ثورة الطاقة والعزلة الخليجية

ثورة الطاقة والعزلة الخليجية

[escenic_image id="557865"]

من الواضح أن الاقتصاد العالمي قد وصل حاليًا إلى مرحلة الاستقرار، ويمكن أن تنتقل الحكومات والمستثمرون في القطاعات الخاصة على السواء من حالة الطوارئ إلى اتخاذ قرارات تطلعية من شأنها أن تمكنهم من جني مكاسب العالم القادم. 

وهذا ينطبق بشكل خاص على منتجي النفط في مجلس التعاون الخليجي. فمع تراوح الأسعار حول 70 دولارًا أمريكيًا للبرميل، يمكن لكل دولة في المنطقة أن تبدأ بشكل متحفظ في التخطيط من أجل تحقيق الانتعاش. وحتى منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية تتفقان على أن النفط الخام سوف يظل حول هذا المستوى على مدى أشهر مقبلة مع توقع معظم المحللين اتجاه المخاطرة نحو الارتفاع.

لكن فيما يتم استخدام كل هذا النقد الذي دون شك سيتم توجيهه نحو الصناعة والبنوك والمستهلكين في نهاية الأمر؟ فلا تزال صناديق الثروة السيادية لدى مجلس التعاون الخليجي تحتفظ بـ 1.5 تريليون دولار على الأقل وفقًا لمعهد صناديق الثروة السيادية. أما صناديق الأسهم الخاصة في مجلس التعاون الخليجي فقد سجلت أيضًا مكاسب كبيرة هذا العام.

ومن المؤكد أن مجلس التعاون الخليجي قد تعلّم من الصدمات النفطية السابقة، وأدرك حقيقة أن لديه حاجة إلى تنويع اقتصادياته. فقد نمت الاقتصاديات غير النفطية في المنطقة بنسبة تصل إلى حوالي 7% في عامي 2007 و2008، في الوقت الذي قللت فيه الحكومات بشكل ملحوظ من الدين العام. ولعل هذا بالإضافة إلى مجموعة من السياسات السليمة يفسر سبب تعامل المنطقة مع الأزمة بشكل أفضل من بقية دول العالم. 

لكن هناك درسًا آخر مهمًا يمكن استخلاصه أيضًا وهو؛ أن الكثير جدًا من المال تم توجيهه نحو الاقتصاديات الغربية، خصوصًا في قطاعات تعتبر آمنة من الناحية المالية. بمعنى أنه من خلال محاولة العديد من المستثمرين في دول مجلس التعاون، والكثير من الصناديق السيادية اللعب بأمان، دفعوا ثمنًا باهظًا، وينبغي أن يحذروا من القيام بذلك مرة أخرى، خصوصًا أن البيانات الحديثة تشير إلى أن صناديق مجلس التعاون الخليجي قد تعهدت بثورة شرائية كما اتضح من الزيادة الأخيرة في المشتريات مرتفعة التكلفة في الدول الغربية.  

ففي حين يجب أن تبقى أولوية الحكومات الخليجية متمثلة في تنويع الاقتصاديات المحلية، وبناء البنية التحتية اللازمة، يتعين على المستثمرين أن يستهدفوا سوياً شركاء جدد واستثمارات متجددة في مجال الطاقة.  

ولقد فاقت الأسواق الإفريقية والآسيوية والأسواق الناشئة معظم الأسواق الغربية، وبالتأكيد الخليجية في الأداء. لكن في إطار ذلك، ينبغي ألا ينظر مجلس التعاون الخليجي للمكسب فحسب ولكن ينبغي أن يركز أيضًا على التأثير الجغرافي والسياسي والأهداف بعيدة الأمد. فشمال وشرق إفريقيا ووسط آسيا والدول العربية لها أهميتها الاقتصادية والسياسية.

وعلاقات العمل ذات تأثير متتابع. وقد زاد نفوذ إيران في المنطقة على خلفية استعدادها لتوسيع نطاق روابطها التجارية كما تُظهر التجربة العراقية والسورية. وهناك مثال آخر وهو لبنان، حيث نشأ أكثر من 60% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنوات الخمس الأخيرة في دول مجلس التعاون خصوصاً في مجال السوق العقاري.

وبالرغم من نمو الاستثمار في السنوات الأخيرة، فإنه لا يزال حذرًا. فقد توصل تقرير حالي صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار أن أقل من 5% من جميع الاستثمارات العربية في الخارج ما بين عامي 1995 و2007 ،كانت من نصيب بلاد عربية أخرى.

كما أن اقتصاديات شمال إفريقيا أكثر انكشافًا على أوروبا أيضًا، ومن ثَم فإن أموال مجلس التعاون سوف تساعد في تحقيق الاستقرار لاقتصادياتها. وبالرغم من التركيز على الربح، فإن العوائد لها جاذبيتها أيضًا. فالاقتصاد المصري يتحسن بصورة أفضل من توقعات الحكومة المصرية وسوف ينمو بنسبة تزيد على 5% خلال العام المالي 2009-2010 ،بعد أن حقق نموًا نسبته 4.7% في الدورة المنتهية في 31 يوليو.

