هل هي مهمة جاسوسية؟

هل هي مهمة جاسوسية؟

[escenic_image id="554941"]

 في الميثولوجيا الرومانية، كان جانوس الإله ذو الوجهين يرمز إلى التغيير والإنتقال من حال إلى حال، كما هو الشأن في الإنتقال من الماضي إلى المستقبل. وترسخ التوصية السابعة التي وردت في تقرير الورقة البيضاء لفريق "السياسات بين الهيئات" حول السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان وباكستان ضرورة قطع الصلة القائمة حالياً بين المخدرات والتمرد.

وقد يكون هذا الهدف مهمة تشبه مهمة جانوس: إذ بالرغم أن التمرد في أفغانستان وباكستان يرى على أنه حركة تتزعمها طالبان، فمن الواضح أيضا أن ثمة جماعات أخرى مهتمة بأن تظل هناك في أفغانستان مناطق غير خاضعة للحكم. وفي نفس الوقت، هناك إتجاهات عديدة بين الحلفاء لمحاربة المخدرات في الدولة. فمشكلة المخدرات تؤثر على الطبيعة النهائية للحكومة وبنية المجتمع وتؤثر كذلك على تطور أفغانستان كدولة ناجحة وعلى منطقة وسط آسيا.

وختاماً فإنها تؤثر على النظام الدولي للصحة والقانون: حيث تعد أفغانستان هي المورد الأول للأعشاب المخدرة التي يتم تصديرها في شكل أفيون أوموروفين أوهيرويين. وفي هلمند يتم إنتاج 50 % من الإنتاج العالمي للأفيون. ويعد هذا المكان هو المعقل الأقوى لطالبان بالإضافة إلى قندهار. وفي نفس الوقت، فإن معظم المعامل توجد في إقليم نانجامار. وفي الدراسة النهائية عن الأفيون في أفغانستان لعام 2007، والتي صدرت اليوم، فإن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة يوضح أن الأفيون اليوم يساوي أكثر من 53 % من إجمالي الناتج القومي المشروع: حيث بلغت القيمة الإجمالية لصادرات العقاقير التي تحتوي على أفيون والتي تم إنتاجها وشحنها من أفغانستان في عام 2007 حوالي 4 بليون دولار بزيادة تبلغ 29 % عن عام 2006.

ومنذ الإطاحة بحركة طالبان من السلطة في كابول آواخر عام 2001، فقد إزدادت مساحة الأراضي المزروعة بالخشخاش مما يقرب من 8.000 هكتار تقريباً إلى مايقدر بـ 165 ألف هكتار. وتعتبر صناعة المخدرات في أفغانستان والمنطقة المحيطة بها من العوامل الداعمة لعدم الإستقرار الداخلي، كما أنها تعمل على زيادة التهديدات الإرهابية الناشئة من المنطقة. وثمة حاجة إلى تبني توجه إقليمي متعدد الجوانب لمكافحة هذه المشكلة. لقد تغلغل الفساد المرتبط بصناعة الأفيون إلى كل مستويات الحكومة الأفغانية، من الشرطة إلى البرلمان ويؤدي إلى تراجع حكم القانون. كما تهدد العلاقة القائمة بين صناعة المخدرات والحكومة الجهود الرامية إلى بناء مؤسسات أفغانية تتسم بالإستقرار والشرعية. وهذا يمثل تهديداً للمؤسسات الأفغانية وكذلك للإقتصاد الأفغاني من خلال خلق إقتصاد مواز يعمل على نشر الفساد في جميع مستويات المؤسسات الوطنية.

