العرب مازالوا في موقع الانتظار

العرب مازالوا في موقع الانتظار

[escenic_image id="5548254"]

: كلام كثير يثار حاليًا حول فكرة المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية أبرزها ما أعلنه د. ناجح إبراهيم، القيادي بالجماعة من أن هذه المراجعات وان كانت قد حققت المطلوب منها سياسيًا إلا أنها لم تحقق نتيجة للجماعة نفسها، فحتى الآن لم يستوعب المجتمع أعضاء هذه الجماعة ولم يدمجهم فىي داخله.. ما رؤيتك لهذه القضية؟


المفروض أن هذه المراجعات لم تكن لتحقق شيئًا، فأقصى ما كان لهذه المراجعات أن تحققه هو أن تعمق إيمان الناس بأن أعضاء الجماعة الإسلامية قد تخلوا عن العنف، والتأكيد على أن العنف ضد الإسلام وليس له علاقة بالجهاد، وفى تقديري أن السلطة التنفيذية هي المسئولة بالفعل عن علاج مشكلة هؤلاء العائدين، فالدولة كان ينبغي عليها أن توفر لهم كل الظروف التي تضمن لهم اندماجًا صحيحًا في المجتمع، يعودون ليصبحوا مواطنين عاديين.. يعملون ويكونون أسرًا ويعيشون حياة هادئة، ولكن جهد الدولة في هذه القضية - مع الأسف - كان محدودًا ربما لأن الظروف الاقتصادية لم تساعد على إيجاد فرص عمل لهؤلاء ،وطبعًا لأن مشكلة البطالة لا تختص بهؤلاء فقط إنما تشمل معظم شباب مصر خاصة المتعلمين وبالتالي فالدولة هي الملومة في ذلك والأزمة الاقتصادية ليست مبررًا لذلك، لسبب بسيط هو انه من بين 11 ألف فرد خرجوا من السجون من أبناء الجماعة الإسلامية يمثلون نحو أربعة أجيال من الجماعة الإسلامية لم يضبط عائد واحد منهم يحاول إنشاء تنظيم جديد، وهو ما يؤكد أن المراجعة الفكرية لهؤلاء كانت صادقة وأن هذه المراجعة أثمرت تغييرًا حقيقيًا في أذهان معظم أفراد تلك الجماعات، وأعرف أن كثيرين من أفراد المجتمع يتصورون أن هؤلاء الناس قد عادوا عن مسلكهم السابق وأعادوا النظر في المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالجهاد وغيره من المفاهيم الملتبسة في أذهانهم لدواعٍ عملية وبرجماتية، وإن هذه المراجعات جاءت في ظروف عانت خلالها الجماعة من إخفاق شديد في وصول أفكارها إلى الناس، وفي أن تتحصل على تعاطف المواطنين، سواء في الأقاليم أو في المدن، وأنها ظلت طوال تاريخها محاصرة،  وهذا التوجه صحيح.. لكن الأمر المؤكد أن عودة هذه الجماعة وإعلانها عن مراجعاتها لم تكن نتيجة لما يمكن تسميته ب( التقية)، فهؤلاء يظهرون فعليًا اعتقادًا صادقًا بأفكارهم الجديدة، ومنذ اللحظة الأولى كنت متأكدًا أن التقية لا تشكل الحاجز الأساسي لهؤلاء الناس  وأنها أيضًا لا تدخل ضمن حساباتهم، وفى تقديري أن الضعف التنظيمي وانقطاع الموارد المالية القادمة من الخارج لشراء الأسلحة والقبض على الكثير من أعضاء الجماعة الإسلامية.. كلها أسباب ساعدت في عزلة أعضاء الجماعة عن المجتمع، لكن المؤكد أن التقية لا تدخل في حسابات هذه المسألة، والدليل على ذلك أنه لم يحدث على وجه الإطلاق أن عاد أي من أعضاء الجماعة الإسلامية عن فكره الجديد وعن مراجعاته، وفكر في إنشاء تنظيم جديد، وأتصور بالفعل أن دمج هؤلاء في المجتمع مهمة أولى بالرعاية من جانب الدولة، لأن عودة هؤلاء لأعمالهم وحياتهم الجديدة سوف تقدم برهانًا واضحًا للأجيال الأخرى بأن هذا الطريق مغلق في نهايته.


