صعود حركة حفلات الشاي

صعود حركة حفلات الشاي

[escenic_image id="5590569"]

بدأت حركة حفلات الشاي في النمو والانتشار في جميع أنحاء الولايات المتحدة مع خروج المظاهرات في عدد من الولايات وفي واشنطن العاصمة عام 2009. جاء ذلك كرد فعل على خطة باراك أوباما الشاملة لإصلاح التأمين الصحي، وضد مبدأ أن جميع الأميركيين يجب أن يتوفر لهم تأمين صحي بضمان من الحكومة بغض النظر عن مواردهم المالية. كما أنها نشأت نتيجة للغضب من خطة التحفيز المالي وارتفاع الديون الناتجة عنها، بالإضافة إلى خيبة الأمل في الدعم الجمهوري لخطة إنقاذ المصارف. ويعتبر أعضاء حركة حفلات الشاي أن خطة الإنقاذ تتسم بالتبذير وأنها تتجاوز سلطة الحكومة بالتدخل في الأسواق على مثل ذلك النطاق الواسع.

ووفقا لرسالتهم المعلنة، فإن هدف حركة حفلات الشاي هو «جذب وتعليم وتنظيم المواطنين وحشدهم من أجل ضمان انتهاج سياسة عامة تتفق مع قيمنا الثلاث الأساسية من مسؤولية مالية وحكومة ذات حدود دستورية وأسواق حرة». وتُعرّف الحركة ذاتها بـ«منظمة رعاية اجتماعية.. مخصصة من أجل المنفعة العامة والرعاية الاجتماعية لمواطني الولايات المتحدة». وتعتبر ذاتها وصية على الديمقراطية الأميركية، وليست مجرد قوة حميدة، ولكن قوة أخلاقية وحمائية لمنفعة جميع الأميركيين.

ولكن من الغريب استخدامها لمصطلحات مثل «الرعاية الاجتماعية» و«المنفعة العامة»، حيث إن السياسات التي تدافع عنها الحركة منهجيا تعوق الرعاية الاجتماعية للأميركيين، لا سيما الأقليات المحرومة اقتصاديا والأقليات العرقية، التي تشكل نسبة كبيرة من أكثر المواطنين فقرا في الولايات المتحدة.

وتعارض الحركة التنظيم الحكومي لانبعاثات البيوت الزجاجية والجهود الحكومية للحد من ظاهرة الاحترار العالمي. ومن الغريب أن هذا يجعل سياستها تشجع على الاعتماد الأميركي على البترول الأجنبي، وهو ما يتناقض مع دفاع الحركة الوطني القوي عن الاستقلال الأميركي والاكتفاء الذاتي. وفي الحقيقة، توجد فجوة كبيرة بين التصور الذاتي في الحركة والسياسات التي تدافع عنها.

الغضب هو أفضل تعبئة، والخوف من العدو بالإضافة إلى الغضب مزيج قوي يمكن أن يثمر نتائج اجتماعية وسياسية. وتضم حركة حفلات الشاي عناصر من كل تلك الأشياء. وفي الوقت الحالي، تتكتم الحركة كراهيتها نسبيا، فتظهر معارضتها للحكومة بدلا من الكراهية الصريحة. ولكن يوجد تحيز من قيادة وأعضاء الحركة ضد الأقليات، ومن بينهم المحرومون اقتصاديا والأميركيون من أصول أفريقية، وقد ظهرت تلك المشاعر في دراسات مسحية عن مواقفهم الاجتماعية.

أجرى معهد دراسات الإثنية والعرق والجنس في جامعة واشنطن دراسة شملت أعضاء حركة حفلات الشاي. يقول الأستاذ كريستوفر باركر الذي قاد فريق العمل إن الدراسة أكدت أن «الأشخاص المؤيدين لحركة حفلات الشاي لديهم احتمالية أكبر (بنسبة 25 في المائة) للكراهية العنصرية من هؤلاء الذين لا يؤيدون الحركة».

