دليل طالبان لمواجهة قوات التحالف

دليل طالبان لمواجهة قوات التحالف

[escenic_image id="5514431"]

بعد "الدليل الميداني لمكافحة التمرد" للجنرال باتريوس و"دليل التقييم" للجنرال ماكريستال، استطاعت وثيقة إستراتيجية ثالثة تغيير مسار الحرب في أفغانستان على الأقل وفقًا لبعض المحللين ووكالات الأنباء. وقد صدرت الوثيقة الصيف الماضي، وتتضمن القواعد التي وضعها الملا عمر التي تنظم تحركات مقاتلي طالبان وترسي قواعد واضحة للقتال والسلوك. ومن بين تلك القواعد، تجنب وقوع ضحايا مدنيين أو إحداث مآسٍ مدنية وهما أهم قاعدتين بل إنهما السببان الرئيسيان وراء تغيير السلوك المزعوم. وقد عادت الوثيقة إلى ساحة النقاش العام في إطار التطورات الأخيرة في أفغانستان، مما يجعل هذا الوقت ملائمًا لتقييم ما تضمنته.

ويطلق على الوثيقة قواعد إمارة أفغانستان الإسلامية للمجاهدين. وتلك القواعد تتضمن ما يلي: (أ) "يتعين على المحافظين ورؤساء الضواحي وقائدي الجبهات وجميع أعضاء المجاهدين أن يبذلوا قصارى جهدهم لتجنب سقوط ضحايا مدنيين وإصابات مدنية وأي تدمير للممتلكات المدنية. وينبغي الاهتمام بهذا الأمر جيدًا"، (ب) إذا سبب أي مجاهد أو قائد اضطرابًا لأفراد أبرياء فينبغي أن يصدر إليه القائد تحذيرًا. وإذا لم يغير سلوكه فيتعين فصله من الحركة"، (ج) "الأشخاص الذين لديهم سمعة سيئة أو الذين قتلوا مدنيين خلال الجهاد ينبغي ألا يتم قبولهم في حركة طالبان".

وهذه القواعد تمثل جزءًا لا يتجزأ من حرب الدعاية للمتطرفين. وهي بالنسبة للمجاهدين تثبت بوضوح اعتراف طالبان بأن الطرف الذي يفوز بقلوب وعقول الشعب، سوف يفوز بالحرب. وبالفعل، فإن شعار "التركيز على الشعب" الذي يتم تبنيه في إستراتيجية التحالف الدولي عقب تقرير ماكريستال يبدو أن طالبان قد تبنته بالمثل. وبالرغم من هذا، ليس هناك في وثيقة الملا عمر الإستراتيجية تعريف محدد للمدني ما يجعلها عرضة لتأويلات مختلفة من قبل قادة طالبان.

وحقيقة أن حركة طالبان الأفغانية ليست بمثابة تنظيم مركزي خاص تتحدى فكرة أن الوثيقة سيكون لها تأثير عميق على سلوكيات طالبان الفعلية. ولا يمتلك الملا عمر ومجلس "شورى كويتا" أي سيطرة على المقاتلين الذين ينتمون أو يدعون الانتماء إلى حركة طالبان. وخاصية ارتفاع درجة الحكم الذاتي – هي بالضبط ما يجعل تلك الحركة تمثل خطورة كبيرة جدًا ويسمح لعناصرها بالعمل بسرعة فائقة رغم بعد المسافات بينهم وفي ظل ظروف جغرافية بالغة الصعوبة. وهذا يتناقض بشكل كبير مع قوات التحالف الدولي، الذين يتذمرون من الاضطرار لانتظار تصريح كتابي قبل إطلاق رصاصة واحدة.  

وإضافة إلى عدم وجود تعريف لكلمة "مدني" في الوثيقة، فإن السؤال الأساسي هو: هل حركة طالبان غيَّرت سلوكها منذ أن تم توزيع أوامر الملا عمر. هناك دلائل مختلطة. فلا تزال العمليات الانتحارية مستمرة وكذلك غيرها من أشكال الهجوم التي تشنها الحركة والتي يكون معظم ضحاياها من المدنيين. غير أنه لوحظ أن طالبان تسلك نهجًا أقل عدوانية في تعاملها مع الشعب الأفغاني. وكما أشارت صحيفة نيويورك تايمز أخيرًا، فإن التحول في سلوك طالبان إزاء المدنيين يؤكده مسئولو حلف شمال الأطلسي والقرويون الأفغان على السواء.

وربما يبدو من العدالة افتراض أن هناك، في واقع الأمر، نهجًا مختلفًا تسلكه طالبان. بيد أن القضية تتعلق بالقيمة التي يتم إعزاؤها لهذا التغيير. فالعلاقات بين حركة طالبان الأفغانية مع القاعدة – التي تكون أهدافها الرئيسية من المدنيين – تعطي شعورًا معينًا بالتناقض مع فكرة توقع تغيرات في نهج طالبان بعد إصدار قواعد السلوك من قبل الملا عمر. وقد رفض الملا عمر قطع تلك العلاقات بالرغم من محاولات كثيرة من العديد من الجبهات لإقناع طالبان بالسير في هذا الاتجاه. ومن بين تلك المحاولات رسالة عام 2008، من الملك السعودي عبد اللـه إلى الملا عمر يطلب فيه أن يتنصل الملا عمر من القاعدة.

ومن خلال الحكم استنادًا إلى سؤال ذي صلة يُطرح دائمًا وهو: هل يتم التفاوض مع طالبان، يبدو أن المسئولين الأمريكيين لديهم رؤى متباعدة. ويعتقد المسئولون الأمريكيون أن التفاوض أمر ممكن من الناحية العملية بعد انفصال طالبان عن القاعدة وبعد معاناة الأولى من انتكاسات خطيرة. وقد قالها روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي صراحة فيما يتعلق بهذا الموقع في آخر زيارة له إلى باكستان. ويبدو أن الحكومة الأفغانية لديها رؤية مختلفة وأن وثيقة الملا عمر والتغييرات التي فرضتها ربما تكون قد أقنعت كرزاي ومساعديه بأن طالبان الأفغانية تبنت نهجًا أقل تطرفًا وأكثر تصالحًا. ويمكن أن يكون هذا الافتراض بمثابة خطأ جسيم.

والطريقة التي يشار بها إلى حكومة كرزاي – "حكومة العبودية" – في وثيقة قواعد إمارة أفغانستان الإسلامية للمجاهدين لا تسمح بأي حيز في التشكيك في أنه بينما يمكن أن تصبح طالبان أرفق في التعامل مع هؤلاء، الذين تعتبرهم مدنيين، فليس لديهم أي نية في القيام بذلك مع الحكومة في كابول. فالعمليات الهجومية لحركة طالبان الأسبوع الماضي وسط العاصمة على المباني الحكومية تذكرنا بأنه في حين ترى طالبان أنها تحقق انتصارًا، فإن التساهل معها فكرة سيئة.

font change