وعلى سبيل المثال، ففي حملة تفتيشية واحدة، تمت إستعادة تسعة أطنان من الأفيون من مكتب حاكم إقليم هيلماند بأفغانستان. وبينما تم إستبدال هذا الحاكم في نهاية الأمر، لم يتم إتخاذ أي إجراء عقابي ضده، بل تمت ترقيته إلى منصب رفيع بالبرلمان. وهذه الواقعة ليست حالة نادرة، حيث يتم إسناد مناصب جديدة بشكل روتيني إلى المسئولين المفسدين بدلاًً من تسريحهم. وبالنسبة لكثير من لوردات الحرب الأفغان فإن تجارة الأفيون تعد مصدراً للثروة والسلطة. وعلى ذلك فإن كثيراً من لوردات الحرب الأفغان هم أيضا من كبار لوردات المخدرات. وفي بعض الحالات، فإن لوردات الحرب من هذا النوع هم نفس الأشخاص الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة من أجل الإطاحة بطالبان في عام 2001.

وفي بعض الأقاليم، فإن لوردات الحرب يقومون حالياً بدعم صناعة الأفيون من خلال تقديم الرشوة للمسئولين الحكوميين وتقديم الحماية للمزارعين وتجار المخدرات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة يفيد بأن حركة طالبان قد قامت بتوزيع منشورات تأمر المزارعين بزراعة الخشخاش. كما أنهم يدفعون لكل رجل أفغاني 200 دولاراً شهرياً كي يحارب في صفوفهم ضد القوات الأمريكية وقوات الناتو، في مقابل 70 دولار شهرياً يتقاضاها أحدهم  من حكومة كارزاي. وفي المجمل، فإن الفساد السياسي قد أصبح منتشراً في أفغانستان لدرجة أنه أصبح يقوض المؤسسات العامة ويؤدي إلى تآكل حكم القانون وخلق نطاق واسع من الهشاشة وعدم الإستقرار.

 أما محمد داود _الحاكم السابق لمقاطعة هيلماند_ فيقول في معرض وصفه لهذه الصلة مع طالبان:" لقد أقامت حركة طالبان تحالفاً مع مهربي المخدرات من خلال تقديم الحماية لقوافل المخدرات وتصعيد الهجمات من أجل إقصاء الحكومة والمحافظة على إزدهار زراعة الخشخاش. وعلى سبيل المثال، فإن 70 في المائة من دخل طالبان حالياً يأتي من أموال الحماية وبيع الأفيون. وإضافة لكل هذا، يبدو أن الموقف في سبيله إلى التدهور، كما يدل على ذلك تقرير صادر عن فرع لشرطة كابول يختص بمكافحة الجريمة جاء فيه: " تتزايد الأدلة التي تثبت أن أعضاء حركة طالبان وحلفائهم هم بصدد تجاوز فرض الضرائب على التجارة إلى حماية شحنات الأفيون وتشغيل معامل الهيروين بل وتنظيم ناتج المزارع في المناطق التي يسيطرون عليها.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي تفكر بشكل جذري  فى إتباع أسلوب مختلف حتى إن مواقفهم تميل إلى إضفاء الشرعية على إنتاج الخشخاش في أفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، سوف تكون هناك مشكلة في دمج سياسات مكافحة التمرد ومكافحة المخدرات لأن إستراتيجية عمليات مكافحة التمرد تحتاج للدعم المستمر من جانب السكان الأفغان المحليين. يتمثل الأسلوب الصحيح في فهم أن إنتاج الأفيون لا يتعلق فقط بإنتاج المحاصيل غير المشروعة، وإنما هو جزء من النظام الإقتصادي المعقد للريف. وعلى هذا، تحاول حكومة المملكة المتحدة حالياً تضمين مكافحة المخدرات داخل الإطار الأوسع لتخطيط إستراتيجية شاملة للتنمية الريفية عن طريق دعم التكامل بين عمل الوزارة الأفغانية لمكافحة المخدرات مع وزارات أخرى في أفغانستان.