لكن يبدو أن هناك تيارًا داخل الدولة ما زال يتشكك في مراجعات أعضاء الجماعة الإسلامية الفكرية، ويرى أنه إذا وصل جزء من هؤلاء العائدين إلى الوظائف العامة قد يؤدي ذلك إلى تسرب فكرهم مرة أخرى وحتى إذا لم يتسرب العنف فقد يتسرب على الأقل الفكر الأصولي، ومن ثم قد يظهر جيل خامس من الجماعة الإسلامية.
ولو أن هذا التشكك يستند إلى أصول حقيقية فلابد أن يخرج من بين 11 ألف عضو بهذه الجماعة 10 أو 15 شخصًا على الأقل للعودة إلى نفس سلوكهم السابق قبل المراجعات ومن خلال متابعتي الدقيقة لملف الجماعة الإسلامية، أؤكد أن هناك مراجعة حقيقية لأعضائها وتوبة عن أفكارهم السابقة، وعندما نتوقف عند رؤية البعض للجماعة الإسلامية بأنهم خطر على المجتمع في المستقبل، فهذا التفكير يهدم كل الأسس التي تقوم عليها عملية المراجعة، ويجب ألا ننسى أن عملية المراجعة لم تعد وقفًا على مصر.


: هل من ضمن المراجعات الفكرية التي كنت شاهدًا عليها دخول تنظيم الجهاد تحت لواء هذه المراجعات؟


ـ بالفعل تنظيم الجهاد دخل ضمن هذه المراجعة مع الجماعة الإسلامية وأول كتاب من الكتب التسعة الأولى التي صدرت عن الجماعة، شارك فيه كرم زهدي وعبود الزمر، لكن مشكلة تنظيم الجهاد أن عبود الزمر يعيش بعقلية النجم الكبير ويريد تسليط الأضواء عليه، ثانيًا أن تنظيم الجهاد لم يكن كبيرًا مثل تنظيم الجماعة الإسلامية، لكنه كان تنظيمًا منضبطًا وقويًا، فعبود الزمر كان لديه مطلب مختلف عن مطلب الجماعة الإسلامية، وذلك أثناء الحوار بين هذه التنظيمات وبين الأجهزة الأمنية، فطلبت الأجهزة من تلك التنظيمات عرض مطالبها، فطلبت الجماعة الإسلامية أن تكون جماعة دعوية تنشط من أجل توعية الناس بأهمية التيار الوسطي المعتدل في الفكر الإسلامي، لكن قيل لهم في ذلك الوقت إن الدولة تعترض على خروجكم من السجون كجماعة، فالمطلوب هو خروجكم من السجن كأفكار وليس كجماعة فقط، وكونهم يصيرون جماعة دعوة لا يعني إلا تحولهم في المستقبل إلى جماعة عملية.. مثلما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين التي بدأت كجماعة دعوة في منتصف العشرينيات من القرن الماضي.. ثم تحولت بعد ثلاث سنوات فقط على يد حسن البنا إلى جماعة دعوة وجماعة عمل في نفس الوقت، وقيل لهم أيضًا إنه بالضرورة عندما تحافظون على وضعكم كجماعة دعوة سوف تنشأ داخل هذه الجماعة تيارات داخلية تطالب مرة أخرى بأن تكون جماعة دعوة وعمل في نفس الوقت، وهو ما يشكل خطرًا على المجتمع، وبالفعل اقتنعت قيادات الجماعة الإسلامية بهذا الرأي، لكن الجهاد بقيادة الزمر أصروا على خروجهم من السجون كجماعة وأن يحافظوا على تنظيمهم باعتبارهم جماعة دعوة إلى أن خرج عليهم الشيخ سيد إمام وكتب كتابه في المراجعات الذي أدى إلى تسارع عملية المراجعة داخل تنظيم الجهاد.


