القضاء على الأسلحة النووية: جدال دائر

القضاء على الأسلحة النووية: جدال دائر

[escenic_image id="555696"]

جورج بوركوفيتش وجيمس أكتون

معهد كارنيجي للسلام الدولي

فبراير 2009

في أعقاب نهاية سباق التسلح الذي شهدته فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد ظل موضوع الانتشار النووي يمثل الشاغل الأول لقادة الدول، سواء تلك التي تمتلك قدرات نووية أو الدول التي لا تتمتع بمثل هذه القدرات. ولقد تصاعدت دواعي القلق في السنوات الأخيرة حول الانتشار النووي، نظراً لأن دولاً لا يمكن التنبؤ بسلوكها قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على التكنولوجيا اللازمة لتطوير أسلحة نووية، وتحديداً إيران وكوريا الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هاجس اندلاع حرب نووية يزداد حدة عندما ينشب نزاع بين الدول النووية على السيادة في الإقليم الذي تتواجد فيه هذه الدول، مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والنزاع بين باكستان والهند حول كشمير، والصراع الدائر حول الأطراف الحدودية لروسيا. إن التوترات التي تخلقها مثل هذه النزاعات تزيد من رغبة هذه الدول في دعم أسلحتها النووية بحيث تستطيع إبراز مالديها من قوة، كما أنها تزيد من إمكانية استخدام هذه الأسلحة. وهكذا فإن التوترات السياسية القائمة تعد مصدر تهديد، مما قد أدى إلى تأجج الاهتمام بالنقاش الدائر حول نزع الأسلحة النووية لدى معظم الدول.

وهكذا فإن تقرير معهد كارنيجي يهدف إلى وضع هذا النوع من الجدال في سياقه والدعوة إلى تحليل دولي ونقاش جاد يقر بوجهات النظر المتضاربة داخل مجموعة الدول المسلحة نووياً وتلك التي لاتمتلك أسلحة. وعلى وجه التحديد، يرى التقرير أنه لاتوجد مبادرات بإتجاه النزع التام للسلاح النووي من جانب الدول النووية. وكنتيجة لذلك، فإن هذا يولد لدى  عدد كبير من الدول غير النووية مقاومة للجهود الرامية إلى تعزيز نظام إجراءات الحماية النووية التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي صمم من أجل التأكد من أن المنشآت المدنية النووية لا تستخدم لأغراض عسكرية. ويركز التقرير الضوء على ما يحمله هذا من استفزاز إذا أخذنا في الاعتبار التزايد العالمي المتوقع في إنتاج الطاقة النووية.

ومن أجل تقييم نوعية النقاش الذي ينبغي أن يتم والإجراءات التي يتعين تنفيذها من أجل طمأنة الأطراف المعنية بأن نزع التسلح النووي هو أمر مفيد للجميع، فإن التقرير يقوم أولاً باستعراض استخدام الأسلحة النووية من جانب الدول التسع التي تمتلك هذه الأسلحة. ويقر التقرير بأن الدول النووية المختلفة تنظر إلى جدوى الأسلحة النووية بطرق مختلفة. وعلى سبيل المثال، يقال أن باكستان تستخدم سلاحها النووي لإحداث توازن عام مع التفوق الإستراتيجي الكلي للهند.

والأهم من ذلك، هو أن التقرير يلقي الضوء على التحديات التي لا تزال تعوق عملية القضاء على الأسلحة النووية. ففي البداية، يشير تقرير مؤسسة كارنيجي إلى أن قلق قوى نووية مثل روسيا والصين، ينبع من أن القضاء على الأسلحة النووية من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة تتمتع بتفوق عسكري كبير عليها، حيث أن قواتها التقليدية تعتبر متميزة في هذا الصدد. ويعني ذلك أن القضاء على الأسلحة النووية لا يمكن أن ينجح حقاً إلا إذا رافقه تعديلات في العلاقات العسكرية على النطاق الأوسع، وكذلك إتخاذ التدابير اللازمة لبناء الثقة بين الدول. كما ينبغي بالإضافة إلى ذلك تسوية المنازعات السيادية السابق ذكرها، من أجل الشروع في الدخول في مفاوضات جادة حول القضاء على الأسلحة النووية. وأخيراً، فإن الخوف من الإرهاب النووي، يقلل من رغبة الدول النووية في التخلي عن أسلحتها. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يقوم الإرهابيون بتطوير مثل هذه الأسلحة. فهم في الغالب سيقومون بشرائها من دول نووية، مما يؤكد مرة أخرى ضرورة القضاء على هذه الأسلحة. وفي نهاية المطاف، ينبغي أن يكون هناك المزيد من الشفافية حتى تتمكن البلدان، سواء من الدول النووية أو غير النووية، من الحد من مخاوفها و تكهناتها حول ترتيب ترساناتها النووية مقارنة بالترسانات النووية للدول الأخرى.