في الوقت نفسه، يوجد أسلوب متزايد من عمليات تدمير محاصيل الأفيون، حتى أن قوات (إيساف) الدولية لحفظ السلام تقوم بها أحياناً وفقاً للتوصيات الواردة في التقرير المشترك للولايات المتحدة. وتدعم المملكة المتحدة الحكومة الأفغانية في تنفيذ إستراتيجيتها الوطنية للسيطرة على المخدرات. ووفقاً لهذه الإستراتيجية، تعتمد الخطة على ثماني ركائز، والتي تشمل مجموعة كاملة من الأنشطة اللازمة لمكافحة تجارة المخدرات. وهذه الركائز هي : بناء المؤسسات، والحملة الإعلامية، وسبل العيش البديلة، وتطبيق القانون، والعدالة الجنائية، وإستئصال الزراعات، وخفض الطلب على المخدرات ومعالجة المدمنين، والتعاون الإقليمي. تنفق هذه الإستراتيجية 1.6 مليون جنيه استرلينى لتخليص الأقاليم من محاصيل الخشخاش، وتستهدف مناطق لتدمير محاصيل الخشاش على مساحة 6000 هكتار. وترمى الخطة أيضا  إلى إنشاء برامج بديلة ومراكز معلومات لأكثر من 30.000 مزارع.

وتحاول إستراتيجية المملكة المتحدة تطبيق نفس إستراتيجية (إيساف) المتكاملة وتعتمد على التنسيق بين جميع المؤسسات لتوحيد الجهود فى كل منطقة. وتبدأ إستراتيجية المملكة المتحدة ببرنامج تجريبي في مقاطعة هيلماد بتمويل قدره 12 مليون جنيه استرلينى. ولكن بما أن 70 ٪ من الأفيون الأفغاني يتم تحويله إلى هيروين في أفغانستان فأن الهدف الأساسي هو تدمير السلائف الكيميائية للمخدر، ليس فقط في هذا البلد ولكن أيضا في المنطقة.

وسوف يكون وجود إستراتيجية إقليمية لمكافحة إنتاج واستيراد السلائف الكيميائية وسيلة مباشرة وفعالة لوقف الإرتفاع الخطير في قيمة إنتاج الأفيون الأفغاني، وفي هذا الشأن يعتبر التعاون الإقليمي موضوعا أساسياً. وقد تضررت إيران وباكستان وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى بشدة نتيجة تهريب المخدرات.

ويعتمد نحو 2.8 ٪ من سكان إيران على المخدرات القوية. ويبلغ تعاطي المخدرات في أفغانستان 1.4 ٪، وتأتي في المرتبة الثانية بعد إيران. وتتراوح تقديرات عدد المدمنين بين 1 مليون إلى 10 مليون شخص. وقبل أربع سنوات إستخدم معظم المدمنين الإيرانيين الأفيون، لكن أغلبيتهم الآن يستخدمون الهيروين أو "الكريستال". ولهذا، نفذت إيران وباكستان وأفغانستان عملية مشتركة لأول مرة ضد شبكات تهريب المخدرات في 8 مارس من عام 2009. وجاءت هذه العملية في إطار مبادرة قام بها مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة في إطار ما يسمى بالمبادرة الثلاثية والتي هي جزء من إستراتيجية قوس قزح التابعة لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة وذلك لمواجهة الخطر الذي يشكله الأفيون الأفغاني. وتشرك هذه الإستراتيجية أفغانستان والدول المجاورة في إيجاد الحلول. وهي تتألف من العديد من الخطط التنفيذية والتي تستهدف سبع أولويات متفق عليها دولياً، وتشمل إدارة الحدود، والسلائف الكيميائية، والسيولة المالية،وتعاطي المخدرات والوقاية والعلاج.

لقد كان بعض الناس يعبدون الإله جانوس في معبد إيانوس جيمنوس، وهو معبد به بوابات عند كل طرف. وفي أثناء الحروب، كان يتم فتح بوابات المعبد. وكان يتم  في الداخل تقديم القرابين للتنبؤ بنتائج الأعمال العسكرية. وللأسف، أغلقت أبواب المعبد فقط خلال زمن السلم، وهي حادثة نادرة للغاية.

البروفيسور دايفيد جارسيا كانتالابيدرا - أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كومبلتينز بمدريد. كما شارك في تأليف كتاب "الإنطباعات والسياسة في العلاقات عبر الأطلنطي.رؤى استشرافية من داخل الولايات المتحدة وأوروبا" - روتليدج 2009.

font change