العلاقات الصينية-الشرق أوسطية

العلاقات الصينية-الشرق أوسطية

[escenic_image id="555611"]

إذا سألت أحداً: أي الدول تعتبر هي المصدر الأكبر للمنتجات إلى منطقة الشرق الأوسط، فسيجيب معظم الناس بأنها الولايات المتحدة. فقد ظلت الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول لمنطقة الشرق الأوسط على مدى عقود طويلة. وإلى حد كبير، فإن الإقتصاد الأمريكي يعتبر بترول الشرق الأوسط هو المحرك الأول له. وفي المقابل، فإن الشركات الأمريكية تقوم بتصدير ما يزيد عن 50 بليون دولار سنوياً إلى المنطقة، معظمها من سلع القيمة المضافة مثل الأسلحة والسيارات. ومع ذلك، ففي عام 2008 تفوقت الصين على الولايات المتحدة لتصبح أكبر مصدر لمنطقة الشرق الأوسط، حيث بلغ إجمالي الصادرات أكثر من 62 بليون دولار بعد أن قفزت من 7.2 بليون دولار في عام 2001. ومما يثير الإهتمام على نحو أكبر أن حجم التجارة الصينية-الشرق أوسطية آخذه في التنوع والتعقد على نحو مطرد.

فبعد عقود من النمو المتباطئ، صارت العلاقات الإقتصادية بين الصين ودول الشرق الأوسط متطورة بمعدل سريع في بداية التسعينات. وكان ثمة حدثان وراء هذا التطور. يتمثل أولهما في أنه بحلول عام 1992، كانت الصين قد نجحت في تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع كل دول المنطقة. والحدث الثاني يتمثل في تحول الصين إلى مستورد لخام النفط عام 1993. وبالتزامن مع النمو الإقتصادي المذهل الذي حققته الصين منذ بداية التسعينات والتقدم الذي شهدته عملية السلام بين العرب وإسرائيل منذ عام 1993، فقد كان المناخ مهيئاً لحدوث نمو مطرد في العلاقات الإقتصادية بين الصين ودول الشرق الأوسط.

ويظل البترول هو السلعة الأساسية التي تستوردها الصين من الشرق الأوسط. ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة، تعد السعودية وإيران وعمان واليمن هي الدول الأربع الرئيسية من بين سبع دول تعد هي المصدر الرئيسي لواردات العملاق الأسيوي من خام البترول. كما أن  شركات بتروتشينا وكنووك وسينوبك، التي تعد أكبر ثلاث شركات بترول مملوكة للدولة في الصين، أطرافاً فاعلة بشكل متزايد في المنطقة.

وفي المقابل، فقد أصبحت الصين هي المورد الرئيسي للمصنوعات الرخيصة إلى الشرق الأوسط. وعلى غرار ما يحدث أيضاً في نيويورك أو لندن، فإن معظم أنواع الملابس والإلكترونيات ولعب الأطفال التي تباع في شوارع الرياض والقاهرة وطهران أو دبي تحمل شعار "صنع في الصين".

ومع ذلك، فإنه من الخطأ إختزال العلاقات الإقتصادية بين الصين والشرق الأوسط في مجرد مقايضة للبترول بالسلع الرخيصة. فالشركات الصينية حالياً تتحرك إلى أعلى سلم منتجات القيمة المضافة حيث تقوم بتصنيع منتجات تزداد تعقيداً على نحو مطرد مثل البرمجيات ومعدات الإتصالات والسيارات والماكينات. ويعني تصاعد نسبة الثراء والتنوع الإقتصادي في الشرق الأوسط فتح أسواق متنامية للسلع الصينية. ونظراً لأن السلع الغربية لا تتمتع بنفس القاعدة التسويقية الفعالة التي تتمتع بها في المناطق الأخرى، فإن الشركات الصينية يمكنها المنافسة في منطقة الشرق الأوسط في ظل ظروف أفضل لا تجدها في أسواق الدول الأكثر تقدماً.

وتعد حالة شركة شيري للسيارات مثالاً واضحاً على ذلك. فشركة شيري، التي تعد أكبر شركة سيارات مستقلة لدى العملاق الأسيوي، قد تم تأسيسها في عام 1997. ولكنها لم تتجه نحو سوق الشرق الأوسط إلا في عام 2003 لتتحول من ماركة سيارات مجهولة إلى شركة سيارات تبيع أكثر من عشرة آلاف سيارة سنوياً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن لهذه الشركة خطوط تجميع في مصر والأردن. وتعد السيارات الصينية ذات ميزة تنافسية ليس فقط بسبب إنخفاض سعرها ولكن نتيجة جودتها العالية وقلة استهلاكها للبنزين أيضاً.

أما شركة لينوفو، التي تعد رابع أكبر مصنع في العالم للحواسيب الشخصية وأكبر شركة كمبيوتر خارج الولايات المتحدة، فهي مثال آخر لشركة صينية متخصصة في إنتاج التكنولوجيا الراقية تشق طريقها إلى النجاح في منطقة الشرق الأوسط. ولشركة لينوفو وحدة إقليمية يقع مقرها الرئيسي في دبي. وقد انتقلت الشركة مؤخراً إلى القطاع الإستهلاكي بإعتباره مكملاً لنشاطها في قطاعات الشركات متعددة الجنسية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت لينوفو بإطلاق منتجات خاصة للمنطقة. وهذا يبرز مدى تصميم شركات التكنولوجيا المتقدمة في الصين على زيادة حصتها في السوق من خلال منتجات خاصة بأسواق محددة.

