الإنتخابات البرلمانية اللبنانية

الإنتخابات البرلمانية اللبنانية

[escenic_image id="555731"]

قد تفسر الهزيمة غير المتوقعة لحزب الله في الإنتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي في لبنان على أنها نجاح لتحالف 14 آذار المدعوم من الغرب بقيادة سعد الحريري المرشح حالياً لأن يصبح رئيس وزراء لبنان الجديد. وبالفعل، فقد استفادت قوى 14 آذار من الإقبال الشديد غير المسبوق على صناديق الإنتخابات - ما يقرب من 55 ٪ من الـ 3.26 مليون ناخب المقيدين في لبنان أدلوا بأصواتهم- بحيث تمكنت في نهاية المطاف من كسب 68 مقعداً في البرلمان (من ضمنهم مقعد كانت قد حصلت عليه في الإنتخابات السابقة في عام 2005)، بينما لم تتمكن قوى 8 آذار سوى من الحصول على 57 مقعداً فقط. وفي حين تشير التقييمات الأولية إلى أن حزب الله قد أصابه الوهن والضعف بسبب نتائج الإنتخابات، إلا أن إمعان النظر في الأحداث التي وقعت في الأسابيع الأخيرة يشير إلى أن قوة حزب الله في لبنان لا تزال في الواقع كما هي لم تتغير كثيراً، ولا ينازعه فيها أحد تقريباً. وهناك عدد من النقاط التي تجدر الإشارة إليها في هذا الصدد.

فأولاً وقبل كل شيء، أظهرت نتائج الإنتخابات أن حزب الله لا يزال يحتفظ بمركزه شبه المهيمن على السكان الشيعة اللبنانيين، والذين تدافعوا بأعداد غفيرة إلى صناديق الإقتراع للتصويت لصالح مرشحي حزب الله، خاصة في الدوائر الإنتخابية التي يتحكم فيها حزب الله فعلياً بدون معارضة. وتعد هذه النقطة مهمة، لأن الطائفة الشيعية قد اضطرت لتحمل وطأة هجمات إسرائيل على لبنان في صيف عام 2006، في حرب تم إلقاء اللوم فيها على قيام حزب الله بخطف اثنين من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي عبر الحدود، ومن ثم يمكن القول بأن حزب الله قد نجح في تقليل الآثار السلبية الناجمة عن الحرب على قاعدته الشعبية، التي لا تزال إلى حد كبير موالية لحسن نصر الله، بالرغم من بروز عدة أحزاب معارضة في أعقاب حرب يوليو، مثل حزب تجمع الخيار اللبناني.

وبالإضافة إلى الدعم المطلق الذي يحظى به حزب الله من الطائفة الشيعية فبإمكانه الإعتماد أيضاً على حلفاء حركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، والذي تم مؤخراً إعادة إنتخابه لفترة أخرى في منصبه. وتشير إعادة إنتخاب برى بشكل واضح إلى أن قوى 14 آذار قد اضطرت بالفعل إلى تقديم عدد من التنازلات السياسية لصالح المعارضة، بالرغم من فوزها في الإنتخابات. فقادة قوى 14 آذار يتمتعون بالفعل بالقدر الكافي من الواقعية والتفكير العملي ليدركوا أنهم لا يستطيعون أن يحكموا لبنان بدون قوى 8 آذار. وقد اعترف خطاب النصر المتواضع الذي ألقاه الحريري - والذي يفتقر إلى أي إشارة للنصر- بهذا الواقع بدون مواربة. ومن المتوقع أن تستغرق عملية تشكيل الحكومة وقتاً طويلاً وسيتعين على كلا الجانبين تقديم التنازلات خلالها، وليس فقط حزب الله.

وفي هذا الصدد، فمن المرجح أن تسفر الإنتخابات عن تشكيل حكومة وحدة وطنية أخرى، سيكون لحزب الله فيها تأثير كبير على قرارات الحكومة بالرغم من أن اختيار مجلس الوزراء لا زال يخضع حتى يومنا هذا لمفاوضات مكثفة. وهكذا،  فبالرغم من تقبل حسن نصر الله لهزيمة تكتله السياسي في الإنتخابات بصدر رحب، إلا أنه قد أوضح بالفعل أنه لن يتنازل عن الإحتفاظ بحق الإعتراض (الفيتو) على قرارات الحكومة (وهو ما يعرف بـ "الثلث المعطل"). و قد تم منح هذا الحق لقوى 8 آذار في الحكومة السابقة بعد نجاح استعراض القوة الذي قام به مقاتلوا حزب الله خلال الإشتباكات العسكرية التي جرت بين الطوائف اللبنانية في شوارع بيروت في مايو 2008، والتي أنهت بشكل فعال أشهر من الجمود السياسي بين المعسكرين، وتركت قوى 14 آذار مصابة برضوض شديدة.