ويوضح تقرير مؤسسة كارنيجي الأوضاع السياسية اللازم تواجدها للقضاء على الأسلحة النووية. حيث يوضح التقرير بشكل مقنع أنه بما أن مثل هذا الحدث يعتمد على إبرام العديد من الاتفاقات المعقدة، يجب على المنظمات الدولية، وخاصة خلايا التفكير، أن تبادر باستكشاف الظروف اللازمة والأساليب التي يمكن أن تسفر عن فرصة حقيقية للسعي للقضاء على الأسلحة النووية بشكل حقيقي وفعال. وخلافاً لذلك فإن التقارير الأخرى قد ركزت على التحديات التي تواجه قضية القضاء على الأسلحة النووية على المدى القصير.

ويعالج مجلس العلاقات الخارجية، على وجه الخصوص، هذا الوضع المعقد المتعلق بالسيطرة على انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وبالرغم من اختلاف النقاط والأهداف التي يركز عليها المقالان، إلا أن مقال مجلس العلاقات الخارجية يقدم اقتراحات محددة بالنسبة للولايات المتحدة على وجه الخصوص، لكي تتمكن من خلق الأوضاع اللازمة التي اعتبرها تقرير مؤسسة كارنيجي شرطاً أساسياً لنزع السلاح. ولكن للأسف، فإن القضايا التي ركز عليها التقرير والمتعلقة بانتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط تشير إلى أنه من غير المحتمل أن يتم التغلب هذا الوضع المعقد في المستقبل القريب. وبالتالي فإن التحدي الذي يواجه زعماء العالم ليس هو نزع السلاح النووي في العالم، بل هو على نحو أكثر واقعية منع إيران من الحصول على أسلحة نووية.

وبالرغم من أن هذه المهمة قد تبدو أقل صعوبة، إلا أن التقرير سرعان ما يبين أن هناك العديد من العوامل التي يجب التصدي لها من أجل اكتمال تحقيق هذا الهدف. و يستعرض معدو التقرير، ريدل و سامور، الخيارات المختلفة التي ستكون متاحة أمام الولايات المتحدة في حال فشل الجهود الدبلوماسية في منع إيران من امتلاك القوة النووية. فبإمكان الولايات المتحدة أن تقبل إيران بوصفها دولة ذات قدرات نووية مع محاولة وضع العراقيل لمنع إيران من إنتاج هذه الأسلحة بالفعل. وإذا فشلت في تحقيق ذلك، فستستطيع الولايات المتحدة أن تحاول ردع واحتواء إيران المسلحة نووياً، وأن تسعى في الوقت ذاته لإثناء الدول الأخرى في المنطقة عن تطوير أسلحة نووية. والخيار الثالث هو أن تتخذ الولايات المتحدة قراراً بالهجوم على المنشأة النووية الإيرانية في محاولة للقضاء على قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي. ورغم أن المؤلف يشير إلى أن الولايات المتحدة ليست مقيدة بوقت محدد فيما يتعلق بقدرة إيران التكنولوجية على إنتاج أسلحة نووية، إلا أن هناك عقبات كبيرة في طريق "السيطرة على إيران".

وأولى هذه العقبات هي القضية الإسرائيلية، حيث تواجه إسرائيل تهديداً بمحوها من الوجود قد يدفعها إلى التصرف بشكل فردى بدون انتظار قرار الولايات المتحدة بأن خيار الدبلوماسية لم يعد ممكناً. و بالرغم من أن المكاسب المحتمل الحصول عليها من جراء تطبيق الخيار العسكري الأميركي أو الإسرائيلي قد لا توازى حجم الخسائر المحتملة، إلا أن عدم وجود قوة عسكرية رادعة لن يجعل إيران تقدم الكثير من التنازلات فيما يتعلق بتصنيع الأسلحة النووية.