وتحرص بكين على زيادة الروابط الإقتصادية في المنطقة، في ظل إستراتيجيتين تمثلان الأساس لتحسين هذه الروابط. تتمثل الإستراتيجية الأولى في الاستفادة من إتفاقيات التجارة الحرة. وقد تم بالفعل تفعيل إتفاقية التجارة الحرة مع باكستان، وهي تعد أول إتفاقية من هذا النوع تعقدها إحدى دول جنوب آسيا مع دولة تقع خارج نطاقها الجغرافي. أما الحدث الأكثر بروزاً فإنه يتمثل في اللقاء الذي تم في فبراير الماضي بين الرئيس هو جيناتو مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن آل عطية من أجل التعجيل بإبرام إتفاق ثنائي للتجارة الحرة. ويتوقع أن تختتم المفاوضات في هذا الصدد بنهاية العام الحالي بحيث يبدأ سريان الإتفاقية في عام 2010 أو 2011. وقد بدأت المحادثات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في عام 2004 وظلت تسير بإيقاع بطيء حتى عام 2008. ومع ذلك، فقد استعادت المحادثات نشاطها في أوائل العام الحالي بعد إنهيار مباحثات التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والإتحاد الأوروبي بسبب قرار الأخير بتضمين الإتفاقية مواداً تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

أما الإستراتيجية الثانية، فإنها تتعلق بشركة الصين للإستثمار (سي. أي. سي.) والتي تعد صندوق الثروة السيادية للصين. فنظراً لدرايتها بأن الإستثمار في أصول أو شركات مملوكة للدولة يمكن أن يكون له مردود سلبي، مثلما حدث في أماكن مثل فرنسا والمملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، فإن سي. أي.سي قررت بدلاً من ذلك أن تدخل في شراكة مع نظرائها في الشرق الأوسط. وفي يونيو، أعلن أن شركة سي. أي. سي. بالتعاون مع هيئة الكويت للإستثمار وشركة الإستثمارات التابعة لحكومة سنغافورة سيقومون بتمويل الجزء الأكبر من عملية استحواذ شركة بلاك روك على "باركليز جلوبال إنفستورز". وفي حالة تكراره، فإن هذا النموذج من الشراكة الإقتصادية يمكن أن يدعم مزيداً من التعاون في المجالات الأخرى.

لقد دفعت العلاقات الإقتصادية المتنامية بين الصين ودول الشرق الأوسط المحللين إلى الحديث عن  إحياء "طريق الحرير" الذي كان ممتداً من البحر الأصفر إلى روما وظل مهيمناً على عبور التجارة العالمية لعدة قرون حتى انهياره منذ أربعمائة سنة مضت. وفي كتاب "طريق الحرير الجديد: كيف يشهد العالم العربي الناهض تحولاً عن الغرب نحو إعادة اكتشاف الصين"، يقول سيمبيندو فورتر - كبير محللي الصين الإقتصاديين لدى بنك اسكتلندا الملكي في هونج كونج- بأن طريق الحرير الجديد هذا جاء نتيجة حدثين وقعا في عام 2001. كان أولهما هو هجمات 11 سبتمبر على الأراضي الأمريكية والذي جعل العرب عنصراً غير مرغوب فيه في الولايات المتحدة الأمريكية. وتمثل الحدث الثاني في دخول الصين في منظمة التجارة العالمية، والذي فتح الطريق أمام إمكانية الحصول على سوق يبلغ عدد المستهلكين فيه 1.3 بليون مستهلكاً. ويتساءل:ما هي المضامين السياسية التي ينطوي عليها تعميق وتوسيع العلاقات الإقتصادية بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط؟.  فليس بمستغرب إذاً أن يقلق بعض المحللين الغربيين بشأن التهديدات التي تمثلها الشركات الصينية عن قصد للمصالح الغربية في المنطقة. بل لقد ذهب بعض المحللين إلى اتهام بكين بدعم الأنظمة التي تساعد الجماعات الإرهابية.

وهذه التهديدات تعد من قبيل المبالغات إذا لم نتبين لها أساساً واضحاً. فما تطرحه الصين هو نموذج للتنمية الإقتصادية يختلف عن "إجماع واشنطن" الذي كان سائداً خلال التسعينات. وهو نموذج يتميز بسمتين تروقان كثيراً إلى قادة الدول في الشرق الأوسط. فهو في المقام الأول يركز على سرعة النمو الإقتصادي مع الاستقرار السياسي. وثانياً، فإنه نموذج يتسم بإحترام سيادة الدول الأخرى. وهكذا لم يعد الغرب المحتكر الأوحد للأفكار الجديدة والتحديثية. فتدفُق الأفكار عبر الشرق قد أصبح على نفس درجة الأهمية. وبالرغم من أن حجم التجارة والاستثمار بين الشرق الأوسط والدول الغربية سيواصل النمو بعد انتهاء الأزمة الإقتصادية الحالية، فإن العلاقات الإقتصادية بين الشرق الأوسط والصين سوف تستمر في قوتها أيضاً.وبخلاف الحاجة المعلنة دائماً عن احتياج العملاق الأسيوي إلى سبيل ميسر وموثوق للوصول إلى مصادر البترول، فإن العلاقات الإقتصادية بين الصين والشرق الأوسط قد وصلت بالفعل إلى مستوى آخر. وهذا من شأنه أن يخلق فرصاً للشركات التي لديها القدرة والرغبة في ارتياد آفاق جديدة في منطقتين من أكثر المناطق الواعدة في الإقتصاد العالمي اليوم.    

رامون باتشيكو باردو - باحث في شؤون سياسات شرق آسيا ومكافحه الإنتشار النووي.

font change