هل يكرر التاريخ نفسه في إيران؟

هل يكرر التاريخ نفسه في إيران؟

[escenic_image id="556125"]

تأتى مشاهد العنف التي رأيناها في شوارع طهران خلال الأسبوعين الماضيين أو نحو ذلك كتذكرة بمشاهد مشابهة وقعت في هذه الشوارع والطرق الفسيحة قبل 30 عاماً. وفي الواقع، يبدو الأمر كما لو كانت المعارضة بزعامة مير حسين موسوي تعيد قراءة كتاب كُتب عن الثورة الإسلامية ساعد في كتابته موسوي نفسه.

وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن المرشد الأعلى آية الله علي خامينئي ومرشحه المفضل للرئاسة محمود أحمدي نجاد لم يعبئا  بقراءة ذلك الكتاب أو قد نسيا ما قرآه ببساطة. وسوف يكلفهم ذلك كثيراً، كما حدث مع الإمبراطور الأخير لإيران الشاه محمد رضا بهلوي. والمفارقة حقاً أن النظام في إيران يبدو أنه يقع في نفس الفخ الذي نصبه للشاه قبل ثلاثة عقود، وهو الفخ الذي أقصى الملكية وأتى بآيات الله إلى السلطة.

والأرجح أن غالبية الذين يتظاهرون في إيران اليوم لا يتذكرون إيران قبل الجمهورية الإسلامية. وربما حتى قد يفاجأ الكثيرون منهم عند معرفة أن سلسلة الأحداث التي أدت إلى إقامة الجمهورية الإسلامية ونهاية الشاه "الحليف القوي" للولايات المتحدة، تحمل الكثير من أوجه الشبه مع ما يجري اليوم.

العودة إلى المستقبل : وكان الحدث الذي أطلق الثورة الإسلامية هو وفاة نحو 400 شخص قد لقوا حتفهم خلال حريق في دار عبادان للعرض السينمائي. وأصبح جمهور العرض محاصراً وسط النيران عندما أشعل ماس كهربائي النار. واشتبه العامة في وجود مؤامرة من الحكومة وخرج المتظاهرون إلى الشوارع. وقابلت الحكومة كل مظاهرة بالقوة وبينما إزدادت الإحتجاجات ولم تستطع قوات الأمن في البلاد التعامل معها وتم إستدعاء الجيش للمساعدة.

وجاء ذلك اليوم المشئوم حين فتح الجيش النار على الجمهور. وبعد أربعين يوماً عندما خرجت مسيرة لإحياء ذكرى القتلى، إندلع المزيد من أعمال العنف، وأطلق الجيش النيران على الحشود من طائرات هليكوبتر حربية، وأصبح الباقي كما يقولون في ذمة التاريخ.

والآن يعيد التاريخ نفسه. والمفارقة أن النظام في طهران يبدو أنه يقع في نفس الفخ الذي نصبه للنظام الملكي في بداية الثورة الإسلامية في 1979. ويبدو بالفعل كأن التاريخ في إيران يعيد نفسه، وليس من الصعب إستخلاص أوجه الشبه بين ما يجري اليوم في طهران وبين الأحداث التي أدت إلى قيام الجمهورية الإسلامية.

 ولم يكن حريق السينما هو الشرارة التي فجرت الأحداث هذه المرة، ولكن كل البوادر تقول أن الإنتخابات المزورة كانت السبب. وبالطبع في كلتا الحالتين، في عام 1979 واليوم، كانت هناك أسباب كامنة للإضطرابات بين الشعب في إنتظار لحظة الإنفجار. وخرج الناس إلى الشوارع، وكما حدث قبل 30 عاماً، اشتبكوا مع قوات الأمن. وذكرت المدونات الإيرانية في الأسبوع الأول من الإحتجاجات أن ثمانية أشخاص لقوا مصرعهم وأن تلك المظاهرات هي أكبر مظاهرات تهز البلاد منذ الثورة الإسلامية. وعندما دخلت أسبوعها الثاني، إرتفع عدد الأشخاص الذين قتلوا في المظاهرات إلى 300.

ووفقا لمناصري جماعة "مجاهدي خلق" في الولايات المتحدة، والتي تعرف أيضاً باسم جماعة مجاهدي إيران، فإن دورة العنف ومستوى غضب الشعب وإستمرارية الأحداث خلال الأيام الماضية تذكرنا بالأحداث التي وقعت في عام 1979.

