رجب الباسل: الأزمة الإقتصادية في اليمن

رجب الباسل: الأزمة الإقتصادية في اليمن


ثلاث سنوات مرت منذ بداية ما يسمى الحراك الجنوبي في مديريات اليمن الجنوبية..لا أحد يعلم حتى الآن إلى أين يتجه؟ وإن كان الكثيرون يمكن أن يجزموا أن دوافع الحراك لدى غالبية مكوناته من الشرائح الإجتماعية البسيطة كانت إعتراضاً على أوضاع إقتصادية وهي تختلف عن الأهداف المعلنة لدى قيادات دخلت على خط الحراك لاحقاً وحاولت أن تصبغه بأجندتها السياسية الأقرب للإنفصالية وأن تبدو وكأنها تقف خلفه وتملك تحديد أجندته، كما أن في دوافع هذا الحراك ما يؤكد أن قوى خارجية حاولت إستغلال هذا الملف للضغط على النظام الحاكم في اليمن سواء تصفية لحسابات سابقة أو لدفعه نحو تقديم تنازلات مطلوبة في المشهد الإقليمي الحالي.


لا يختلف الكثيرون على أن الجنوب يواجه مشاكل إقتصادية ولكنها في جزء كبير منها جزء من مشاكل اليمن كله الذي يواجه أزمة إقتصادية تزداد ضراوتها بمرور الوقت، وفي ظل افتقاد الدولة لموارد إقتصادية يمكن أن تنقل اليمن من عثرته، فالنفط حتى الآن لم يكتشف وينتج بكميات ضخمة مثل باقي دول الخليج تحقق لليمن الطفرة التي تحققت لتلك الدول، كما أن بروز أزمة القرصنة الأخيرة في البحر الأحمر أثرت على مورد مهم للإقتصاد اليمني ممثلاً في السفن التي تمر بخليج عدن ومضيق باب المندب.


دوافع .. ودوافع


الذين شاركوا في الحراك الجنوبي كانوا بالأساس يعترضون على ما وصل إليه حالهم الإقتصادي بعد الوحدة، وافتقادهم للخدمات في بعض المدن خاصة في أطراف اليمن مثل الضالع ولحج وغيرها، لكن بعض القيادات السياسية الجنوبية سواء الموجودة بالداخل أو تلك الموجودة بالخارج وجدت في الحراك فرصة لتحقيق أهداف سياسية وصلت إلى حد المطالبة بإنفصال الجنوب عن الشمال.


هذه الدوافع السياسية للقيادات الجنوبية السابقة ربما لم تكن في حسبان مؤيدي الحراك من الجماهير العادية، فالمواطن البسيط الذي يفتقد الخدمات الأساسية تحرك بدافع ذاتي بحثاً عن متطلبات معيشة كريمة دون أن تغذيه في ذلك رغبة سياسية تصل إلى حد الإنفصال، لكن بعض مستغلي هذا الحراك نجحوا في اللعب على هذا الوتر وساعدهم على ذلك رد فعل السلطة العنيف في بعض الأحيان.


ويمكن القول أن دخول قوى اللقاء المشترك خاصة الإصلاح والإشتراكي على خط الحراك أعطاه زخماً وقوة حيث أن أحزاب اللقاء أرادت وفقاً لأجندة حزبية أن تستخدم الحراك كأداة ضغط أمام سيطرة المؤتمر على الحكم والتي حولت الإشتراكي والإصلاح من شركاء في ترويكا السلطة إلى قوى سياسية تمارس عليها وسائل الإعلام الرسمية حرب تشويه.


فالإشتراكي كان يحكم الجنوب منفرداً منذ عام 1967 وحتى الوحدة عام 1990 ثم أصبح شريكاً في حكم اليمن الموحد حتى عام 1994، بينما ظل الإصلاح مؤيداً للسلطة منذ إستقلال اليمن الشمالي حتى دخوله مجلس الرئاسة عام 1994 وخروجه منها بعد الإنتخابات النيابية، ثم دخوله في تحالف اللقاء المشترك مع الحزب الإشتراكي وقوى أخرى منذ فبراير 2003.


هذا الإستغلال من قوى اللقاء المشترك مع اختلاف الأهداف المعلنة لهم ورصد مفردات الخطاب المستخدمة حياله تؤكد في حالة "الإصلاح" أن ثمة تراجعاً في خطابه خاصة من قيادته الشمالية حيال الحراك بعدما شعروا أنه يستخدم لتحقيق أهداف جماعة علي سالم البيض ورفاقه الإنفصالية للقضاء على الوحدة التي كان الإصلاح أحد أدوات حسم معركتها عام 1994، فالإصلاح ربما تعاطف بل وأيد الحراك في شقه الإجتماعي، ولكن تحوله إلى مطالب سياسية بالإنفصال جعلت الحزب يصدر بياناً في ختام مؤتمره الرابع في مارس الماضي دعا فيه السلطة إلى "ضرورة إيجاد المعالجات الجذرية لمشاكل المواطنين في المحافظات الجنوبية والشمالية على حدٍ سواء، داعياً في الوقت نفسه الجميع إلى التمسك بالنهج السلمي لإنتزاع الحقوق تحت سقف الوحدة".


إذن رمانة ميزان الوحدة - وهو الإصلاح - لازال هنا هو الفيصل في ضمانة استمرارها على أساس قوته في الجنوب إضافة إلى الإشتراكي الذي لن يستطع بمفرده تحقيق هدفه بالإنفصال وهذه المرة بحراك إجتماعي بعدما فشل فيه عسكرياً عام 1994طالما أن الإصلاح أعلن صراحة رفضه للإنفصال وإصراره بالحفاظ على مكتسبات الوحدة.


