عامان من سيطرة حماس

عامان من سيطرة حماس


على عكس ما كان متوقعًا لما ستكون عليه الأوضاع في قطاع غزة رغم حالة الانقسام والحصار والرفض الدولي والعربي.


إن من يعيش في غزة ويتجول في شوارعها يدرك أن الصورة مختلفة عما هو منشور في وسائل الإعلام عن الأوضاع في قطاع غزة، وهذا لا يعني أن حكم حماس مثالي أو أفلاطوني ولم تشُبْه شوائب.


فرغم أن تجربة الحكم لدى حركة حماس هي الأولى، وجاءت بعد عملية قيصرية دامية ودون طبيب جرَّاح أو مختص في الولادة نتيجة الرفض الدولي لها كونها تنتمي إلى الإسلام وتحديدا، إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان جزء من حكمها فيه تخبط وتجاوزات وسلبيات، ورغم ذلك كان هناك قبول لسياساتها في الوسط الشعبي، وتسمع من المواطنين التبريرات والأعذار، وذلك مرده إلى أن الفترة التي سبقت حكم حماس كانت فترة مؤلمة وتجربة غير مقبولة على المواطن الفلسطيني الذي منحها الفرصة الطويلة، ولكنها فشلت في تحقيق الأمن والعدل وخلقت حالة من الصراع الطبقي داخل مجتمع لا يحتمل الظلم ولن يصبر عليه.


كان الأمن العنصر المفقود في الشارع الفلسطيني في قطاع غزة، فالموت كان قانونًا، والصراع كان حكمًا، والتخلص كان رغبة ورأيًا عامًا، فكان الوقوف الجماهيري إلى جانب حركة حماس أحد أهم أسباب النجاح واستمرار حكم حماس على أمل أن يكون الوضع مختلفًا، وكان ما أراد المواطن الفلسطيني من تحقيق أمنه الشخصي وأمنه العام خلال فترة حكم حماس، وبات المواطن الفلسطيني داخليًّا آمنًا على نفسه وعلى ماله وأهله، وما يدلل على توفر الأمن هو؛ الحريات الشخصية التي حاز عليها المواطن، ولعل من أهم الملاحظات من قِبل المتشددين في قطاع غزة أن السفور ازداد في قطاع غزة، والسفور المقصود هو خروج بعض السيدات أو الفتيات في الشوارع بلباس غير ملتزم بالشرع الإسلامي، رغم إسلامية الحاكم، دون أن يعترضهن عارض، مطمئنات إلى أن حركة حماس لن تعتدي عليهن أو تمنعهن أو تفرض عليهن لباسًا معينًا دون أن يكون هناك تمهيد لذلك أو إعادة تشكيل للثقافات وزيادة الوعي عبر التثقيف والتوجيه والإرشاد.


هذا مثال فقط أردت الإشارة إليه لتوضيح درجة الرضا من قِبل الرأي العام الفلسطيني في قطاع غزة عن حكم حماس، لأن هذا الرضا سينقلنا إلى الوضع السياسي، وكيف واجهت حركة حماس الحصار الدولي والإقليمي دون أن يكون هناك مَن يثور على سوء وتردي الأوضاع المعيشية داخل قطاع غزة، ولعل المثال الأكبر الذي يمكن الاستشهاد به، هذا الاصطفاف الجماهيري خلف حركة حماس خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وهذا الصمود الجماهيري الذي أفشل الأهداف الإسرائيلية وحال دون تحقيقها رغم حجم الإرهاب الإسرائيلي بحق المدنيين، وهذا الدمار الهائل الذي تعرضت له كل القطاعات.


هذا النجاح الذي حققته حماس يعود إلى أن المواطن الفلسطيني يدرك أن حكومة حماس تعيش الأزمة التي يعيشها، وتتجرع عذابات الحصار كما يتجرعها المواطن، وأن هذه الحكومة بقيادة حركة حماس ربما أرست شيئًا من العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس، على عكس الصورة السابقة، فبات المواطن والحاكم على درجة متساوية ولا امتيازات تفرِّق الحاكم عن المحكوم، ففي الوقت الذي انقطع فيه البترول توقفت سيارة المسئول كما توقفت سيارة المواطن، وعندما لجأ المواطن إلى استخدام الأدوات البدائية في الطهو بعد نفاد غاز الطهو من القطاع لم يلجأ وحده لتلك الأدوات بل أوقد المسئول الحطب واستخدم (بابور الكاز) في طهو طعامه.


لكن هل يعني ذلك أن حكم حماس لم يشهد تجاوزات؟ يخطئ من يظن ذلك أو يروِّج لعكس الواقع، هناك أخطاء في حكم حماس وهناك تجاوزات من قِبل بعض أفرادها، ولكن هناك فرقًا بين أن يكون التجاوز بقانون، ويمثل صفة العموم، وبين أن يكون هذا التجاوز بشكل فردي ويحاسب عليه القانون، وهذه نقطة، رغم السلبيات التي ارتكبتها حماس، كانت في صالح حكم حماس؛ لأن المواطن شعر أن هناك محاسبة وهناك عدم رضا على المستوى القيادي من هذه السلبيات والتجاوزات، وعندها غض المواطن الطرف عن ملاحقة حماس في تجاوزاتها، طالما أنها تلاحقها بنفسها، وما يدلل على ذلك؛ أن هذه السلبيات والتجاوزات في تراجع ملموس يبعث على الاطمئنان لدى المواطن الفلسطيني.


ما تعرَّض له حكم حماس من إجراءات مختلفة وعلى صُعُدٍ مختلفة داخليًّا وفلسطينيًّا وإقليميًّا ودوليًّا يمكن لها أن يهد أركان نُظم لها سنوات طوال في الحكم والإدارة، وليست حركة تمارس السياسة بشكل أولي في وسط معمعات من التحديات والمؤامرات لإقصائها عن الحكم، وإخراجها من الساحة السياسية الفلسطينية، مقاطعة وحصار ومضايقات لا حدود لها؛ وصْفها بل وضْعها على قائمة الإرهاب، تجويع ثم حرب وتدمير وقلاقل داخلية عائلية وتنظيمية، كانت المعالجة فيها رغم دمويتها وحجم الخسائر الكبير فإنها كانت معالجة ثبَّتت أركان الأمن الداخلي، وهذا الأمن الداخلي المستقر هو الذي به واجهت حماس الحصار والتجويع والمؤامرات والعدوان، وأدرك المواطن الفلسطيني أن حكم حماس فيه حفظ لكرامته، وصون لأمنه ومقاومة لعدوِّه، وفي نفس الوقت تأكد المواطن أن البديل عن حكم حماس هو الموت والذل والمهانة فقَبِل وتحمَّل التجاوزات وساند وأيَّد حكم حماس، ولم يثُر في وجهها كما خططت كل الأطراف الدولية والإقليمية والفلسطينية، وأعتقد أن المواطن في القطاع سيمضي مع حماس إلى أبعد الحدود.




مصطفى الصواف
- كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

font change