ومن المتوقع أن تتعافى العديد من اقتصاديات دول وسط آسيا وشمال إفريقيا خصوصًا في بنيتها التحتية ومجال معالجة الأغذية والرعاية الطبية وقطاعات السلع. وبالنسبة لبعض المجالات كالإنشاء، تكون هذه بمثابة طريقة جيدة للتحوط من الانكماش المحلي.

نفس الأمر ينطبق على دول إفريقية أخرى غير عربية مثل السنغال وبتسوانا وبوركينا فاسو، حيث قامت كل منها بتطوير ممارساتها التجارية والعملية وفقًا لما جاء بتقرير البنك الدولي. فالتقارب الجغرافي وضخامة عدد السكان ووفرة الموارد الطبيعية والأرض  الخصبة في بعض الدول الإفريقية أهداف مثالية للتوسعات الخارجية لمجلس التعاون في موزمبيق وتنزانيا وجنوب إفريقيا والقرن الإفريقي في نهاية المطاف.

صحيح أن هذا يمثل درجة أعلى من المخاطرة، لكن بعض الدول الإفريقية تتحرك بسرعة كي تنضم لزمرة الاقتصاديات الناشئة. وهذا هو سبب تدفق الاستثمارات الصينية عليها خلال السنوات القليلة الماضية وينبغي ألا يتخلف عن ذلك مجلس التعاون الخليجي.

أيضًا يجب على المستثمرين أن يستهدفوا السوق المحلية من أجل خلق المزيد من فرص العمل. والثورة المستقبلية للطاقة سوف تكون خير معين لهم على ذلك. فبغض النظر عن قدرة العالم على الاتفاق بشأن معايير محددة لتغير المناخ في كوبنهاجن، من الواضح أن كل دولة صناعية وكذلك الدول الرائدة بين الاقتصاديات الناشئة سوف تسعى لعالم أنظف. وهذا ليس معناه مصادر متجددة فحسب، لكنه يعني أيضًا تكنولوجيات قادرة على حرق الوقود الحفري بطريقة أكثر نظافة. وفي أي من الحالتين، من المثالي بالنسبة لدول مجلس التعاون أن تكون رائدة في مجال أبحاث هذا المصدر المستقبلي الغني.  

وسوف تتطلب ثورة الطاقة مئات المليارات من الدولارات في العقود المقبلة. ويعتبر تأسيس الشركات أو تمويل الأبحاث في هذا المجال بمثابة الطريقة المثالية للتقليل من الحاجة إلى النفط. فإذا كان العالم يسعى لإنقاص الوقود الحفري، فلماذا لا نصبح قادة العالم في البدائل؟

وهناك مثال واضح يتمثل في احتجاز وتخزين الكربون. فالدول الغربية تناضل من أجل العثور على المال اللازم لاختبار العمليات الواعدة التي سوف تسمح بضخ ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض من أجل التخزين الآمن. وسوف تكون هناك حاجة إلى مبلغ 50 مليار دولار على مستوى العالم قبل هدف عام 2020 ،المتمثل في بدء استخدام تكنولوجيا احتجاز وتخزين الكربون عالميًا.

وإنني أتساءل: لماذا لا يركز مجلس التعاون الخليجي على هذه التكنولوجيا؟ فهو لديه وفرة في مواقع المخزون الأرضي في صورة رواسب نفطية مستنفدة بل ويمكن أن يحل ضخ ثاني أكسيد الكربون محل الغاز الطبيعي الذي يستخدم في زيادة معدلات استخلاص النفط. ولماذا في ظل النقص المتوقع في الطاقة، لا تستخدم دول مجلس التعاون الطاقة الشمسية أو تنفق على التكنولوجيا الحديثة من أجل جعلها أكثر كفاءة وفعالية؟   

والوقود الحيوي الذي يستخلص من الطحالب والوقود النظيف ووقود الهيدروجين جميعها تمثل فرصًا مشابهة ينبغي اقتناصها كما الحال بالنسبة للمصادر التجريبية الأخرى التي تتطلب رأس المال. في واقع الأمر أشار تقرير أوروبي حديث أن 2.7 مليون وظيفة جديدة سوف تظهر في قطاع الطاقة المتجددة بما يفوق قطاع الوقود الحفري، ومن ثم ينبغي أن يتم توجيه الاستثمارات المستقبلية نحو قطاع الطاقة المتجددة.

أندريس كالا - صحفي مستقل مقيم بمدريد ومتخصص في العلوم السياسية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، فضلا عن قضايا الطاقة العالمية.

font change