن تخضع للأخيرة وليس العكس، ما دام الأمر يدور على أساس الفهم الدستوري الذي يضمن مصالح الجميع، فالمطلوب أن تخدم الأولى الطرح الرئيس لا أن تقف معرقلة أو بالضد منه. وأن يخدم الطرح الرئيس ويساعد على حل المشاكل المحلية لا أن يستغلها لتعقيدها أو التحسس منها. كذلك هناك أزمة ثقة لان هناك الكثيرين في بغداد وفي العراق من الذين لا يؤمنون حقاً بالنظام الديمقراطي الاتحادي التعددي ومطمحهم هو العودة إلى شكل من أشكال علاقات الماضي.

هناك أزمة ثقة لان هناك أخطاء تحصل من كل الأطراف ولا تعالج المشاكل الموروثة من الماضي، أو المضافة من الحاضر بالمنطق السليم بل بمنطق لي الأذرع ومنطق الأعداء وليس أبناء الوطن الواحد والمصلحة المشتركة أيضا. أن البعض يتناسى ما تعرض له الكرد  وعلى مدى قرن من الزمن من إلغاء وتهجير وقتل ومحاربة.

فالنظر للأخطاء الكردية عندما تحصل لا يتم في إطار المصلحة والمشكلة العامة والتاريخية الموجودة بل يتم استثمارها وعدم المساعدة عليها بالطرق الحوارية أو الدستورية وكأن الكورد غير عراقيين. هذا الطرف يسقط أيضا بمنطق الجغرافيا وليس المصلحة الكلية.. لنقل أن القوى المضطهدة والتي عانت من نظام الظلم والاستبداد سواء أكانت كردية أو عربية أو تركمانية أو مسيحية يجب أن تحذر من أن تسقط كلها أو بعضها من "قانون فانون" الذي شرحه في كتابه "المضطهدون في الأرض" أي أن لا يستخدم المضطهد (بفتح الهاء) نفس أساليب المضطهد (بكسر الهاء) عندما تؤتيه الظروف ويكون في مواجهة قدرة أو قوة اقل منه.

 المجلة : كيف تقيمون  الدور الإيراني في العراق، وما هي صحة  الاتهامات الموجهة لطهران بتدريب عناصر عراقية من اجل القيام بعمليات عسكرية في العراق و الإخلال في الأمن؟

د.عبد المهدي: ننظر بايجابية للدور الإيراني ولدينا مطالبات واختلافات معه، والعكس صحيح أيضا. إذا أردنا محاكمة الوضع الإيراني مع نسيان تاريخ الحروب والعلاقات وما جرى بين البلدين والوضع الراهن ووجود القوات الأجنبية والأجندات الإقليمية فان نظرتنا ليست للوضع الإيراني فحسب بل لكل دولة مجاورة أو بعيدة أخرى سيكون سلبياً وغير موضوعي. نعتقد أن إيران هي أول من اعترف بالأوضاع الجديدة في العراق وان لدينا خلافات معها كما لدينا خلافات مع الآخرين لكن طريقنا لذلك هو الحوار والسياسة والمصالح المشتركة. وإيران ليست شيطاناً والآخرون ملائكة. الجميع دول لها مصالح وسياسات وعلينا أن نتفهمها ونتفهم أوضاعنا لنتعامل معها، العراق الديمقراطي الجديد يريد الصداقة مع الجميع وبدون استثناء. النظم الاستبدادية والفردية هي فقط من تفتش عن مبررات وعداوت ومؤامرات خارجية لتبرير استبدادها الداخلي. والعراق خرج من نظرية الاستبداد ويريد بناء كل شيء على الصداقات والعلاقات المتوازنة المتبادلة المتكافئة.

المجلة: إلى أي مدى تحمي الاتفاقية الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة، العراق، و ما هي أسباب التوتر الإيراني من قبول العراق للاتفاقية؟

د.عبد المهدي: ليست الاتفاقية هي الأهم, الإرادة الأمريكية. اعتقد أن الإرادة الأمريكية وبغض النظر عن الموقف العراقي قد تراجع اهتمامها بالعراق وذلك لأسباب داخلية أمريكية أساساً بعد الضغوطات التي شكلتها عليها الحرب والأوضاع الإقليمية والدولية.