تصفية حسابات


رغم وجاهة أسباب الحراك الجنوبي - في شقه الإجتماعي- وبعيداً عما إذا كانت هناك قوى تقف وراءه، أو أنه احتجاج عفوي، فإن ما هو مؤكد أن هناك من استغل هذا الحراك لتحقيق أهداف بعضها داخلي مثل قوى الحكم السابقة في الجنوب بما تحمله من أحلام العودة والسيطرة، وقوى خارجية تقوم بـ" قرصة أذن" للنظام اليمني الحاكم عقاباً له على مواقف قومية سبق وأن عبر عنها برفضه للحرب الأمريكية على العراق عام 2003، وتأييده للحق الفلسطيني، ورفضه لإحالة البشير لمحكمة الجنايات الدولية..كلها مواقف تستحق إستغلال قوى خارجية لأحداث داخلية للتأثير على القرار اليمني في تصفية للحسابات، وإضعاف للسلطة اليمنية التي فشل البعض في ضمها لأحلاف إقليمية حالية مؤيدة للغرب في كل سياساته حتى لو عارضت المصلحة العربية.


الهاجس الوحيد الذي يسيطر على القوى الخارجية التي حاولت إستغلال "الحراك الجنوبي" هو تنظيم القاعدة النشط في عدن والذي إنطلق منها في تنفيذ عدد من العمليات ضد المصالح الغربية، وزاد من شدة هذا الهاجس ما نُقل عن قيادات في القاعدة خارج اليمن من تأييد للحراك الجنوبي ما يعني أن مساحات أوسع للتنظيم ستتاح له في حالة إنفصال الجنوب عن الشمال، لاسيما أن اشتراكيوا الجنوب الآن ليسوا بنفس القوة قبل عام 1990، بل قبل الحرب الدموية بين أقطاب النظام في الجنوب عام 1986 والتي راح ضحيتها الآلاف، ومن ثم فإن احتمالات سيطرة الإشتراكي على الجنوب في حالة نجاح الحراك لن تكون كافية للسيطرة أو الحد من نشاط القاعدة.


إذن محصلة الدور الخارجي هو فقط إستغلال الحراك كأداة للضغط وإضعاف النظام، ولكن ليس للدرجة التي تؤدي إلى تحقيق الإنفصال؛ لأن وجود سلطة مركزية في اليمن تحافظ على خطوط مفتوحة مع القوى الخارجية في حدود معينة هو الحل الأنسب حالياً لهذه القوى مع سعيها لتغيير درجات هذه العلاقة في إتجاه تحقيق مصلحتها.


مستقبل الحراك


الرهانات على الحراك خاصة من بعض القيادات الجنوبية المقيمة بالخارج أو تلك الموجودة بالخارج دفعت بعض مؤيدي الحراك إلى التراجع خوفاً من إستغلاله في عملية إنفصالية تعيد للأذهان واقع الجنوب قبل الوحدة، فالعديد من القوى السياسية تعلم أن سلبيات الوحدة أفضل كثيراً من إيجابيات الإنفصال إن وُجدت، فـ" يمن " موحد ببذل مزيداً من الجهد لإستغلال المتاح من الموارد، وبتطبيق أجندة ديمقراطية، وحزمة إصلاحات سياسية تحقق بعضها في إتفاق حزب المؤتمر الحاكم مؤخراً مع أحزاب اللقاء المشترك، منها تأجيل الإنتخابات البرلمانية لمدة عامين مقابل تحقيق تلك الإصلاحات أفضل كثيراً من الإنفراد بقيادة إقليم عانى كثيراً خلال فترة إنفصاله من عام 1967-1990 في ظل اتساع مساحته الجغرافية التي تصل إلى (332,970) كم2 تقريباً، ولكنه يعاني خواءً سكانياً حيث يصل عدد سكانه إلى 3 ملايين نسمة أو يزيد قليلاً.


ولا أحد ينكر أن الجنوب يواجه بعض المشاكل الإقتصادية، بعضها ورثته الدولة اليمنية من النظام السابق للوحدة، وبعضه ناتج عن الطبيعة الجغرافية للجنوب، والبعض منه جزء من مشكلات اليمن بصفة عامة، والبعض الأخير يتعلق بسلبيات الممارسة السياسية للنظام الحاكم، فأزمات الجنوب في جوهرها ليست تمييزاً بين شمال وجنوب، ولكنها مشكلة دولة ككل تواجه مشاكل إقتصادية ونقصاً في الموارد والكفاءات بالأساس، والحل ليس في الإنفصال، ولكن في وجود أجندة وطنية واحدة تساعد اليمن على الخروج من أزماته، وتحقق الرخاء لجميع اليمنيين، وليس بتصوير الأزمة التي يمر بها على أنها مشكلة إقليم على حساب أخر أو منطقة على حساب أخرى، وأرى في دعوة الرئيس اليمني للقوى السياسية اليمنية وعلى رأسها أحزاب اللقاء المشترك للحوار مقدمة للحل ولإتفاق على تحديد عوامل الحراك، والعمل على وضع أجندة للإصلاح، وخارطة طريق في حدود إمكانات اليمن وموارده، فاليمني يشغل الجميع وليس اليمنيين وحدهم، وإستقراره ووحدته يخدم المنظومة الإقليمية أكثر من تقسيمه، بينما السعي لـ " صوملة " اليمن سيضر بالجميع، وستدفع كافة الأطراف الثمن.


رجب الباسل - باحث في مركز الأهرام ومتخصص في الشئون اليمنية.

font change