الانتصار الأمريكي المزعوم في العراق

الانتصار الأمريكي المزعوم في العراق

[escenic_image id="5544196"]

 وهذه الرؤية تتناقض بشكل صارخ مع رؤية الكثير من المحللين في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، الذين يرون أنه من الصعب الحديث عن أي انتصار مزعوم في العراق .

يعتقد الأمريكيون أنهم انتصروا في حرب العراق، خاصة وأن عددًا كبيرًا من المسئولين والإعلاميين الأمريكيين أخذوا على عاتقهم إقناع الأمريكيين بأن نصرًا عظيمًا تحقق في بغداد، ويمكن أن يكون هذا صادمًا للذين يعيشون خارج الولايات المتحدة، بل يمكن أن يكون هذا التصور مُستغربًا لدى الأمريكيين الذين لا يعيشون في واشنطن ونيويورك، اللتين تعدان مقر صناعة السياسات ومقركبار كتّاب الافتتاحيات الصحفية والإعلامية، ففي الواقع، وباعتباري أمريكيًا، كانت قوة هذه الحملة الدعائية مفاجأة لي.

 

لقد بدأ الاستعراض الاستباقي للنصر الشهر الماضي على غلاف مجلة نيوزويك، حيث قُدمت للقراء صورة لجورج بوش يمشي فيها فوق حاملة طائرات، وهي نفس حاملة الطائرات التي ألقي من عليها خطابًا يزعم فيه أن المهمة التي تم من أجلها شن حرب العراق قد تحققت، وكُتب على الغلاف "الانتصار أخيرًا"، وبعد صيحات النصر التي عبرت عنها النيوزويك، كتب توماس فريدمان، وهو كاتب عمود في نيويورك تايمز، ويعد من أشد المتحمسين لحرب العراق، ومن أبرز مؤيديها، مقالًا تحت عنوان: "الأمر متروك لكم أيها العراقيون وحظ سعيد لكم"، جاء فيه؛ أن الحرب أثبتت مصداقية "القدرات الطبيعية الحكيمة" للرئيس السابق جورج بوش ، وأكد فريدمان، أن العراقيين "قاموا ببناء ديمقراطية"، وفيما يتعلق بمدى الفائدة التي تحققت من شن الحرب، ذكر فريدمان أن هذه الأمر متروك "ليقرره المؤرخون"، ومع نهاية الشهر جاء قول السيناتور، جون ماكين، على صفحات "وول ستريت جورنال" إن العراق سوف يكون بمثابة "نموذج يُحتذَى للدول الأخرى في الشرق الأوسط".

 

لقد كانت الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي، هي السبب وراء الإعلان أخيرًا عن النصر، وهي الانتخابات التي ألحق فيها تكتل القائمة العراقية برئاسة رئيس الوزراء السابق ، إياد علاوي، الهزيمة بائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء، نوري المالكي، حيث قيل للأمريكيين إن الانتخابات حالفها النجاح، حيث لم يُقتل سوى 38 عراقيًا يوم إجرائها، ولم يقع سوى عشرات قليلة من الهجمات، كما أن عودة علاوي أحيت آمال واشنطن في أن الطائفية بالعراق سوف تنتهي، ولكن الآن دخل العراق مرحلة سوف تتسم بالفوضى والعنف المتقطع لتشكيل الحكومة، وهي العملية التي من المرجح أن تستمر حتى نهاية الصيف.

 

ولا يزال الشكل الذي سوف تكون عليه الحكومة من الأمور غير المؤكدة، فهناك الكثير من العقبات التي يجب التغلب عليها في حالة رغبة أي من المالكي أو علاوي في تولي منصب رئيس الوزراء، لكن الواضح هو أن السياسة ذات التوجهات الطائفية لم تنته ..

ويعد أهم ما يميز المالكي وعلاوي هو صورة الرجل القوي الذي يعد في صلابة صدام حسين، حيث صرح السفير الأمريكي السابق لدى العراق، ريان كروكر، للواشنطن بوست؛ أن كلا الرجلين يمثلان "وجهين لعملة واحدة" في دولة يبدو أنها تتحرك باتجاه "الديكتاتورية" وليس الديمقراطية.

 

إلا أن أيًا من تلك التفاصيل لا تهم من يزعمون تحقق النصر في واشنطن، فمعظم الموجودين في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية أيّدوا الحرب، وكانوا يتوقون دائمًا إلى أي مبرر لتبرير سوء تقديرهم، لكن ما يحدث لا يمثل تحولًا مهمًا في الجدل الأمريكي حول العراق، فرغم أن الجدل القوي بشأن السياسات والذي احتدم لسنوات قد انتهى فعليًا، لا يزال السؤال الذي لم يحسم هو كم من القوات ستظل في العراق بعد عام 2011 ؟ لكن بالنسبة للولايات المتحدة، الحرب في طريقها إلى الانتهاء، أما العراق فعلى النقيض من ذلك سوف يظل في صراع مستمر لسنوات قادمة، وهو الصراع الذي يصل متوسط ضحاياه إلى حوالي 300 قتيل شهريًا.

 

والجدل الجديد سوف يدور حول طول المدة التي يستمر فيها تذكُّر الأمريكيين للحرب، وسوف يكون الجدل حول قصة الحرب نفسها، وحول رؤيتنا للطريقة التي انتهت بها، وليس المهم أن يسعى الأمريكيون لإقناع أنفسهم بتحقق النصر، فمن الصعب إيجاد أي مفكر في مجال السياسات ينتمي إلى الشرق الأوسط أو أوروبا أو آسيا، يرى أن شيئًا يرقى إلى مستوى الانتصار حدث في بغداد، لكن بدلاً من الاعتراف بأن الحرب كانت خطأ، والقسم بعدم تكرار ذلك الخطأ الكارثي مرة أخرى، نرى بالفعل دوائر السياسة الخارجية والإعلام الأمريكية تدفع باتجاه تقديم نهاية سعيدة لقصة كانت وسوف تظل مأساوية، وبناء عليه نحن لا نحتاج إلى انتظار قيام المؤرخين بتحديد مصداقية تلك النهاية السعيدة.

font change