: بهذا الشكل هل مصر أصبحت في مأمن من خطر هذه التنظيمات؟


لا نستطيع أن نقول إن مصر في مأمن من هذه التنظيمات.. لكن نستطيع أن نؤكد أن عهد التنظيمات الكبيرة والضخمة والمنظمة قد انتهى، لأن الإرهاب في الأصل فكرة وطالما هناك فكرة فسيظل هناك من يدعون لها وهناك من يتلقفها، لكن عندما يكون لديك مثال آخر لجماعة إسلامية يصل حشدها في حدود عشرات الآلاف وتنتشر في كل القرى ولها تنظيم واحد تأتمر بأمره ويستمد وجهاته وأفكاره الأساسية من فقيه يسمونه مرشدًا للجماعة، في هذا الوضع كله قد تم اختراق هذه الجماعة لأنها تترك ثغرات كثيرة تمكن الأجهزة الأمنية دائمًا من اختراقها، هذا ما حدث في طوال تاريخ الإخوان المسلمين وحدث مع الجماعة الإسلامية وحدث أيضًا مع تنظيم الجهاد، حتى أن الاختراق للجماعة الإسلامية وصل لدرجة أن بعض أفرادها كانوا يتصلون بالخارج لعمل ما تحت إشراف الأجهزة الأمنية، فدائمًا الأمن كان يعرف كل تفاصيل الجماعة ولديه خريطة كاملة بمواقعها وأفرادها ولديه صورة متكاملة عن طبيعة التنظيم على كل المستويات، وهذا الوضع اختلف حاليًا لأن الوضع الحالي هو وجود خلايا صغيرة متصلة الرابطة الوحيدة فيها ربما تكون رابطة القرابة أو الزمالة.. يتصل أفرادها ببعضهم عن طريق قرب المكان أو عن طريق الإنترنت، وتحاول استخدام كل إمكاناتها المحلية في التواصل مع التنظيم في الخارج وتعتبر وسيلتها في الترويج لأفكارها عن طريق شبكة الإنترنت، وتمارس أعمالًا محدودة على قدر إمكاناتها مثلما حدث في تفجيرات الأزهر وخان الخليلي.


: وتفجيرات شرم الشيخ؟


ـ ما حدث في شرم الشيح به شبهة تنظيم القاعدة لأن هذه التفجيرات اتبعت نفس روح وأسلوب القاعدة من حيث وقوع أكثر من تفجير في وقت واحد في مكانين مختلفين لإحداث كمية ضخمة من الآثار والضرر والهلاك الإنساني بحيث يصل إلى سمع العالم كله، لكن العمليات الصغيرة الأخرى ربما يكون بعضها متأثرًا ببعض أفكار ( حماس) التي يمكن أن تغتصب الحدود المصرية وتخترق بعض أبناء سيناء، لكن حظهم أن التنظيمات الكبيرة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد قد انتهت، وأظن أن هذه الجماعات الصغيرة أكثر خطرًا من الجماعات الكبيرة.


: لماذا؟


ـ لأن الجماعات الكبيرة تستطيع الأجهزة الأمنية أن تتنبأ بتصرفاتها وأن تخترقها وتعرف قدراتها وخططها، لكن هذه الجماعات الصغيرة يصعب متابعتها والتنبؤ بما سوف تفعله لأنها منغلقة على نفسها.


: ننتقل إلى إيران .. أنت من المتحمسين لإجراء حوار بين مصر وإيران منذ عهد خاتمي هل ما زلت متحمسًا للحوار في ظل وجود نجاد والمحافظين الجدد وسيطرتهم على الأمور في طهران، وما تحليلك للداخل الإيراني الآن؟