وأعرب ريتشارد غيلبرت، ضابط القوات الجوية المتقاعد (72 عاما)، في إشارة إلى الكراهية بين الطبقات داخل حركة حفلات الشاي التي تتداخل في بعض الأحيان مع الكراهية العنصرية، عن هذا الشعور بالعداء في حوار مع «نيويورك تايمز» قائلا: «أعتقد أننا مسؤولون عن الأرملة واليتيم، ولكني أعتقد أن هناك طبقة مرفهة تعيش من أجل إنجاب الأطفال والحصول على أموال من الحكومة لأن لديها هؤلاء الأطفال».

وتتحالف حركة حفلات الشاي مع الشركات ولكنها لا تستطيع أن ترى التضارب المنطقي والنفاق في غضبها الأخلاقي الانتقائي من الانتهاكات المزعومة للرعاية الاجتماعية. ونادرا ما ينتقد نشطاء حفلات الشاي الرعاية الكبيرة التي توليها الحكومة الفيدرالية للشركات في صورة تخفيضات ضريبية وامتيازات في الوصول إلى الموارد الطبيعية في قطاع البترول، على سبيل المثال، واستنزاف الأموال من الحكومة بصورة تزيد على الأموال التي يطلبها الحاصلون على الرعاية الاجتماعية من غير المستحقين لها. ولكنهم ينتقدون خطط إنقاذ المصارف، على الرغم من أنها ضرورية، على النقيض من خطط الإعانات التي تقدم إلى الشركات المذكورة آنفا، من أجل منع حدوث انهيار اقتصادي يمكن أن يكون له تأثير مدمر على الاقتصاد الأميركي وعلى جميع الأميركيين.

وعلى افتراض أن الحكومة هي العدو والشركات هي الصديق الطيب الموثوق فيه، وصف راند بول، مرشح حركة حفلات الشاي الذي فاز بترشيح الحزب الجمهوري لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية كنتاكي، انتقاد الرئيس أوباما لشركة «بريتش بتروليم» بسبب واقعة التسرب النفطي في خليج المكسيك بأنه «غير أميركي»، قائلا إن «الحوادث تقع في بعض الأحيان». وبالنسبة للعضو رفيع المستوى في الحركة، التي تدعي أنها تعزز الرخاء الاجتماعي والمنفعة العامة، فإنه لا يعرف شيئا عن عشرات الآلاف من الأميركيين الذين يعانون بصورة مباشرة من آثار التسرب النفطي، وعن جميع الأميركيين، الذين سيعانون التدهور البيئي الناتج عن التسرب.

وفي سياق الأحداث الاجتماعية الراهنة، لا سيما الأزمة المصرفية الكبرى وحالة الركود الناتجة عنها، تبدو مهمة حركة حفلات الشاي متنافرة بصورة مزعجة. لقد سمح عدم وجود تنظيم حكومي بتقديم قروض متهورة لأشخاص ليس من المنطقي أن يسددوها. وكان هناك افتقار حاد للشفافية في تجارة الديون وتضخم وعدم دقة التصنيفات الائتمانية. وفي ظل تلك الظروف، تبدو الدعوة إلى تقليل التنظيم والإشراف الحكوميين والاحتفاء بالأسواق الحرة ووصف الشركات بطريقة مثالية وتشويه صورة الحكومة، مضللة ومتهورة، ومنفصلة تماما عن حقائق الواقع المعاصرة.

وأوضحت واحدة من نشطاء حركة حفلات الشاي في حوار أجرته معها صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخرا التناقض الموجود في صميم حركة حفلات الشاي ذاتها من أنها تقدم مشاعر السخط دون ربطها بالواقع، وفي الوقت ذاته، تهاجم الحكومة وميلها إلى الإسراف، مع الاعتراف بأنها تحميها، وبعدم تماسك الطريق الذي تتبعه. وأوردت «نيويورك تايمز» أن 75 في المائة تقريبا من أعضاء حفلات الشاي الذين يفضلون تنظيما حكوميا أقل، في استطلاع رأي أجرته «نيويورك تايمز» بالاشتراك مع «سي بي إس»، قالوا إنهم يفضلون ذلك حتى لو كان يعني تخفيض حجم البرامج المحلية. ولكنهم أوضحوا في حوارات تالية أنه من المهم الحفاظ على برنامج الرعاية الصحية (ميديكير) والأمن الاجتماعي، مركزين بدلا من ذلك على كلمة «إسراف». قالت جوداين وايت من روكلين في كاليفورنيا: «أليس ذلك أمرا محيرا؟ لا أعرف ماذا أقول. ربما لا أريد تدخلا حكوميا أقل. أعتقد أنني أريد تدخلا حكوميا أقل وأريد برنامج الأمان الاجتماعي الخاص بي.. لا أنظر إلى الأمر من منظور فقداني الأشياء التي أحتاج إليها، أعتقد أنني غيّرت رأيي».

