من "المقاومة" إلي "السلطة" إلي "التسوية" !؟

من "المقاومة" إلي "السلطة" إلي "التسوية" !؟


 شهدت ثلاث مراحل مهمة، وتقلبات بدأت بالمقاومة وحدها ثم المزاوجة بين السلطة والمقاومة، وتوشك أن تنتهي بالمزاوجة بين "السلطة والتسوية والمقاومة".


فحرْص حماس على المزاوجة بين السلطة والمقاومة، وهي متسلحة بفوزها الكاسح في انتخابات يناير 2006 بقرابة 60% من مقاعد البرلمان الفلسطيني، ونفى أن يكون ما فعلته "انقلاب" وإنما "إجهاض" لانقلاب دبّرته أمريكا لصالح فتح – أكدته مجلة "فانيتي فير" الأمريكية عدد إبريل 2008 بالوثائق – تهدده الآن قيود ممارسة اللعبة السياسية التي هي في نهاية المطاف التفاوض السياسي للوصول إلى تسوية .


صحيح أن حماس سعت للحرص في مزاوجتها بين السلطة والمقاومة في العامين الماضيين على عدم التنازل عن ثوابت عقدية ومفاهيمية في أسس الصراع، والتأكيد على حق المقاومة، ولكن وقوع غزة بين فكي كماشة إسرائيلية وحصار خانق واعتداءات إسرائيلية متتالية، فرض على "سلطة حماس " نوعًا من "التهدئة" الإجبارية.


ولكن هذه التهدئة فرضت بدورها تحديات داخلية وخارجية على حماس، منها الدخول في صدامات مع باقي حركات المقاومة في غزة لمنعها من خرْق اتفاق التهدئة السياسي مع العدو، ما نتج عنه صدامات خصوصًا مع الحركات السلفية المقاومة، مثل "جند أنصار اللـه" وجماعة "جيش الإسلام" وسقوط مئات القتلى وتشويه صورة الحركة وظهورها كسلطة قمْعيَّة تدافع عن التهدئة مع الاحتلال على حساب دماء أبناء غزة، بصرف النظر عن أخطاء هذه الحركات السلفية.


أيضًا، فرضت معادلة الحصار الخانق والضغوط العربية والدولية على حماس أن تتعلق بأي حبال سياسية ممدودة لفك الحصار، ومنها اتصالات مع أوروبيين وأمريكان من أجل فك الحصار.


ومع أن مد الغرب يده لحماس بعد فشل عدوان يناير 2009، في تدمير بنية الحركة، يأتي في سياق إستراتيجية أمريكية قديمة سبق اتباعها مع فتح وعرفات لـ"تليين" المقاومة، والدخول في مسارات التسوية السلمية التي تلغي المقاومة، فإن حماس تعتبر السيناريو مختلفًا معها. 


فقد ظلت الحركة - بعد أكثر من عامين من الحصار الإسرائيلي المحكم، والعمليات العسكرية والضغط الدولي - قوية وصامدة، ولم تضطر لرفع الراية البيضاء أو السعي لتفاوض غير مشرف، ما دفع الغرب – وليس هي – للدخول في سلسلة لقاءات سياسية مع قياديي حماس.


نعم، قد يبدو الهدف الغربي الأمريكي خبيث، ويستهدف تطويع الحركة سياسيا كما حدث مع حركة فتح باستيعابها في العمل السياسي، ودفْعها للتخلي تدريجيًّا عن العمل المسلح، ولكن تصرفات قادة حماس تؤكد استيعابهم لهذه الأهداف الغربية، وحرصهم على المزاوجة بين السلطة والتسوية والمقاومة معها، مع دخول الحركة عامها الثالث في غزة. 


فقد تدرجت الخطط الغربية تجاه حماس منذ فوزها في انتخابات يناير2006، من محاولة جرها لتسوية سياسية مع إسرائيل – تحت غطاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس – إلى حصارها اقتصاديًّا وخنقها تمويليًّا أملا في ثورة الغزاويين عليها أو تخليها عن السلطة، وحتى محاولة إقصائها بالقوة عبر خطة دحلان الأمريكية الشهيرة.


وعندما فشلت كل هذه الخطط، جربوا سياسة الحصار والضغوط، وأخيرا.. استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية – في عدوان يناير الماضي - لإنهاء حكم حماس، ولكن كل هذه الخطط لم تفلح، وعلى العكس زادت من قوة الحركة التي صمدت برغم جرائم الحرب الصهيونية في غزة.


ولا شك أن هذا الصمود – برغم دفْع شعب غزة ثمنًا باهظًا من دمائه وتدهور معيشته – كان وراء تغيير الغرب إستراتيجية (العصا) واعتماد (الجزرة) التي تقوم على التواصل مع حماس، وعقد مسئولون أوروبيون وأمريكيون لقاءات مباشرة وغير مباشرة مع الحركة لاستدراجها لفخ التسوية السياسية، بهدف دفْعها لتغيير سياستها والانخراط في العملية السياسية جنبًا إلى  جنب مع السلطة الفلسطينية.


ولكن الحاصل حتى الآن أن كل هذه التطورات - بما فيها الاختراقات السياسية الغربية للعلاقة مع حماس - زادت من قوة حماس السياسية وجعلتها طرفًا صعبًا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة أو أي موضوع متعلق بشأن القضية الفلسطينية.


والمشكل.. أن هذه اللقاءات الحمساوية – الغربية لها أهداف متعارضة تتعلق بالسعي الأوروبي – عبر العصا والجزرة – لاستيعاب الحركة في العملية السياسية بجانب السلطة الفلسطينية في رام اللـه، في حين أن أهداف حماس مختلفة، لتظل نقطة الخلاف الرئيسية بين الطرفين هي؛ ازدواجية (المقاومة والتسوية) التي يرفضها الغرب وتصر عليها حماس.


ومع هذا فالواقع العملي يشير لتجميد عملي من قِبل حماس مستقبلا لخيار المقاومة خلال هذه المفاوضات الهادفة للتسوية سواء على خلفية تبادل الأسرى وفتح المعابر أو إعادة صياغة اتفاق للتهدئة – تحتاجه حماس - في المرحلة المقبلة لتوفير مواد إعادة أعمار غزة، وتحسين أحوال الشعب بما يجدد شعبيتها في وقت يقترب فيها استحقاق انتخابات الرئاسة والبرلمان الفلسطيني العام المقبل.


معادلة حماس في عام حكمها الأول في غزة، كانت تنحصر بالتالي في المقاومة فقط، التي حاربت لتُبقِي عليها مستمرة، ومع دخول عامها الثاني أصبحت مضطرة للمزاوجة بين (السلطة والمقاومة)، أما مع دخول عامها الثالث – وبعد نفاذ كل حيل إقصائها بالحصار أو الانقلاب أو الغزو العسكري – فقد باتت الحركة مضطرة للمزاوجة بين (المقاومة والسلطة والتسوية) معًا وسط مخاوف أبنائها أن ينجح الاستدراج الغربي لها كما نجح مع فتح، وتأكيدات قادة الحركة أنهم واعون لهذا!

font change