الجعبري:الملف الأخطر في حماس

الجعبري:الملف الأخطر في حماس

[escenic_image id="5510069"]

لم يكن يتوقع أحمد الجعبري أن الصواريخ الإسرائيلية يمكن أن تطال منزله بحي الشجاعية وسط غزة، كان يعتقد  أن احترافه العمل المسلح تحت الأرض، وخطواته الحذرة إلى أقصى درجة، والسرية التي يحيط بها نفسه واستخدامه لكل أساليب التخفي، ستضمن له سرية تحركاته وتُسهِّل عليه خداع الإسرائيليين طوال الوقت بحيث لا يعلمون أين ولا أين  يتحرك، لكنه فجأة وجد صاروخًا إسرائيليًّا يقتحم سماء غزة ويخرق سكونها النادر ليلة السابع عشر من أغسطس/آب 2004، قاصدًا بيته.

كان الجعبري وقتها بالفعل داخل البيت يستضيف ثلة من أهله في زيارة ظنوا أنها سرية، فاكتشفوا أنها مصورة إسرائيليًّا، نجا الجعبري بإصابة خفيفة في قدمه، لكنه  فقد في الغارة نجله الأكبر محمد وأغلب مَن كانوا في بيته.

منذ ذلك اليوم  لم تذق عين الجعبري  طعم النوم، فالمحاولات الإسرائيلية لا تهدأ لاغتياله، تكررت بعد هذا الحادث أربع مرات كان  آخرها أثناء حرب غزة الأخيرة. فالجعبري مطلوب إسرائيليًّا، وأجهزتها العسكرية تريده حيًّا أو ميتًا، تتقفَّى أثره أينما كان، وتمكنت  بالفعل من رصده أكثر من مرة، لكنه كما يقولون؛ كان في عمره بقية فهرب قبل الرصاص بلحظات.

دائما ما يردد  الجعبري لمن حوله من أعضاء حركة حماس، أنه لم يعد يخشى الرصاص ولا الصواريخ، ويعلم أن تاريخ موته مكتوب على مقدمة صاروخ إسرائيلي لم يصل إليه بعد، وربما يكون في الطريق لكنه لا يهتم، وتكفيه 45 عاما قضى نصفها في العمل المسلح، ووصل خلالها إلى أن أصبح جزءًا من  قيادة حماس والرجل الثاني في جهازها العسكري، كتائب القسام، وواحدًا من المتحكمين في قرارها السياسي

والمسئول الأول عن الملف الأخطر في يد الحركة  الآن وهو؛ ملف الجندي الإسرائيلي شاليط، الذي أخرج اسم أحمد سعيد الجعبري من تحت الأرض إلى العلن مرة أخرى، وجعله معروفًا  لكثير من الفلسطينيين

والإسرائيليين أيضا، فهو وحده صاحب القرار في هذا الملف، لا تتخذ القيادة الحمساوية خطوة تفاوضية بشأنه الآن بالرجوع إلى الجعبري الذي استحوذ على ثقتهم العمياء، لدرجة توكيله من قيادات الحركة في غزة أو خارجها بوضع ما يراه من شروط لإبرام الصفقة بما يضمن الإفراج عن  أكبر عدد ممكن من أعضاء حماس داخل السجون الإسرائيلية، فقيادات حماس يرون أن موافقة إسرائيل على إطلاق سراح 20 فلسطينيًّا مقابل شريط لمدة دقيقة واحدة مع الجندي شاليط، أكبر دليل على أن سيناريو الصفة الذي رسمه الجعبري قابل للتحقيق مع بعض المراوغات والمماطلات المغلفة بستار سياسي.

ويزيد من ثقة الحمساويين  في الجعبري؛ قناعتهم بقدرته على التعامل مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي.

ويدللون على ذلك، بأن إسرائيل  فشلت على مدار 3 سنوات في تحديد مكان شاليط، والسبب على حدِّ قولهم؛ قدرة الجعبري على إخفائه خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والتي كان ضمن أهداف إسرائيل منها،  الوصول إلى الجندي شاليط واستعادته من قبضة حماس. لكن انتهت الحرب وظل شاليط في حوزة حماس، أو بالأدق، في حوزة الجعبري، فليس كل قيادات حماس يعرفون مكان شاليط، فهو سرٌّ لا يطَّلع عليه إلا قليل منهم بجانب الجعبري نفسه.

وحسب وصف بعض قيادات حماس، فإن حرب غزة الأخيرة لم يقتصر تأثيرها على الجعبري عند هذا، فقد  كان لها دور أساسي  في تصعيده عسكريًّا داخل الحركة، ومنْحه مكانة خاصة لأنها جعلت قيادات الداخل والخارج  يتعاملون باهتمام مع أفكاره العسكرية.

كما  جعلت شباب حماس ينظرون إليه باهتمام، ويعتبرونه نموذجًا لما يجب أن يتسم به القائد العسكري الحمساوي من الانضباط الكامل والدقة المتناهية، بالإضافة إلى الخبرة التي تجعله  قادرًا على قراءة أفكار الآخرين.

