بولنت أرينج نائب رئيس الوزراء

بولنت أرينج نائب رئيس الوزراء

[escenic_image id="5511145"]

"أقلق كثيرًا عندما يستخدم الناس أسماء المذاهب  في حديثهم. فالإسلام دين جيد، بينما الإسلاموية ليست كذلك. وأتاتورك شخص جيد أيضًا، ولكن أولئك الذين يستغلون ذكراه و يطلقون على أنفسهم لقب الكماليين ليسوا كذلك. فقد كان أتاتورك بشرًا فانيًا، وليس نصف إله.. والعلمانية تعنى الحرية. وبالرغم من انتشار العلمانية في الغرب، فإن الغرب ليس علمانيًا".

هذه كانت صراحة نائب رئيس الوزراء التركي والعضو البارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم، بولنت أرينج في كلمته التي ألقاها أمام الطلاب الجامعيين في مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين ثان.

و رغم أن كثيرين اعتبروا هذه الصراحة مقصودة من أرينج لاثارة الأتراك المتشبثين بتراث العلمانية - والسلطوية – التي خلفها من وراءه بطل تركيا في حرب الاستقلال. إلا أن الخطاب أظهر في نفس الوقت مدى التغير الكبير الذي حدث في المواقف السياسية الإسلامية التركية على مدى العقود الثلاثة الماضية.

وقد لا يتفق الملايين من الأتراك في أن خطاب أرينج يدل على أن هناك تغييرًا قد حدث في المواقف السياسية الإسلامية التركية. فبولنت أرينج، كما يراه أعداؤه، هو زعيم مجموعة من المتشددين داخل الحزب الحاكم، مما يدل على أن ما يدعيه حزب العدالة والتنمية من تخليه عن اتباع السياسات الإسلامية من أجل تطبيق "الديمقراطية المحافظة" لا يعدو كونه مجرد "تمثيلية". فعندما دعا المدعي العام في أنقرة إلى ضرورة إغلاق حزب العدالة والتنمية في مارس /آذار 2008باعتباره "مركز تنسيق لأنشطة مناهضة للعلمانية"، تصدر أرينج قائمة الساسة الذين وردت اسماؤهم في الصفحة 162 من لائحة الاتهام.

وعندما تصاعدت حدة الخلافات بين الحكومة والجيش والقضاء في تركيا، بعد عام 2004، لم يشجب أحد مثلما فعل أرينج ما اعتبره مخططات غير شرعية من قبل النخبة البيروقراطية، حيث قال في إحدى المناسبات: "لا توجد مشكلة في النظام الحاكم لهذا البلد، ولكن يوجد جدل حول من يسيطر على مقاليد الحكم في البلاد".

كان رئيس البلاد في ذلك الحين علمانيًا متشددًا. وكانت زوجته، المدّرسة المتقاعدة، و التي لم تكن ترتدي غطاء رأس، رمزًا للمثل العليا الحديثة السائدة في الجمهورية. ومع الاستقطاب الأيديولوجي الذي كانت تشهده البلاد في ذلك الوقت، وتآمر كبار الضباط للإطاحة بالحكومة (كما أصبحنا نعرف الآن)، قرر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ترشيح شخص يرتضيه جميع الأطراف. وقد رفض  بولنت أرينج، الذي كانت زوجته تغطي رأسها مثل زوجة السيد أردوغان، ترشيح مرشح مثل هذا قائلًا: "إن شعبنا يريد رئيسًا مدنيًا يتسم بالورع ويحكم بالديمقراطية.. رئيسًا ترتدي زوجته الحجاب". و خلال اجتماع دام ساعتين مع السيد أردوغان، أعرب فيه أرينج عن استعداده للتضحية بمنصبه كرئيس للبرلمان،  وكان له ما أراد. فقد أعلن السيد أردوغان في اليوم التالي أن وزير الخارجية عبد الله جول هو مرشح الحزب، مما أدى إلى قيام القضاء بمحاولة تخريب الانتخابات مع تهديدات بالتدخل العسكري في أبريل/نيسان2007.

ويعتقد الصحفي، سدات بوزكورت، الذي كانت علاقته قوية ببولنت أرينج لما يقرب من عقدين كاملين، أن سلوك أرينج أثناء الأزمة الرئاسية كان سمة مميزة للرجل. حيث يقول بوزكورت: "إنه عنيد، ويفكر بشكل مستقل. وبالرغم من طموحه الكبير، فإنه  لم يسع لتولي المناصب العليا في الدولة". وهذه الصفات جعلت أرينج يتمتع بشعبية عريضة، ولكنها خلقت له في نفس الوقت عددًا غير قليل من الأعداء، منذ أن بدأ في تسلق سلم السياسية مرة أخرى في أواخر الثمانينيات.

وقد انجذب أرينج، الذي كان نجلًا لأحد العسكريين و محاميًا جنائيًا ناجحًا في مسقط رأسه ببلدة مانيسا بغرب تركيا، مثل غيره من شباب المحافظات في السبعينيات بأول سياسي إسلامي في ذلك الوقت في تركيا ذات التعددية الحزبية، نجم الدين أربكان، والذي كان إعجاب الشباب به يزداد يومًا بعد يوم. وبحلول عام 1991، كان حزب أربكان، حزب الرفاة، قد أصبح قويًا بما يكفى للفوز في الانتخابات بنسبة 18.5 ٪. وقد كان هناك الكثير من الجوانب المشتركة بين أيديولوجية أربكان – المعروفة بـ'الرؤية الوطنية"- وبين الأفكار الإسلامية اليسارية التي كانت سائدة في بقية العالم الإسلامي في ذلك الوقت و التي تشمل العداء للغرب والمعاداة للعلمانية ورفض الليبرالية الاقتصادية. لقد كانت أيديولوجية أردوغان تدعو إلى دعم مجتمع أكثر عدلًا وأخلاقا  تتمتع فيه الصناعة بدعم من الدولة.