ونتيجة لذلك، فإن التقرير يشجع الولايات المتحدة على التشاور مع حلفائها في المنطقة قبل الدخول في أي مفاوضات مع إيران، فضلاً عن التشاور مع اللاعبين الفاعلين الآخرين الذين قد يكون لديهم القدرة على التأثير على السياسة الإيرانية. فعلى سبيل المثال، تتطلب فعالية العقوبات التي قد تفرضها الأمم المتحدة تعاون دول مثل روسيا والصين.

وينبغي على إدارة أوباما أيضاً ضرورة وضع نهج للتغلب على الجمود الدبلوماسي الحالي، أي أنه ينبغي عليها أن تستأنف المحادثات الثنائية المباشرة مع إيران بشأن مجموعة من المسائل، بما فيها المسألة النووية، والعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران وعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وقضية العراق، بدون مطالبة إيران بوقف برنامجها لتخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم كشرط مسبق لإجراء مثل هذه المحادثات. وهكذا، فإن التقرير يعتبر مسألة السيطرة على الانتشار النووي في إيران مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتقارب بين إيران والغرب بشكل عام.

كما تسلط المقالات ذات الصلة بمناقشة جدوى نزع السلاح النووي الضوء على مختلف القضايا التي من شأنها أن تؤثر على إمكانية القضاء على هذه الأسلحة. و تتبنى جريدة "بوسطن جلوب" هذا الرأي، لأنها تركز على قضية الإرهاب النووي، والدول النووية الحالية التي من المرجح أن تتيح الفرصة لانتشار هذه الأسلحة بين الأفراد اللاعبين من غير الدول. حيث تلاحظ الـ"بوسطن جلوب" من خلال استعراض آراء 117 منظمة غير حكومية حول الإرهاب والسياسة الخارجية للدول النووية، أن 74 ٪ من الخبراء يرجحون أن باكستان ستكون هي البلد الذي سيقوم بنقل التكنولوجيا النووية إلى الجماعات الإرهابية في غضون 5 سنوات.

و قد أوضح الخبراء رأيهم هذا بالإشارة إلى أن باكستان قد أفرجت مؤخراً عن العالم النووي عبد القادر خان الذي كان معتقلاً في منزله، والذي يعد أباً للبرنامج النووي الباكستاني، والذي اعترف بنقلة للتكنولوجيا النووية إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية. وانطلاقاً من ذلك، أشارت الـ"بوسطن جلوب" إلى أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول النووية التي تعمل على الحد من الانتشار النووي، ينبغي ألا تركز جهودها فقط على الدول التي قد تسعى إلى تطوير ترسانة نووية مثل كوريا الشمالية وإيران، ولكنها ينبغي أن تركز أيضاً على الحد من قدرة اللاعبين الفاعلين من غير الدول، الذين قد يصعب السيطرة عليهم في حال تمكنهم من الحصول على هذه الأسلحة.

وقد اقترحت جريدة الـ"بوسطن جلوب"، خلافاً للاقتراحات التي طرحها تقرير لمجلس العلاقات الخارجية، والذي أوصى بممارسة المزيد من الضغوط على إيران خلال المفاوضات النووية، أن يتم استخدام حوافز بديلة، و أن الأهم من ذلك أن تتم معالجة مسألة استقرار الأوضاع في باكستان من أجل عدم السماح للجماعات الإرهابية بأن تصبح قوية.

و توفر مقاطعات باكستان المتاخمة لأفغانستان ملاذاً آمناً للإرهابيين النوويين، بما في ذلك كبار قادة تنظيم القاعدة مثل بن لادن، الذي لا يزال يسعى لامتلاك أسلحة نووية. و لذلك يتعين على الولايات المتحدة من أجل الحد من أخطار الترسانات النووية في آسيا، أن تحاول دعم التنمية الاقتصادية والديمقراطية فى هذه البلاد، من أجل تعزيز استقرار تلك البلاد.

وتسلط الاقتراحات الموجودة في هذه التقارير المتنوعة الضوء بشكل كافٍ على الجوانب المختلفة للتعقيدات السياسة الجغرافية التي تعد السبب وراء انتشار الأسلحة النووية.

font change