ويسيء كثير من أعضاء حفلات الشاي فهم السياسات العامة الديمقراطية. وقال 92 في المائة من أعضاء حفلات الشاي في دراسة أجريت مؤخرا إنهم يعتقدون أن أوباما يتجه بالبلاد نحو الاشتراكية. ولكن سياسات أوباما لا تفعل شيئا من ذلك، بل تبقي خطته للرعاية الصحية على دور شركات التأمين الخاصة وتوسع فعليا من أسواقها الممكنة. كما أنه لم يؤيد مطلقا مبدأ أن الحكومة يجب أن تملك وسائل الإنتاج وأن تؤمم الصناعات الكبرى. ويعتقد ما يزيد على 50 في المائة من الأميركيين أن أوباما يتجه بأميركا نحو الاشتراكية. لذلك من الواضح أن أعضاء حفلات الشاي يعبرون عن الميل نحو إساءة فهم تعريف الاشتراكية وسياسات أوباما، وهو الاتجاه السائد بين الأميركيين عامة.

وإذا نظرنا إلى الأعوام الثلاثين الأخيرة في التاريخ السياسي الأميركي، وسيادة فلسفة رونالد ريغان من «الحكومة المحدودة» في أثناء تلك الأعوام، لن نجد فكر حفلات الشاي استثنائيا، على الرغم من أنه متطرف. لقد خصص ببساطة الخطاب والفكر الجمهوريين السائدين وضاعف من صلابتهما وشدتهما. ونظرا لأن الإعلام والشعب الأميركيين تقبلا أفكار ريغان بصورة كبيرة، وأن كلا من بيل كلينتون في الماضي وباراك أوباما اليوم اتخذا اتجاهات مختلفة كثيرا في السياسة وأسلوب الخطاب عن الفكر الجمهوري بخصوص التدخل الحكومي المحدود، فليس من المفاجئ ما نجده من مواقف وأسلوب خطاب حركة حفلات الشاي. فقد نشأت في تربة خصبة من الفكر الجمهوري السائد.

وإذا كانت حركة حفلات الشاي هي القريب الأصغر النشط للحزب الجمهوري؛ حيث إنها أكثر مشاكسة وفي بعض الأحيان هستيرية، فإنها قد تنفجر في وجوه الحزب الجمهوري، كما حدث بالفعل في ولاية كنتاكي بانتخاب راند بول. وتعمل حركة حفلات الشاي بصورة مستقلة عن الحزب الجمهوري وفي بعض الأحيان تهدده. ويتمسك جون ماكين يائسا بالسلطة في أريزونا، حيث يتجه إلى اليمين سعيا إلى الاحتفاظ بمقعده في مجلس الشيوخ، في حين يهاجمه نشطاء حفلات الشاي لعدم التزامه بما يكفي بالاتجاه المحافظ، ويؤيدون معارضه. وقد اختار الحاكم الجمهوري تشارلي كريست في فلوريدا أن يترشح لمجلس الشيوخ كمستقل لأن نشطاء حفلات الشاي داخل الحزب الجمهوري يشنون حملة معارضة بشدة لاعتداله السياسي. وفي يوتا، أكثر الولايات المحافظة، تستعرض الحركة قوتها، للمساعدة في إبعاد العضو الجمهوري القديم بوب بينيت من منصبه لأن اتجاهه المحافظ لا يعكس المحافظة العدوانية التي تنتهجها الحركة، ولأنه أيد خطة الإنقاذ المصرفية التي قدمها أوباما بالإضافة إلى تسوية بشأن إصلاح الرعاية الصحية.