ونظرًا لأنه يعد اليوم واحدًا من أكثر الخطباء شهرة و بلاغة في السياسة التركية اليوم، سرعان ما صعد بولنت أرينج في سلم المناصب. فبحلول عام 1991، كان أرينج رئيس حزب الرفاة في مانيسا. وبعد ذلك بأربع سنوات، كان عضوًا في البرلمان في ظل حكومة ائتلافية يقودها حزب الرفاة. ولكنه كان قد اشتهر بين الجيل الأكبر سنًا في الحزب بأنه مشاغب. فقد كان أرينج يتسم بالإصرار وعدم الرضوخ ويسعى دائمًا لتحقيق أهدافه. وقد دعا إلى تطبيق المزيد من الديمقراطية داخل أروقة الحزب. وانتقد موقف حزب الرفاة المناهض لأوروبا.  كما انتقد قرار أربكان بتشكيل حكومة ائتلافية في عام 1995 مع أحزاب اشتهرت بالفساد. وفي عام 1995، انتخبه أعضاء الحزب عضوًا في المجلس التنفيذي، نظرًا للمعارضة التي كان يشنها الأعضاء الكبار في السن من الدائرة المقربة لأربكان.

وحدثت أول بادرة للانشقاق،  كان من شأنها أن تؤدي إلى حدوث انقسام في السياسة الإسلامية، بعد خروج حزب الرفاة من السلطة على يد حملة عسكرية منظمة في عام 1997 وتم إغلاقه. و في عام 2001، استقل أعوان أربكان السابقون، رجب طيب أردوغان وعبد اللـه جول و أرينج، وقاموا بتشكيل حزب العدالة والتنمية. وكان أردوغان وعبد اللـه جول في نظر كثير من الإسلاميين التقليديين اثنين من الخونة. ولكنهم نظروا لانفصال أرينج عن الحزب على أنه نتيجة حتمية لسنوات من المعارضة المنظمة.

وهذا الارتباط مع التيار المحافظ في السياسة التركية هو ما يفسر النفوذ الكبير الذي يحظى به أرينج داخل حزب العدالة والتنمية، وهو الحزب الذي يجمع بين القوميين والإسلاميين والليبراليين التقليديين.  كما قد يفسر لماذا عينه أردوغان نائبًا لرئيس الوزراء بعدما ضاعف أحد الأحزاب الإسلامية التقليدية من دعمه في الانتخابات المحلية التي عقدت في مارس/آذار من هذا العام.

ولكن كل هذا لا يعني، كما يقول بعض المنتقدين لأرينج، أنه ممثل "الرؤية الوطنية" داخل حزب العدالة والتنمية. فبالرغم من أن أرينج لا يزال من أكثر المحافظين دينيًا داخل حزب العدالة والتنمية من بين القادة الثلاثة للحزب (على الرغم من أن أردوغان يقترب منه كثيرًا في هذا الشأن)، فإنه قد تغير كثيرًا منذ أن كانت أيديولوجية أربكان تكاد تسيطر على الأوساط الإسلامية في تركيا.

وفي حين كان حزب الرفاة معاديًا للغرب، كان أرينج، على الأقل حتى عام 2005،  واحدا من أكثر المؤيدين داخل حزب العدالة والتنمية لمحاولة تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي. وفيما يتعلق بالتدخل العسكري في السياسة، يعتبر أرينج من أكثر من يتمتعون بفكر مدني في هذا الشأن. فمن الصعب تخيل أن  أردوغان يمكن أن  ينتقد دارًا للرعاية الصحية تحث نزلائها من المرضى على الوقوف لتحية النشيد الوطني، مثلما فعل أرينج، حيث قال: "هل هذه دار للرعاية أم وحدة عسكرية!".

ولكن من ناحية أخرى فقد غير أرينج معظم مواقفه تجاه المشكلة الكردية مثلما فعل أردوغان وغول. فعندما قتل صدام حسين الآلاف من الأكراد بالغاز في حلبجة في عام 1988، لم يعترض بكلمة واحدة، كغيره من الأتراك. كما لم يكن لدى حزبه أية مقترحات بشان إيجاد حل للنزاع الكردي الذي كان قد بدأ في جنوب شرق تركيا في عام 1984.

 واليوم، يجوب أرينج وأردوغان البلاد في إطار جهودهما الرامية لإقناع الشعب التركي بالحاجة الملحة لإيجاد حل سلمي للحرب. ويعتمد نجاح هذا التحول الجذري في السياسة بشكل كبير على الشخصية الكاريزمية التي يتمتع بها أردوغان. ولكن هذا لا يعنى أن أرينج، الذي صفق له الطلاب الأكراد بحرارة في ديار بكر في 11 نوفمبر/تشرين ثانٍ، ليس لديه دور رئيسي يمكن أن يلعبه هو أيضا. فالمحافظون يثقون به أكثر من ثقتهم في أي عضو آخر من أعضاء حزب العدالة والتنمية. وإذا ما نجح أرينج في حملهم على الوقوف معه، فإنه  قد ينجح في تحقيق المستحيل، وهو فصل الإسلام التركي عن القومية التركية.

font change