ـ أولا أنا ما زلت متحمسًا للحوار مع إيران، وما يحدث حاليًا داخل إيران يعود إلى الانفصال الذي حدث بين الإصلاحيين والمحافظين داخل طهران فحتى وقت قريب كان مهدي كروبي جزءًا من الحوزة الدينية الحاكمة في عهد خاتمي وكان حسين موسوي رئيسًا للوزراء في عهد الخوميني وأعطاه الخوميني الثقة كاملة ومن ثم كان الخلاف بيت الإصلاحيين والمحافظين أشبه بالحوار داخل البيت الواحد لكن الآن انفصل الإصلاحيون انفصالًا تاما عن المحافظين، واتهموا من جانب الحوزة الدينية بأنهم خارجون عن الحوزة الدينية بل واتهموا بأنهم خونة وعملاء للأمريكان، وتم الاعتداء على خاتمي ومنع موسوي من السفر وضرب كروبي وإلقاء عمامته في الشارع وقذف بيته بالطوب أكثر من مرة وأعلن الإصلاحيون أيضًا أنهم يشكلون جبهة مختلفة وأن هدفهم هو تغيير الوضع برمته وأصبحنا بالفعل أمام حزبين متصارعين وهذا النزاع أدى إلى قسمة مماثلة ومعادلة في الشارع الإيراني، وأصبح باستطاعة الإصلاحيين تسيير مظاهرات مليونية ردًا على المظاهرات المليونية للمحافظين.. كل هذا أعطى انطباعًا حقيقيًا بأن المجتمع الإيراني يتحرك وبأن هناك خطرًا يحدق بالثورة الإيرانية من داخلها وإنها منقسمة على نفسها وتأكل بعضها بعضًا ورغم رغبة أوباما في عدم إقحام نفسه في الشأن الداخلي الإيراني.. لكن تحت ضغوط هذه القسمة التي أقلقت المجتمع الدولي اضطر أوباما بضغوط من المحافظين الأمريكيين إلى أن يساند التيار الإصلاحي ويناصره ويعلن دعمه له، مما جعل المحافظين الإيرانيين يتهمون هذا التيار الإصلاحي بأنه تيار عميل للولايات المتحدة، وفى تصوري أن كل هذه الأمور سوف تساعد في النهاية على كسر الحدة الأيديولوجية للثورة الإيرانية، فلم يعد الشارع الإيراني يوصف بأنه عقدة واحدة.. حيث ظهر أكثر من تيار سياسي في إيران وصار هناك تنوع واختلاف وتناقض.


: أين مصلحة مصر وسط كل ذلك؟


ـ أولًا مصر لم ترغب في أن تكون طرفًا بالتدخل الخارجي في إيران ومصر عندما بدأت حوارها مع خاتمي كانت تفتح صدرها لمصالحة حقيقية مصرية إيرانية ومطالب مصر كانت محدودة؛ فكان المفترض في ظل المصالحة أن الرئيس مبارك سوف يحضر المؤتمر الإسلامي في طهران ومفترض أن الرئيس سوف يمشى في الشارع الرئيسي في المدينة الذي يحمل اسم خالد الإسلامبولي ـ قاتل الرئيس السادات ـ وكان مطلب مصر هو تغيير اسم الشارع وهذا المطلب لم يكن مطلبًا رمزيًا، ولكنه كان مطلبًا حقيقيًا ومتواضعًا في نفس الوقت، أما المطلب الثاني فإنه طالما سوف يكون بين البلدين علاقات اقتصادية وبالتالي لابد أن تتوفر لها الثقة المشتركة التي تتطلب فتح الملف الأمني المتعلق بالأشخاص المقبوض عليهم في السجون الإيرانية من أعضاء التنظيمات الذين ارتكبوا جرائم في مصر وترفض إيران تسليمهم للقاهرة، كما ترفض  تقديم أي معلومات بشأنهم لمصر، وأعتقد أن هذا الملف الأمني كان العائق الأساسي الذي حال دون إتمام التوافق المطلوب، ورغم أن هناك وفدًا أمنيًا إيرانيًا زار مصر منذ ثلاثة أشهر ووعد ببحث الملف الأمني فإن هذا لم يحدث حتى الآن، فالجانب الإيراني لم يكن جادًا في هذا الشأن، في النهاية أتصور أن تشجيع التيار الإصلاحي يعنى أفول التيار الذي يطالب بتصدير الثورة الإيرانية ويعني أيضًا أن الثورة تتجه إلى تقنين أوضاعها، وبالتالي العلاقات الدولية بين إيران وبين جيرانها سوف تخلو من شبهات التدخل ويعني أيضًا أن العالم الذي يعتقد فيه البعض بسبب التصرفات الإيرانية أن  الحرب القادمة هي حرب بين الأديان والحضارات، وانتصار تيار الإصلاحيين في إيران يعني إحلال الحوار محل المواجهات في العلاقات بين الحضارات القائمة، ويعني أن كثيرًا من المشاكل التي كانت موجودة خاصة الملف النووي الإيراني كان يمكن أن تجد حلًا لها، فكلنا يعرف أن خاتمي هو الذي وقع على اتفاقية حظر الانتشار النووي ووقع أيضًا على ملحق الاتفاقية الذي يسمح للمفتشين الدوليين بدخول أي أماكن في إيران دون سابق إنذار أو بإنذار محدود لا يتجاوز الساعة أو أقل من الساعة، وبالتالي كان خاتمي أكثر مرونة في التعامل مع الملف النووي ومع العالم الخارجي، لذا فإن التيار المحافظ يتهم الإصلاحيين بالتآمر على الثورة الإيرانية وبالتالي انزعجت النخبة الحاكمة في إيران من رسالة الرئيس أوباما في عيد النيروز عندما شعروا بأن أوباما يخاطب الإيرانيين من فوق رءوس وعمائم المحافظين مما أحدث قلقًا شديدًا داخل إيران وجعل هذا التيار المحافظ أكثر تشددًا وحتى الآن لا يزال النقاش العميق يدور داخل الولايات المتحدة حول أن الضغوط على إيران من الخارج يمكن أن تؤدي إلى تصلب موقف المحافظين الإيرانيين وإضعاف موقف الإصلاحيين وعزلهم واتهامهم بالعمالة.