أما التوتر الإيراني فسببه أمران. الأول أن إيران تقود سياسة مخاصمة لأمريكا في المنطقة وهي تعتبر أن الحكومة في العراق يقودها الشيعة وهي لا تريد أن يرتبط اسم الشيعة بأية اتفاقية مع دولة كالولايات المتحدة الأمريكية. أما الأمر الثاني فهو أن الوجود الأمريكي في العراق قد فهم منذ البداية انه موجه ضد إيران، أي ضد ما سمي بمحور الشر، وذلك خلافاً للوجود الأمريكي في أفغانستان مثلاً حيث شاركت إيران في مؤتمر بون وأخيرا في الاجتماع المتعلق بهذا البلد.

 المجلة: هل من الممكن إن يكون العراق ثمنا للتقارب الإيراني الأميركي من جهة و التقارب السوري الأميركي من جهة أخرى، أي إعطاء دور اكبر لإيران في العراق؟

د.عبد المهدي: العراق لن يكون ثمناً لأحد. العراق تحكمه الآن حكومة وطنية تعرف مصالحها ويراقب الحكومة مجلس نواب منتخب لا يخضع سوى لإرادة ناخبيه والقوى السياسية العديدة المشكلة لتوازناته، على العكس التقارب الأمريكي الإيراني أو الأمريكي السوري، أو أي تقارب بين إيران والدول العربية خصوصاً المملكة العربية السعودية، أو بين الأخيرة وسوريا هو لمصلحة العراق. العراق يدفع الثمن عندما يكون حلبة للاختلاف والصراع,  لكنه يكسب ويقبض الثمن عندما يكون العراق محور الاتفاق والتصالح.

المجلة: هل هناك تقصير عربي في العلاقة مع العراق، ما هو المطلوب عراقيا من اجل تحسين هذه العلاقة، وما هو حجم و حدود المبادرات العربية اتجاه العراق و خصوصا دول الجوار؟

د.عبد المهدي: نعم هناك تقصير عربي في العلاقة من العراق.. قطاعات مهمة رسمية وشعبية من العرب تتعامل مع العراق بتعليمية وفوقية ويملون عليه دروساً، هم لا يوفرونها في بلدانهم. أن جزءاً من مشكلة العراق سواء في نظام حكمه او في العلاقات العربية هي نتاج الأوضاع العربية والإقليمية والتي يتحمل جزءاً مهماً من مسؤوليتها تلك القطاعات الرسمية والشعبية. لكنهم يبحثون عن كبش فداء آو مهرب لمأزقهم. فالمشكلة في العراق لها جذور في كل شيء. جذور الضعف والتفكك العربي وعدم رشد قراراته. جذور من التعصبات القومية والمذهبية. جذور من البقاء عند الماضي وعدم التعلم من دروسه والنظر للمستقبل. جذور من وضع الرأس في الرمال وعدم النظر حولنا لنرى مكاننا في العالم ودورنا فيه والتصرف بموجب ذلك. العلاقات العربية ليست نافلة للعراق بل هي فريضة. والعراق ليس عراقاً أن لم يكن عربياً ليس بمعنى الانتماء فقط بل بمعنى عناصر الحياة التي تمده بمصادر الحياة والقوة والامتداد. من هنا أهمية أن يعي العراق أيضا هذا الدور ويفعله ويرفع عنه كل عوامل التعطيل الحقيقية أو الوهمية لمصلحته ولمصلحة المنطقة والعرب أيضا.

المجلة: دائما ما تتحدثون عن عسكرة المجتمع ، هل تتخوفون من ظهور نزعة عسكرية في المجتمع العراقي ؟

د.عبد المهدي: المشكلة ليست الخوف من ظهور النزعة العسكرية بل هل سنكون قادرين على التخلص منها. فالعراق قد عسكر سياسياً وثقافياً وحزبياً وتربوياً وأخلاقيا والى العظم أو يكاد. فقد ربي العراق منذ أجيال وعقود طويلة على العسكرة. فحياته كلها حروب خارجية وداخلية والنزعة أساسا قوية للغاية. وقد حاولنا في الدستور أن نضع بدايات للتربية المدنية. لكننا أخفقنا إلى حد كبير.

أولاً بسبب قصور عندنا.. والثاني بسبب الإرهاب والتخريب والعمل المسلح والمشاحنات الطائفية أو الاثنية. لذلك عادت العسكراتية قوية وبلغت القوى التي هي تحت السلاح اليوم من حيث العدد على الأقل ما كان لدينا بعد انتهاء الحرب مع إيران. وللأسف الشديد النزعة الآن تجد لنفسها مناخات متجددة. واعتقد أن القادة العسكريين أنفسهم يجب ان يكونوا أول من يقف ضد هذه التوجهات لكي لا يكونوا من جديد محرقة جديدة لحروب وانقلابات وإعمال إقحام للجيش فيما ليس من اختصاصه الرئيس وهو الدفاع عن الوطن.

