أزمة نقص الطاقة في باكستان

أزمة نقص الطاقة في باكستان

[escenic_image id="5592484"]

نقص الطاقة ليس بالجديد على باكستان؛ فطوال معظم العقد الماضي، كانت الدولة تجابه عجزا هائلا في الطاقة، وذلك نظرا لتزايد شراء المستهلك للطاقة بالتزامن مع زيادة الطلب على السلع الكهربائية. كما أن البنية التحتية غير الملائمة قد ساهمت في استمرار الأزمة على مر السنوات، مثلها مثل مساعي الدولة لتقليل اعتمادها على البترول من خلال السعي لإنتاج طاقة هيدروكهربائية. ومع اقتراب فصل الصيف تجد الدولة نفسها في مواجهة نقص حقيقي للكهرباء ربما يمتد تأثيره ليس فقط إلى النواحي الاقتصادية والاجتماعية بل إلى البنية السياسية لباكستان كذلك.

ويقدر الخبراء أن باكستان ما زال ينقصها نحو 4000 ميغاوات من احتياجات الطاقة؛ ربع طاقتها الإنتاجية القصوى. وعلى الرغم من أن مشاهدة الإعلانات أو الرسائل النصية التي تروج للمولدات الكهربائية شائعة في باكستان، فإن مثل تلك الأجهزة يتجاوز سعرها في معظم الأحيان ميزانية معظم الباكستانيين.

ففي كافة أنحاء البلاد، تغلق الأسواق والمحال مبكرا، ويسود الظلام المنازل وينفصل قطاع واسع من الباكستانيين عن العالم. ومن ثم، فإن الانعكاسات السلبية لتلك الأزمة ليست في حاجة إلى برهان. وتشير تقديرات التقرير الذي أصدره المعهد الباكستاني للتنمية الاقتصادية الذي صدر عام 2008 إلى أن نقص الطاقة ساعد على انخفاض إنتاج مصانع النسيج بنسبة 25% في مقاطعة البنغاب التي يتركز فيها معظم إنتاج المنسوجات.

وفي نفس الوقت، كان الخطاب الرسمي فيما يتعلق بنقص الطاقة دائما أقوى من الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمعالجة الأزمة فعليا. ففي عام 2009، أعلن وزير المياه والطاقة راجا برويز أشرف عن توقعاته بأن تحظى الدولة بمستويات ثابتة من الطاقة بنهاية الصيف، نظرا لأن عددا كبيرا من المنشآت الجديدة قيد الإنشاء.

وقال أشرف في ديسمبر (كانون الأول) 2009 بأنه لن يكون هناك نقص في الكهرباء بحلول صيف 2010، وذلك حيث ستبدأ مصانع الطاقة المستأجرة ومنتجو الطاقة المستقلون في العمل بحلول شهر يونيو (حزيران). وأوضح راجا أن الطلب على الطاقة يتزايد بنسبة 8 إلى 10% سنويا ومن المتوقع أن يتضاعف خلال عشرة أعوام. ويقول أشرف إن حكومة باكستان السابقة لم تضف ميغاوات واحدا إلى النظام وأن النقص في الطاقة تزايد حتى وصل إلى 3500 ميغاوات في 2009.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، أعلن رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني عن سياسة جديدة للطاقة تستهدف الحد من استهلاك الفرد للطاقة، وتتضمن نطاقا واسعا من البدائل بما في ذلك إضاءة المحال وقاعات الزفاف بالنيون.

ووفقا لتقارير هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فإن قادة البلاد يبحثون عن مصادر بديلة للطاقة بالإضافة إلى الطاقة الهيدروكهربائية التي تعتمد عليها معظم أنحاء البلاد. وتشير بعض التقارير إلى أن الحكومة ربما تتجه إلى الطاقة النووية كأحد البدائل.

كما وعد رئيس الوزراء بأن تبذل الحكومة قصارى جهدها للتغلب على الأزمة، مؤكدا أن الإدارة سوف تتخذ كل الإجراءات التي تمكنها من تحجيم استهلاك الطاقة. وبناء على تلك الخطة وحدها، يتمنى المسؤولون أن يوفروا ما يقدر بنحو 1500 ميغاوات يوميا.

وكما أكد جيلاني بوضوح: «لقد اتخذنا تلك القرارات من أجل المصلحة القومية». وبالنسبة للمستهلك الباكستاني العادي فإن النتائج لن تكون واضحة حتى تعود الكهرباء، وينتهي انقطاعها.