: في هذه القضية تحديدًا دار كلام حول أن مصر مخيرة بين أمرين إما أن تنعزل أو أن تنضم إلى مثلث القوة العربي الذي يضم السعودية في محاولة إلى جذب سوريا مرة أخرى وسحبها من إيران خاصة أن السعودية لعبت دورًا في إقناع مصر بأن تقفا معًا ضد المد الإيراني في المنطقة.. ماذا عن دور مصر والسعودية ؟


ـ حجم التواصل السياسي ما بين إيران والسعودية أكبر من حجم التواصل السياسي بين إيران ومصر، وذلك لأن مصر لديها إحساس بأنها مستهدفة، ولا تنس أن الحدث الخطيئة الذي حدث في أعقاب الغزو الصهيوني لقطاع غزة عندما وجدت مصر نفسها في مواجهة حركة منظمة يشارك فيها الإيرانيون والقطريون ويشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين وحزب اللـه ومظاهرات ضد مصر تنطلق في معظم العواصم العالمية، جميعها ترفع أعلامًا خضراء في إشارة لأعلام حماس وجماعة الإخوان، وهذه المظاهرات وصلت إلى حد اتهام مصر بالتواطؤ، وأدت بالفعل إلى موقف حرج للقيادة المصرية، كل هذا أدى حدوث هزة داخل النظام في مصر وأعتقد أن هذا هو السبب في التشدد الذي حدث بعد ذلك في القبض على عبد المنعم أبو الفتوح وبعض أعضاء جماعة الإخوان لأنهم ساهموا من جانبهم في هذه المظاهرات، وأيضًا عندما كانت مصر تقترب من إنهاء الفرقة بين الفلسطينيين تراجعت حماس عن التوقيع على الاتفاق بدعاوى عديدة آخرها أن مصر عدلت في الوثيقة التي تم الاتفاق عليها بين الفصائل الفلسطينية، وبالتالي فإن دعم إيران لحماس أدى إلى أن المصالحة الفلسطينية أصبحت رهينة لعلاقة حماس بإيران، وأصبح المصريون يسعون لإصلاح علاقاتهم بالنظام السوري وهذا الاتجاه أصبح يتزايد حاليًا ورغم أن الخارجية المصرية تعتقد بالفعل أن العلاقات ما بين مصر وسوريا علاقات إستراتيجية وينبغي أن تحفظ لها دائمًا الحد الأدنى من الوجود، وأن الخصام المصري السوري لا ينبغي أن يكون له مكان وأنه ربما لا يكون المطلوب هو تجميد علاقات سوريا مع إيران، لكن المطلوب هو جر سوريا إلى الموقف العربي، فمثلًا القضية الفلسطينية هل هي قضية عربية أم قضية إقليمية وحلها هل يتم في إطار البيت العربي أم لكونها جزءًا من مشكلة إقليمية أكبر يصبح حلها رهنًا بحل مشكلات أخرى، وبالتالي صعوبة حل القضية الفلسطينية.


