ما بعد الإنتخابات اللبنانية

ما بعد الإنتخابات اللبنانية

[escenic_image id="554923"]

تعتبر نتائج الإنتخابات اللبنانية واضحة تماماً لمن يتقيدون بلغة "الفائزين" و"الخاسرين".  فقد فازت حركة 14 مارس، وجماعات التحالف السياسي السنية والمسيحية والدرزية، بما فيها عدد من المرشحين المستقلين بأغلبية المقاعد في نظام لبنان البرلماني ذي المجلس الواحد. ومع ذلك، طالما كانت السياسة اللبنانية حساسة ومعقدة دائماً. وحتى لو رجحت العوامل الدولية والداخلية كفة الميزان في إنتخابات لبنان لصالح حركة 14 مارس، إلا أنه لكي تتعامل لبنان مع جدول أعمالها السياسي الصعب فهي تحتاج لحكومة تشمل كل الأطراف بقدر الإمكان. وسوف يكون من الخطأ الإعتقاد بأن هذه الإنتخابات تعكس لبنان المتحدة التي تؤيد الشركاء الغربيين والسعودية دون قيد أو شرط.

ويتضح جلياً من النظر في النتائج المفصلة أن الطائفة الشيعية لا تزال موالية للمعارضة وأن حركتي حزب الله وأمل تتمتعان بنفس الوزن السياسي الذي كانتا تتمتعان به في الفترة السابقة إلى حد كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن العنصر المسيحي في تحالف 8 مارس لا يزال هو الحزب المسيحي الرئيسي في لبنان برئاسة ميشيل عون. وجاء إنتصار حركة 14 مارس غير منازع حقاً ومعترفاً به من قبل المعارضة، ولكن يقتضى التقييم الحكيم أن نأخذ في الإعتبار أن الفوز هو مجرد  عملية حسابية لعدد الأصوات في الإنتخابات وليس تحولاً مباشراً من اللبنانيين تجاه الغرب.

ومع ذلك، فإن الديمقراطية هي حكم الأغلبية، ولكن ما يجعل تطبيق هذا المبدأ صعباً هو حقيقة أن لبنان يحتاج بشكل عاجل لمعالجة القضايا السياسية والتي ستكون موافقة المعارضة عليها حيوية. ويشمل جدول الأعمال السياسي اللبناني عدداً من البنود، ومن بينها إستمرار الحوار الوطني، ومراجعة القانون الإنتخابي، والحالة الإقتصادية المقلقة، ومشكلة العدالة الإجتماعية المتغاضي عنها بجانب إنتشار الفساد، والذي يعتبر من أعراض ضعف النظام القضائي. وبالإضافة إلى ذلك، توجد القضية الحساسة والخاصة بتشكيل جيش لبناني كفؤ وضمان إحتكار الدولة لإستخدام القوة على أراضيها. وتنعكس كل هذه المشاكل على دور لبنان الجغرافي والسياسي والذي تؤثر فيه الأطراف الإقليمية والدولية والتي لا تتردد في تقويض السيادة اللبنانية الهشة بالفعل.

وإذا لم تتسع الحكومة الجديدة بنحو يشمل أعضاء المعارضة سيكون من المستحيل معالجة أي من المشاكل المذكورة سابقاً، وأية محاولة للقيام بذلك دون توافق واسع في الآراء سوف يؤدي حتماً إلى عدم الإستقرار.

وعلى هذا، لا تتوفر للحكومة الجديدة فرص كثيرة حتى الآن، حيث أن المرشح الأرجح لرئاسة مجلس الوزراء هو "سعد الحريري" وهو الزعيم السني لإئتلاف 14 مارس ونجل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والذي اُغتيل في هجوم بقنبلة في عام 2005 وتم عقد محكمة دولية خاصة للجريمة. وتتطلع المعارضة لتشكيل سلطة إعتراض تمثل ثلث عدد أعضاء الحكومة وسوف يضمن ذلك ألا تتخذ الحكومة أية قرارات رئيسية دون موافقة المعارضة.