هل تنهار حركة حفلات الشاي تحت وطأة تناقضاتها الداخلية؟ من غير المرجح حدوث ذلك في المستقبل القريب حيث إن الرضا العاطفي والنفسي النابع من العثور على عدو بسيط وواضح في الحكومة الفيدرالية، على الرغم من زيفه وتخيله، يتفوق على قوة الواقع والحقيقة. وبالإضافة إلى ذلك، تؤكد الصلات الاجتماعية التي كونتها الحركة في فترة الخسائر وعدم الاستقرار الاقتصادي على أن المجتمع الأميركي يمكنه أن يجد دعما متبادلا بين أفراده. ونظرا لقوة فلسفة التدخل الحكومي المحدود في الثقافة الأميركية العامة، يجد نشطاء الحركة مزيدا من التعاطف بين أعداد كبيرة من الأميركيين، وبالتالي، لن يشعروا أنهم مهمشون.

ولكن من الممكن أيضا أن تكون حركة حفلات الشاي ظاهرة سريعة الزوال، كشيء بدأ بثورة غضب هائلة وانتهى بالتعبير عن التذمر. إنها غير منظمة ولا تقدم أي حلول عملية للمشاكل الاقتصادية بخلاف مبادئها والتزاماتها المتطرفة التي تتسم بأنها إما عامة بلا أي دقة، مثل «تقليل التدخل الحكومي»، أو متطرفة للغاية، مثل وقف الضرائب التصاعدية لصالح الضرائب الثابتة، وإلغاء مؤسسات حكومية رئيسية مثل وزارة التعليم. وكما قال غاري يونغ في صحيفة «الغارديان»: «إن حركة حفلات الشاي قوة مبتدئة جامحة وغير متماسكة، ليس لها قائد أو برنامج واضح». إنها مكونة من أقسام متضاربة لديها أولويات مختلفة في جميع أنحاء البلاد وتفتقد إلى تحديد هدف مشترك واضح وسياسة محددة ممكنة التنفيذ والنجاح وقابلة للاستمرار اجتماعيا.

ولكن الشاي ليس المشروب الوحيد في الولايات المتحدة ولا حركته هي الوحيدة من نوعها حاليا، فقد ظهرت حركة حفلات القهوة، ولكنها أقل تنظيما وجذبا للاهتمام الإعلامي، وهي تناقش المخاوف بشأن فاعلية الحكومة ورفاهية المواطنين الأميركيين من وجهة نظر ليبرالية.

وقد كتب على صفحة حركة حفلات القهوة على موقع «فيس بوك»: «مرحبا بانضمام أي شخص يريد أن تعمل حكومتنا لمصلحة المواطن الأميركي العادي، وليس للشركات.. نعتقد أن غالبية الأميركيين من عامة الشعب مثلنا، وأن بعضا منا تم تضليله إلى الاعتقاد بأن الحكومة الفيدرالية هي سبب صراعاتنا وقلقنا ومخاوفنا. بإيجاز، لقد تم تصوير حكومتنا على أنها عدو لنا».

وعلى الرغم من أن حركة حفلات القهوة لا تحظى بالاهتمام الإعلامي ذاته أو الاعتراف باسمها مثل حفلات الشاي، فإنها تظهر وجود طاقة شعبية بين الليبراليين لتحدي قيم وادعاءات حفلات الشاي ونشاطها السياسي، حتى وإن كانت تشاركها بعضا من مخاوفها المتعلقة بعدم فاعلية الحكومة.

وحتى الآن، حققت حركة حفلات الشاي أقل قدر من المكاسب السياسية العملية خارج عدد من الولايات الرئيسية. ويعد أكبر ما نجحت في تحقيقه هو جذب اهتمام إعلامي كبير، وتنشيط شبكة شعبية متعاطفة وإن كانت غير منظمة وغير متجانسة، والضغط على قلة من الجمهوريين من أجل دفع الاتجاه المحافظ نحو اليمين. ولا يبدو أن نفوذ الحركة سيستمر لمدة طويلة، ولكنه في فترة مهمة، على الأقل حاليا وحتى إجراء انتخابات التجديد النصفي، سيظل أعضاء حركة حفلات الشاي تحت الأضواء.

* ناعوم شيميل - باحث مقيم في لندن ويعمل في مجال حقوق الإنسان ولديه خبرة كبيرة في هذا المجال.

font change