: في هذا الإطار يتحدث البعض عن أن تحسن العلاقات بين مصر والسعودية وتقارب وجهات النظر بين البلدين يأتي من الشعور بالخطر الإيراني الذي يحدق بالمنطقة.. بينما البعض الآخر يرى أن هذه العلاقة ترجع إلى العلاقات الطيبة بين الرئيس مبارك والملك عبد اللـه .. كيف ترى هذا التقارب المصري السعودي ؟


ـ فترة الخلاف المصري السعودي في عهد الرئيس عبد الناصر في أعقاب الثورة اليمنية ألحقت أضرارًا بالجانب المصري وأثبتت أن معادلة مصر في مواجهة السعودية هي معادلة غير صحيحة، والدرس المستفاد من هذه الأزمة أن مصر لا ينبغي أن تكون في موقف النقيض من السعودية وأن عليها أن توفق أوضاعها مع أوضاع السعودية على نحو ما، أيضًا الظروف قد تغيرت والسعودية أصبحت مركزًا للثروة في العالم العربي وزاد تأثيرها ونفوذها بزيادة حجم خزانتها وبزيادة قدرة تأثيرها ليس فقط على محيطها العربي.. ولكن أيضًا على محيطها الإقليمي والعالمي، وعندما دخلت سوريا في هذا الأمر كانت تتوافر لمصر ظروف مثالية كي تجعل من هذه العلاقة الثلاثية ضابط الإيقاع الموجود في هذا التحالف.. لكن السؤال الذي يشغل عقل الجميع هو إلى أي حد وصلت العلاقات السورية الإيرانية وهل لا تزال سوريا قادرة بالفعل على أن تأخذ قرارها وفق معطيات الموقف العربي فقط أم أن حجم المعونات الإيرانية المتزايد وكثافة العلاقات السورية مع إيران يمكن أن تقلل أو تقيد خطوات سوريا في هذا الاتجاه؟ هذا هو المحك، وينبغي أن نشير إلى ما قام به الرئيس بشار الأسد من قبل عندما أعلن أنه سوف يذهب إلى مفاوضات أنابوليس، وهو ما أثار غضب إيران ووصل الأمر إلى حد الخصام بسبب هذه القضية، لكن بشار صمم على هذه الخطوة، كما أن الأسد كان من أوائل الذين انتقدوا التدخل الإيراني في أحداث اليمن والصراع بين الحكومة والحوثيين، كل هذه المؤشرات تدل على أن سوريا لا تزال تتمتع بقدر من حرية الحركة في علاقتها مع إيران .. بالإضافة إلى أن سوريا كانت واقعة تحت تأثير العزلة الدولية، مما كان يغل يدها ويجعلها تتخذ مواقف معينة، أما الآن فظروف العزلة على سوريا قد زالت لأن فرنسا فتحت لهم مخرجًا لكسر هذه العزلة والرئيس أوباما مصمم على تغيير طبيعة العلاقات الأمريكية السورية برغم المحاولات الإسرائيلية للوقيعة ولإفشال هذا الجهد من جانب الرئيس أوباما، لكن أوباما يرى أن التصالح الأمريكي السوري ممكن وأن سوريا لديها رغبة حقيقية في السلام، وأن فرص السلام الشامل لو تهيأت لسوريا فسوف يخفف ذلك من غلواء علاقتها مع إيران.


