من فكرة الجهاد إلى ممارسة اللصوصية

من فكرة الجهاد إلى ممارسة اللصوصية


بدأ هذا التنظيم نشاطه المسلح تحت اسم  "الجماعة السلفية للدعوة والقتال " التي أسسها أمير التنظيم، حسان حطّاب، منتصف التسعينيات بعد انشقاقه عن "الجماعة الإسلامية المسلحة " المعروفة اختصارًا " الجيا".


فقد بدأ التنظيم في عهد حطاب ـ منشق حاليًا على القاعدة وموجود لدى أجهزة الأمن الجزائرية ـ عملياته الإرهابية العشوائية التي لم تكن تفرِّق بين عسكري ومدني ..فاعتمد على زرع القنابل والعبوات الناسفة في الأسواق والأماكن العمومية ووسائل النقل، مما تسبب في حرج بالغ للدولة الجزائرية التي بدت وكأنها لا تسيطر على الأوضاع، خاصة وأن عمليات التنظيم تركزت في المدن الكبرى ومن بينها الجزائر العاصمة.


كما اتبع التنظيم أسلوب الهجوم المباشر على تجمعات الدرك الوطني والأمن الوطني والحرس البلدي، مما أحدث حالة من عدم الاتزان لدى الأجهزة الأمنية التي بدأت جهودها مشتتة في مطاردة عناصر التنظيم التي كانت تضرب بقوة في كل مكان .


استمر هذا الأسلوب على ما هو عليه حتى وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم عام 1999..حيث أصدر قانون الوئام المدني في محاولة منه لاحتواء الأوضاع وفتح الطريق أمام الجماعات المسلحة للعودة إلى المجتمع ووضع السلاح .


وقد كان لهذا القانون نتائج عظيمة، حيث أعلن ما يزيد على 6 آلاف عنصر من عناصر الجيش الإسلامي المسلح بزعامة مدني مزراق، التخلي عن السلاح والعودة إلى أحضان المجتمع وتطليق الفكر المتطرف .


وفى الوقت الذي استمر فيه" تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال " في عملياته الإرهابية ضد المدنيين والعسكر، كانت هناك حالة من السخط والاستنكار الشعبي العام لممارسات هذا التنظيم، الأمر الذي جعل قياداته تفكر في اللجوء إلى أساليب أخرى في مواجهتها مع الدولة .


من هنا خل التنظيم في مرحلة ثانية ركز فيها جهده على تعقب عناصر الجيش والأمن واستهداف تجمعاتهم، مع الابتعاد قدر الإمكان عن استهداف المدنيين . واستمر الوضع على ما هو عليه حتى جاءت الانتخابات الرئاسية التي خاضها الرئيس بوتفليقة للمرة الثانية في ربيع عام 2004 .


وما إن بدأ بوتفليقة فترة ولايته الثانية حتى عاد ليطرح من جديد ما سُمِّي بالميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية، الذي طُرح للاستفتاء الشعبي العام، وزكّاه الشعب بنسبة كاسحة فى 29 سبتمبر/أيلول، 2005.


ويفتح الميثاق الباب من جديد أمام العفو عن العناصر المسلحة التي تعلن تخلِّيها عن العمل المسلح شريطة ألّا تكون تورطت في ارتكاب مذابح جماعية .. أو وضع متفجرات في أماكن عمومية أو ارتكاب جرائم اغتصاب .


وقد أسهمت هذه القوانين في تطليق كثير من العناصر الإرهابية للعمل المسلح ووضع السلاح والعودة إلى أحضان المجتمع .. وبلغ عدد هؤلاء التائبين حتى الآن أكثر من 3 آلاف عنصر، وكانت هذه ضربة موجعة للتنظيمات المسلحة جميعها وعلى رأسها " الجماعة السلفية للدعوة والقتال" .


وزادت عزلة التنظيم بعد أن كثف الدرك الوطني والجيش ضرباتهما، وملاحقة هذه العناصر وإسقاط العديد من رموزها ما بين قتيل أو معتقل أو مستسلم تائب .


كما زادت عملية التنسيق الأمني بين الجزائر ودول الساحل والصحراء الأفريقية، وهذا ما جعل التنظيم يبدِّل من أسلوبه ليدخل مرحلة جديدة هي، مرحلة الأحزمة الناسفة التي لم يكن يستخدمها من قبل .


وقد بدأ " تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال اتباع هذا الأسلوب مباشرة بعد أن أعلن انضمامه لتنظيم القاعدة الدولي في بداية عام 2007، وأطلق على نفسه اسم " تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بزعامة عبد المالك دوركدال، المعروف باسم أبو مصعب عبد الودود .


وقد نفذ التنظيم منذ ذلك الحين سلسلة من العمليات الكبيرة جدا التي من بينها؛ تفجير قصر الحكومة بالعاصمة في 11 أبريل/نيسان 2007 ثم تفجير مقر الأمم المتحدة بحي حيدرة وسط العاصمة في 11 ديسمبر/كانون أول 2007، أيضا ليروح ضحية العمليتين عشرات القتلى والمصابين، إضافة إلى الخسائر المادية الجسيمة، ولتدخل الجزائر مرحلة جديدة في الصراع مع القاعدة التي بدت وقتها حديث العالم .


ومضت قوات الجيش والدرك الوطني الجزائري من جانبها وعلى إثر هذه العمليات، في تكثيف جهودها لملاحقة عناصر هذا التنظيم وتضييق الخناق عليها، وأوقعت العديد من قياداته بين قتيل ومعتقل وأفقدته التنسيق .


ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية على الخط، واقترحت فكرة إنشاء مقر لقيادة " أفريكوم" للتنسيق مع الدول المغاربية ودول الساحل الأفريقي في ملاحقة عناصر القاعدة، إلا أن هذه الدول رفضت استضافة هذه القاعدة الأمريكية على أراضيها، لتُنقل القاعدة مؤقتًا إلى ألمانيا، فيما يستمر التنسيق والتعاون بين واشنطن ودول المغرب العربي والساحل الأفريقي لمواجهة خطر القاعدة .


وتأتي فترة الولاية الرئاسية الثالثة للرئيس بوتفليقة في ربيع عام 2009، ليكشف عزمه إكمال أضلاع مثلث المصالحة بالتلميح بإصدار قانون العفو الشامل، إلا أن أجنحة متنفذة  في السلطة رفضت ذلك لتستمر مواجهة الجيش والأمن لعناصر التنظيم خاصة في ولايات الشرق .


وأمام جهود الأمن الجزائري داخليًا والتنسيق الإقليمى والدولي، أصبح تنظيم القاعدة يعاني العزلة، ويفتقد للتنسيق والتمويل ونقص العناصر، وهو ما أدخله في المرحلة الرابعة التي تمهد الطريق لتلاشيه وزواله، وهى مرحلة اللجوء إلى عمليات خطف السياح الأجانب بغرض طلب الفدية المالية وتهريب السلع والبضائع في منطقة جنوب الصحراء الجزائرية، لتنتهي فكرة الجهاد التي بدأ بها التنظيم شيئًا فشيئًا وتتحول عناصر إلى مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق .


ويدلل على صدقية كلامنا؛ أن التنظيم لم ينفذ عملية نوعية واحدة منذ أغسطس/آب عام 2008، فيما تعيش عناصره في الغابات والجبال دون تنسيق بين قياداته وهو ما جعل الكثير منهم يجري اتصالات مع الأجهزة الأمنية عبر وسطاء لوضع السلاح والعودة من جديد إلى أحضان المجتمع .

font change