تعتبر وزارة الخارجية الأمريكية جماعة مجاهدي خلق جماعة إرهابية. وقد تغذى جانب من تلك الحركة التي أدت في النهاية إلى القضاء على أسرة بهلوي وإستبدالها بالجمهورية الإسلامية تحت قيادة آية الله روح الله خُميني على السلسلة المدمرة من المظاهرات والإحتجاجات المتنامية ثم ما كان من قمع حتمي لها من جانب السلطات وخاصة الجيش بمجرد دخوله حلبة الصراع.

إن الظروف التي نشهدها اليوم، بعد الإحتجاجات الواسعة لمؤيدي مير حسين موسوي منذ تحرك النظام سريعاً إلى إعلان فوز الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد في إنتخابات الرئاسة يوم الجمعة، تذكرنا بالإحتجاجات التي أسقطت الشاه في النهاية، واضعة حداً لسلالة بهلوي.

وليس بمستبعد اليوم أن يكرر التاريخ نفسه، مما يعني إزاحة مؤسسة الجمهورية الإسلامية المحافظة وإستبدالها بجناح أكثر إصلاحية. وقال جعفر زاده "علينا أن ننتظر لنرى كيف ستستجيب الجماهير إذا تم التمسك بأحمدى نجاد كفائز".

وواصل أنصار موسوي الإشتباك مع الشرطة ووحدات الباسيج العسكرية والعناصر الأمنية ذات الزي المدني، كما بدا ظاهراً في عدد من القنوات التلفزيونية العالمية والتي تبث مباشرة من طهران. وكان موسوى المرشح المفضل في الإنتخابات الرئاسية يوم الجمعة في إيران، وفقاً للمدونات الإيرانية واستناداً إلى عدد الأنصار الذين خرجوا إلى الشوارع مدعين أن أصواتهم في الإنتخابات قد "سرقت". وقدرت إحدى المدونات أن موسوي حصل على 19 مليون صوت، في حين حصل نجاد على 5.7 مليون صوت فقط.

وقد أكدت جماعات المعارضة الإيرانية في الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً التقارير عن الوفيات في صفوف المتظاهرين المعارضين للنظام كما خرجت صور ولقطات فيديو للضحايا خارج البلاد بالرغم من محاولات السلطات منع رؤية أية صور خارج إيران. وتزيد الوفيات بين صفوف المتظاهرين من حجم المخاطر كثيراً.

ومرة أخرى، إذا أردنا أن نعقد مقارنات بين مايحدث الآن والأحداث التي أتت بآية الله إلى السلطة في عام 1979، فقد كان سببها يرجع بشكل كبير إلى سلسلة القتل الشديد في صفوف المتظاهرين وما تلاها من جنازاتهم، وهى أحداث إجتذبت حشوداً أكبر مع كل ضحية تسقط. وواصلت مسيرات الجنازات جذب المزيد من الناس دون توقف، وإجتذب هذا بدوره مزيد من قوات الأمن، وكانت النتيجة كالمتوقع مزيداً من العنف وضحايا أكثر. وتكررت هذه العملية الشيطانية أسبوعاً تلو الآخر، وألهبت مشاعر السخط الحشود الضخمة التي إنطلقت من المساجد بعد صلاة الجمعة، وقد أثارتها خطب الأئمة المحرضة و المؤيدة للتمرد.

وسوف تراقب السلطات في إيران عن كثب كل ما يحدث بعد مسيرة كل جنازة سوف تجري خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث يتم دفن القتلى خلال 24 ساعة، كما توصى الشريعة الإسلامية. وسوف تراقب السلطات هذه الحشود بعصبية بلا شك بينما تحتشد في ذكرى الأربعين لمقتل الذين قتلوا في إشتباكات نهاية هذا الأسبوع. وقد حدثت في يوم ذكرى الأربعين على وجه التحديد بعض أسوأ أعمال العنف التي وقعت خلال ثورة 1979.  والجدير بالذكر أن الثورة التي أتت بالجمهورية الإسلامية إلى السلطة قد تغيرت كثيراً حقاً، وليس في إيران فقط. لقد أثرت تداعيات الثورة الإسلامية في إيران على لبنان، وذلك من خلال الدعم المقدم لحركة حزب الله الشيعية اللبنانية. وأثرت أيضاً على غزة عبر تقديم الدعم لحماس، بل وعلى المنطقة بشكل عام من خلال سعي إيران وراء التكنولوجيا النووية ونداءاتها المتكررة بتدمير إسرائيل. في الوقت نفسه، كان للثورة الإسلامية تأثير على علاقة إيران بالغرب والتي كانت وثيقة في الماضي. وعلى مدار الثلاثين عاماً الماضية وصلت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة إلى الحضيض. وسوف تغير ثورة جديدة الكثير بالتأكيد مرة أخرى.

كلود صالحاني - محلل سياسي ومحرر بموقع "Middle East Times" - واشنطن

font change