: هل ضم سوريا إلى المثلث العربي أمر
سهل؟


ـ لا أستطيع أن أقول ذلك لأن النفوذ الإيراني أصبح له ركيزة كبيرة داخل سوريا الآن، وذلك على مستوى الجيش السوري ولدى طبقة السياسيين في سوريا وحتى في اختيار وزير الخارجية ليصبح نائبًا للرئيس السوري وهو ما يمثل رأس الحربة للنفوذ الإيراني في سوريا.


: من الملاحظ أن العلاقات المصرية مع الدول العربية ليست في أحسن حالاتها؛ فقطر في حالة عداء مع مصر والجزائر تخاصم مصر وحماس تتهم القاهرة بأنها طرف غير محايد في الصلح بينها وبين حركة فتح .. لماذا كل هذا العداء لمصر؟


ـ لأنهم يظنون من الخارج أن هناك  ضعفًا في مركز مصر.
: هل ضعفت مصر فعلًا؟


ـ لا أقصد أن دور المركز قد ضعف ولكن قدرته على تحقيق خططه ورؤيته الإستراتيجية تراجع، فمشروع السلام يكاد يكون دمر بأكمله وأوقف نهائيًا مع نهاية عهد الرئيس بوش لانحيازه الدائم لإسرائيل، وعندما حاول أوباما إحياء عملية السلام  في وقت لم يكن لدى الفرقاء العرب بديل جاهز لديهم فلا سوريا ولا حماس أو قطر لديه بديل عن عملية السلام وبالتالي كان منبر الاعتدال العربي يعيش مأزقًا حقيقيًا لكن ما العمل؟ فجهود التسوية وصلت إلى حائط مسدود ولم يكن لدى المعتدلين إجابة واضحة وشفافة على هذا التوجه وبالتالي حدث ارتباك داخل هذا المعسكر المعتدل وربما يكون قد أضعفه، وعندما ألقى أوباما خطبته من جامعة القاهرة احتفى المعتدلون العرب بهذا الخطاب واعتبروه بداية جديدة لكن عندما حدثت النكسة في عملية السلام وتراجع ردود أفعال أوباما على تصرفات نتنياهو وعناده واستمراره في بناء المستوطنات ومحاولاته لتهويد القدس هبطت معنويات التيار المعتدل، لكن الأمور تغيرت أخيرًا عندما طرأ متغير جديد يتعلق بالرؤية الجديدة للعسكرية الأمريكية من أن إسرائيل باتت تشكل خطرًا على الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط، وجاء تقرير ديفيد باتريوس ليشكل نقطة تحول إستراتيجية في رأس أوباما الذي قال في مؤتمر صحفي (إن حل مشكلة إسرائيل والفلسطينيين يشكل جزءًا مهمًا وحيويًا لمصلحة أمريكا وأمنها في الشرق الأوسط كما يشكل أمرًا حيويًا في الحفاظ على أمن جهودنا في المنطقة )هذا التصريح يعكس اعتقادًا بصحة تقرير باتريوس .. ويحمل أيضًا طمأنينة كبيرة بأن أوباما الذي يظهر بمظهر الرئيس الضعيف  يقوى تدريجيًا خاصة في ظل ارتفاع شعبيته داخليًا، فصحيح أن شعبيته ليست في نفس معدلاتها عند ترشحه للرئاسة في العام الماضي كانت 62 % تراجعت حاليًا بنسبة 9%، لكن تكون لدى الحزب الديمقراطي قناعة بأن أوباما جدير بالترشح لفترة رئاسة ثانية .. كل هذه الظروف تعكس ارتفاعًا في الحالة المعنوية للتيار العربي المعتدل بينما تراجع تيار الممانعة الذي كان قد ارتفع قبل التغير في فكر أوباما الأخير .. فالحالة المعنوية للتيارات العربية أشبه بمؤشر البورصة الذي يرتفع وينخفض مع  كل منحنى من منحنيات السياسة الأمريكية، وهو ما يعني - للأسف- أن التضامن العربي لا يزال عاجزًا عن أن يخلق بديلًا صحيحًا وأن القوة الذاتية العربية لا تزال عاجزة عن خلق موقف عربي يستطيع أن يستمد قوته من عناصره الذاتية وأننا كعرب- للأسف- لا نزال في مواقع الانتظار.

font change