والجعبري الذى يُعرف وسط حركة حماس بـ "أبو محمد" رب أسرة مكونة من ستة أبناء، ينتمي لعائلة يمتد أصلها لمدينة الخليل؛ التي غادرها مع نفر من أقاربه إلى  منطقة أخرى في قطاع غزة. بدايته مع العمل العسكري السري كانت عندما التحق بالمجموعات المسلحة التابعة لحركة فتح في الثمانينيات، وشارك معهم في عمليات مسلحة ضد القوات الإسرائيلية، وكانت أشهر عملياته وقتها، إلقاء قنبلة يدوية على ضابط إسرائيلي كان يعمل في منطقة الشجاعية بالقرب من محطة السكة الحديد، واعتُقل الجعبري  إثر ذلك في سنة 1982، وأمضى في السجن ثلاثة عشر عاما كانت بمثابة نقطة التحوّل في حياته، فمع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وبروز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التحق الجعبري  بالحركة، وهو في داخل السجون الإسرائيلية، وقبل مرور وقت طويل أصبح أحد القيادات الحمساوية  داخل السجن، مما سمح له بمجالسة القيادات التاريخية لحماس وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين الذي لا ينكر الجعبرى أنه استفاد منة الكثير داخل السجن، وكانت حصيلة هذه الاستفادة خبرة مكّنته من أن يخرج من سجنه عام 1995، وهو من كبار رجالات حماس المعروفين داخل الحركة، ولم يمض عامان على خروجه حتى أصبح جزءًا من القيادة السياسية للحركة، ويصبح  المسئول عن مؤسسة النور، إحدى أبرز المؤسسات التي  أسستها حماس، لتكون مسئولة عن عائلات القتلى والمعتقلين والجرحى من أعضائها.

ومنذ لحظة خروج الجعبري من السجن في 1995، كان دوره واضحًا في العمل العسكري داخل الحركة، إلا أنه واجتهه بعض الصعوبات، عندما اعتُقل مرة أخرى عام 1998، لكن هذه المرة على يد السلطة الفلسطينية واستمر اعتقاله لعامين كاملين، خرج بعدها ليتم تكليفه مباشرة من قيادة حماس ليعاون صلاح شحادة ومحمد الضيف، قائد الجناح العسكري، في إعادة ترتيب العمل العسكري داخل حماس، وكان للجعبري الدور الأبرز  في هذه المهمة، بداية من توليه رئاسة القوة العسكرية أو الجيش الشعبي الذي شكلته حماس في 2002،  للتصدي للاجتياحات الإسرائيلية على قطاع غزة، وكانت قيادته لهذا الجيش هي أول الطريق في إبراز شخصيته العسكرية التي شكلت له قاعدة واسعة بين صفوف الحمساويين، ومن يومها أصبح الجعبري رقمًا صعبًا بين قيادات الحركة، وأحد رواد تطوير العمل العسكري فيها. ويلقبونه بقائد الميدان، ويتذكرون له العمليات العسكرية التي قادها، ويرون أنها كانت من أخطر ما نفذ الجناح العسكري لحماس ضد الإسرائيليين، ومنها عمليات "الوهم المتبدد، نذير الانفجار ، حقل الموت" وهي عمليات يعتبرها الحمساويون غير اعتيادية. 

ومع دخول حركة حماس الانتخابات في 25 يناير 2006، وحصولها على الأغلبية التشريعية، وتسلمها للحكومة الفلسطينية، توقع كثيرون أن يمنح  إسماعيل هنية مقعدًا وزاريًّا للجعبري. لكن هذا لم يحدث لسببين، الأول: أن الجعبري مطلوب إسرائيليًّا، والثاني: أنه كان مكلفًا بمهمة أخرى أهم عند قيادات حماس  وهي تحويل جهد الجهاز العسكري من العمل العسكري ضد إسرائيل، إلى عمل أمنى داخلي بهدف حماية حكومة حركته من منافسيهم في فتح، الذين أطلق عليهم الحمساويون وصف الأعداء والخونة، فاستنفر أبو محمد  جميع رجاله فى  الجهاز العسكري لكي يكونوا الدرع الحامية لإسماعيل هنية وأعضاء حكومته وتصفية خصومهم، حتى وصل الأمر لذروته حين كانت محاولة اغتيال هنية، حيث قاد الجعبري بنفسه عملية السيطرة على غزة، وتحويلها إلى مستعمرة خاصة بحماس وإبعاد المنتمين لفتح منها، ومن بعدها بدأت مرحلة الانقسام الفلسطيني الذي لم تفلح كل المحاولات الإقليمية والدولية في إنهائه.

وكما يقول بعض أعضاء حماس؛ فإذا كان قلة من قيادات الحركة يملكون القول الفصل في موقفهم من المصالحة، فإن واحدًا من هذه القلة هو الجعبري؛ صاحب الكلمة داخل حماس، فرأيه لا يمكن تجاهله في وضْع غزة، والصلح مع فتح أو تأجيله، فهو الرجل الذي كان خفيًّا وأصبح قويًّا داخل حماس ويرفض الصلح مع فتح لأنه  يرفض التنازل عن غزة، ويرى أن سيطرة حماس عليها إنجاز يُحسب له لا يقل عن إنجاز إخراج الإسرائيليين من فلسطين، كما يرفض أي محاولات للتعامل السياسي مع القضية الفلسطينية ويصر علي العمل العسكري السري. فرغم مرض  ضعف النظر الذي خرج به الجعبرى من سجنه، فإنه ما زال يُدمن العمل العسكري ولا يفرِّط فيه ولو على حساب حياة الآخرين.

font change