وربما أسهم نصر الله دون أن يتعمد في إثارة مخاوف بعض الناخبين المسيحيين، الذين تزداد عدم ثقتهم في تحالف العماد ميشيل عون مع حزب الله، بوصفه الإشتباكات التي حدثت في مايو 2008 على أنها "يوم مجيد للمقاومة" قبل أسابيع قليلة من الإنتخابات التي جرت في 7 يونيو، مما أدى إلى خسارة العماد عون لعدد كبير من الأصوات في الدوائر المسيحية الرئيسية. ولكن على الرغم من اللهجة المتصالحة الموجودة في أول خطاب ألقاه نصر الله بعد خسارته في الإنتخابات، إلا أنه حذر من أن شرعية ترسانة أسلحة حزب الله ودوره بإعتباره "حزب المقاومة اللبنانية" ليست مجالاً مفتوحاً للمناقشة. ولهذا ينبغي أن يؤخذ هذا الأمر بإعتباره مؤشراً واضحاً على أن حزب الله ليس لديه استعداد لتقديم أي تنازلات في هذا الملف الشائك، بالرغم من الإتهامات التي وجهت إليه بعد أحداث مايو 2008، بأنه فشل في الإلتزام بوعده في عدم استخدام أسلحته في الصراعات "الداخلية".

وقد يكون حزب الله قد خسر الإنتخابات نتيجة لذلك، لكن في حقيقة الأمر فإن قوى 14 آذار هي التي تواجه الآن موقفاً عصيباً لا تحسد عليه يشبه موقفاً مماثلاً في رواية (كاتش22) للكاتب الأميركي جوزيف هيللر. ففي الواقع، لو قرر الحريري وحلفاؤه رفض مطالب حزب الله، فإنهم سيعرضون أنفسهم بالتالي لصراع آخر طويل المدى مع تحالف 8 آذار، وكل ما سيترتب عليه من عواقب وخيمة (وليس هناك شك في ذهن الحريري أن أحداث مايو 2008 هي عينة فقط لما يمكن أن يفعله حزب الله في حال حرمانه من السلطة). ومن ثم فإن الخيار الأرجح هو أن قوى 14 آذار ستقرر الإستجابة للحد الأدنى من مطالب حزب الله وتقوم بتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن بقيامها بذلك فإنها ستترجم المكاسب الإنتخابية التي حققتها إلى عودة فعلية للوضع السائد قبل الإنتخابات.

وبالتالي فإن الرضوخ لمطالب حزب الله سيكون غير مرضي لقوى 14 آذار، كما أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تؤدى لخسارة هذه القوى عدداً كبير من أنصارها، الذين كانوا يأملون في حدوث تغيير حقيقي بعد نجاح التحالف في الإنتخابات. وبالرغم من أن العودة إلى الوضع السائد قبل الإنتخابات سيضمن سير الأمور بشكل طبيعي نوعاً ما، ولاسيما خلال موسم الصيف المربح، إلا أنه سيعنى أيضاً أن العديد من القضايا الرئيسية التي أقلقت راحة الأمة - مثل الوضع الخاص بسلاح حزب الله- سيتم تجاهلها بحيث ستبقى مشتعلة تحت الرماد حتى موعد إندلاع الأزمة السياسية التالية.

ومن ثم تبدو نتائج إنتخابات 7 يونيو في الواقع شديدة التناقض بشكل عام. فبالرغم من أن حزب الله هو الذي مني بالهزيمة، فإن قوى 14 آذار في نهاية المطاف هم الذين سيتعين عليهم تقديم تنازلات سياسية إذا كانوا يريدون أن يحكموا بشكل فعال. والزمن وحده هو الكفيل بإثبات ذلك، ولكن ربما يتضح في النهاية أن حزب الله كان هو الفائز الحقيقي في إنتخابات 7 يونيو، وليس تحالف 14 آذار.

رافيل كاميلليري - مرشحه لنيل الدكتوراه في مجال الدراسات الحربية بالجامعة الملكية في لندن.

font change