المجلة: دولة الرئيس بعد 6 سنوات على التغير هل أنت راضى على  العملية السياسية  أين أخطأتم، وكيف تقيمون التجربة؟

د.عبد المهدي: كلا أنا غير راض, ليس لأنه لم يتحقق شيء فكما أخبرت الرئيس ساركوزي في لقائي الأخير به في باريس بان ما تحقق إذا ما اخذ الوضع العراقي السابق هو اقرب إلى المعجزة، أنني غير راض لأنني أجد أن العراق يمتلك من الطاقات الشيء العظيم وان الظروف مناسبة,  ونستطيع أن نحقق الكثير الذي يخرج العراق من الأزمة التي وضع فيها أو سرنا عليها، هناك ضغوطات وصعوبات كبيرة. لكن الأمر الأكبر يأتي من داخلنا، من عقولنا وعدم قدرتنا أو عدم شجاعتنا على تجاوز ما يكبلنا، نخاف من بعضنا البعض ونخاف أن نتهم أو إن نشتم أكثر من خوفنا من بقاء عوامل الفقر والضعف والاستعباد والجهل والمرض والتصارع والفتنة بيننا.

المجلة: ما هو أخر كتاب قراءته ؟

د.عبد المهدي: أخر كتاب، أي كتاب واحد في وقت واحد، فهذا الشكل من القراءة قد انتهى منذ كتب اجاتا كريستي وجرجي زيدان،  وكتب دار الهلال وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وغيرهم. أو منذ الكتب المدرسية أو السياسية أو العامة على حد سواء.. أما قراءة الكتب من خلال عناوينها وفهارسها وتقليب الصفحات والركض بين الأسطر والوقوف عند المثير والملفت للاهتمام, فهو الجاري حالياً ومنذ وقت غير قصير. اقرأ مرة من هذا ومرة من ذاك. والكتب الأهم هي الكتب التي تجعلك تعود من الجملة إلى الصفحة، ومن الصفحة إلى الفصل، ومن النهايات إلى البدايات.

وهي الكتب التي تبقى أطول إلى جانبك.. أما ما أتذكره من الكتب التي عند رأسي في الفراش,  أو التي ترافقني في السفر والتنقل في هذه الأيام، عدا الثابتة منها كالقرآن الكريم ونهج البلاغة، "أخر يهودي في بغداد".. باللغة الانكليزية للمواطن العراقي نسيم رجوان، الذي ينقل مشاهد مثيرة عن حياته في العراق وبغداد ,خصوصاً في فترة الثلاثينات والأربعينات.. و"محمد والقرآن" ترجمة الدكتور رضوان السيد.. و"مسيحيو العراق" لسهيل قاشا.. و"الاقتصاديات العالمية منذ أزمة جنوب شرق آسية" ترجمة هناء الخفاجي.. و "مفتاح العلوم" للسكاكي. و"العراق بين نهاية الفترة  العباسية ونهاية العثمانية" لعبد الأمير الرفيعي.

وكتابين بالانكليزية عن الرئيس أوباما وحياته وشخصيته. وكتاب بالفرنسية حول "التجاهل المقدس- زمن الدين دون الثقافة" لاوليفية روا، والذي يحلل السلوك الديني (المسيحي في مثاله) والذي سعى إلى جعل إلغاء الآخر أمرا مقدساً... وآخر بالفرنسية بعنوان "إدارة المياه في الإسلام" بإشراف ناصر فاروقي وآخرين.. وكتاب الدكتور علي علاوي وزير المالية العراقي السابق باللغة الانكليزية بعنوان "أزمة الحضارة الإسلامية"، و"فاجعة ألطف" لآية الله العظمي السيد محمد سعيد الحكيم.. إضافة إلى كتابي الذي صدر مؤخراً بعنوان "الثوابت والمتغيرات في التاريخ الاقتصادي للبلاد الإسلامية" والذي أصحح فيه الأخطاء التي احتوتها الطبعة الأولى استعداداً لإصدار الطبعة الثانية وتحت يدي أيضا "تقرير الأمم المتحدة لمساعدة العراق حول الحدود الداخلية المتنازع عليها وقضية كركوك"، المقدم من قبل ممثل الأمم المتحدة السيد ديمستورا المتكون من أكثر من 500 صفحة،  والذي يجب قراءته صفحة كالواجب المدرسي.

حوار مصطفى فحص

font change