وفي حالة حدوث ذلك سوف تسحب المعارضة أعضائها من الحكومة مقوضة بذلك شرعيتها الدستورية كما حدث من قبل. ويفهم الجميع بالطبع أن هذا يمثل حالة من شأنها أن تصيب الحكومة اللبنانية الجديدة الجديدة بالشلل، وسوف تعرقل حدوث أي تغيير كبير. وقد يتم التوصل إلى حل وسط قد يسهل تشكيل الحكومة الجديدة وهو إدراج حصة رئيس الدولة في الحكومة وسوف يضمن ذلك للمعارضة إمكانية تقييد عمل الحكومة الجديدة. ويتمتع الرئيس ميشيل سليمان بثقة حركتي أمل وحزب الله واللذين قد يقبلا بهذه الصفقة خاصة إذا إنتُخب نبيه بري مجدداً لمنصب رئيس البرلمان القومي. وربما لن يرضى ميشيل عون بهذا الأمر تماماً حيث إنه يطمح بالأساس ليصبح الرئيس الجديد للبنان، وهو منصب محفوظ للمسيحيين و من شأنه تعزيز تتويج القيادة المسيحية.

والمشكلة الرئيسية في هذا الحل الوسط هو أن الإنشغال بالعملية السياسية، والخضوع لضغوط من الجانبين قد يضعف منصب رئيس الجمهورية في نهاية المطاف. ويعتبر حياد الرئيس مهما بشكل خاص لإستقرار البلد. وفيما عدا ذلك، فإن الشاغل الأساسي هو أن التركيبة الحالية للوضع السياسي اللبناني تبدو هي الحل الأمثل للحفاظ على الوضع القائم بدلاً من تشجيع أي تغيير كبير.

وحتى الآن يبدو ذلك هو النتيجة الأرجح لهذه الإنتخابات، ويمضى دور القوى الدولية في نفس الإتجاه. وعلى الرغم من فتح الولايات المتحدة لعلاقات جديدة في الشرق الأوسط، فلن يسرى نفس الوضع على  لبنان حيث أوضحت زيارتا هيلاري كلينتون وجو بايدن قبل الإنتخابات مباشرة أن فوز تحالف 8 مارس سيعني الحد من الدعم الإقتصادي للبنان أو إيقافه.

كان ثمة شيء مماثل سيحدث مع الشريك الأساسي الآخر في إعادة بناء لبنان وهو المملكة العربية السعودية. ويحاول الإتحاد الأوروبي أن ينأى بنفسه عن هذا المخطط ويسعى لدور أكثر حيادية ولكن حتى الآن لم يحدث ذلك فرقاً. وعلى الجانب الآخر من المنظور، لن يتغير الدعم الذي يناله حزب الله من إيران بغض النظر عن نتائج الإنتخابات الإيرانية بينما يبدو دور سوريا أضعف وليس كافيا لنفترض حدوث أي تغيير كبير. وعلى هذا تبدو الصورة مماثلة لما كانت عليه خلال السنوات القليلة الماضية.

وهناك أيضاً المشكلة مع إسرائيل، ويقول بعض المحللين إن حكومة إئتلاف 8 مارس قد تكون عامل خطورة لأمن لبنان. لكننا ينبغي أن نذكر في هذا الصدد بأن حكومة إسرائيلية أكثر إعتدالاً من الموجودة حالياً قد قصفت لبنان في عام 2006 عندما كان يحكمه إئتلاف 14 مارس. وسيكون من الصعب إقناع اللبنانيين بأنهم أكثر أماناً مع الأغلبية الحالية في السلطة من حكومة 8 مارس. وكان حزب الله في الواقع أكثر فعالية في إحتواء الآثار السلبية لحرب يوليو 2006، بينما لا يزال الجيش اللبناني ينتظر إمداداته الجديدة من الصناعة العسكرية الأمريكية.

ولبنان بلد قادر على إخراج مفاجآت غير متوقعة ولكن هذه الإنتخابات لا تمهد لتغييرات كبيرة. وقد يكون هذا رأياً مبالغاً فيه إلا أن مفهوم "الفائز" و "الخاسر" يبدو غير ملائم في هذا السياق لأنه ببساطة لايوجد الكثير مما يمكن خسارته أو فقده في السياسة اللبنانية، أياً كان الجانب الذي تؤيده.

فيليبو ديونجلى - باحث مقيم بلندن متخصص بالشؤون اللبنانية وسياسات الشرق الأوسط.

font change