والأهم من ذلك، أنه باتخاذ جيلاني وحكومته لمثل ذلك التوجه العملي والمركزي في التعامل مع مشكلة نقص الطاقة، فإنهما يقران بوضوح بمسؤوليتهما عن الأزمة. حيث تقع المسؤولية الآن على عاتق زعماء البلاد السياسيين، ليس فقط في توفير الطاقة، ولكن في بدء العمل على تأسيس بنية تحتية جديدة وقوية في قطاع الطاقة، لكي يوفروا للباكستانيين استقلالية أكبر فيما يتعلق بنمط استهلاكهم.

ومرة أخرى، فإن التاريخ يعلمنا أنه عندما تبدأ سحب الاستياء في الظهور في سماء دولة مستقلة، لا تصبح الاضطرابات السياسية أمرا مستبعدا. فالمعاناة الاقتصادية تولد العداء الاجتماعي، الذي يتحول في أغلب الأحوال إلى اضطرابات سياسية.

وقد بدأ بالفعل بعض المواطنين المحبطين في التعبير عن غضبهم من نقص الطاقة في باكستان من خلال تدمير السيارات وغيرها من الممتلكات الشخصية؛ كشكل من أشكال الاحتجاج. والزمن وحده يمكنه أن يخبرنا إذا ما كان قادة الحكومة سيتمكنون من إخماد نيران الغضب المشتعلة. ولكن على أية حال فإن خروج المواطنين للتعبير عن غضبهم عبر تلك الوسائل العنيفة يعد مؤشرا خطرا وفقا لمعايير أي دولة، خاصة إذا كانت هذه الدولة هي باكستان؛ حيث تجد الدولة التي كانت تطاردها طوال الوقت لعنة الاختلافات العرقية والاجتماعية نفسها في مواجهة مشهد سياسي مانوي بالتأكيد. فبإلقاء نظرة سريعة على المشهد السياسي في باكستان، سوف نجد أن السياسة الباكستانية أصبحت مزدوجة على نحو مفاجئ؛ فمن جانب، هناك المواطنون الغاضبون، وعلى الجانب الآخر هناك المسؤولون المنتخبون الذين يلقون بالوعود.

ولكن إذا ما فشل قادة باكستان في تقديم الحلول، وعلى وجه السرعة، فإن ذلك الغضب الشعبي سرعان ما سيتحول إلى كارثة سياسية.

وسيكون من السهل إسقاط المشكلات التي تواجهها باكستان باعتبارها جزءا من عملية التنمية الشاقة التي لا يمكن تجنبها. وليست الدولة بحاجة إلا للنظر إلى جارتها الهند، التي رغم أنها حققت معدلات نمو قوية خلال العقدين الماضيين فإنها ما زالت تواجه صعوبة في تطوير بنية تحتية تواكب الزيادة في معدلات نموها الاقتصادي وزيادة عدد سكانها. ومثلها مثل الصين التي وصلت إلى قمة التقدم الاقتصادي، إلا أنها ما زالت تعاني من تفاقم أزمات البنية التحتية.

ووجه الاختلاف بين باكستان والهند والصين أو أي دولة من الدول النامية المتوسطة هو أن قوة باكستان ذات الأغلبية المسلمة مستهلكة على جبهة دولية. فليس خفيا على أحد أن باكستان تعد جبهة حيوية بالنسبة للجيش الأميركي وعمليات الاستخبارات في أفغانستان، ووفقا لكثير من التقارير فإن إدارة أوباما قد أحرزت تقدما هائلا في استقرار الدولة الإسلامية التي كانت ترزح تحت وطأة اضطرابات رهيبة.

ويمكن لأي غضب محلي يقوم به الباكستانيون المحرومون من الطاقة أن يعرقل ذلك التقدم ويعرقل الحرب التي يقودها التحالف ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وقد وعدت الولايات المتحدة، التي يبدو أنها تدرك العواقب الوخيمة للأزمة، بتقديم أكثر من مليار دولار كمعونة في مجال الطاقة لحليفتها ذات الأهمية الخاصة عبر أنظمة توزيع حديثة بالإضافة إلى مصانع طاقة حرارية ومصانع طاقة هيدروكهربائية.

وحتى الآن، لا توجد نهاية واضحة للأزمة، فكلما ازدادت حدة الأزمة، لا يستطيع أحد التكهن بأي من الأحزاب أو الفصائل سيهيمن على القضية ويستغلها لمصالحه السياسية. ومع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف التي تزيد من توتر المواطنين، فإنه من المستحيل التكهن برد فعل المقترعين الغاضبين.

وأخذا في الاعتبار الرياح السياسية والاجتماعية المتغيرة التي كانت تهب على كافة أنحاء البلاد في السنوات الأخيرة، فإن إثارة أي قدر حتى وإن كان ضئيلا من الشكوك حول ذلك الكيان السياسي الهش سيكون كافيا لإثارة مخاوف القادة السياسيين من إسلام آباد إلى واشنطن.

وعلى الرغم من أن الكهرباء في حد ذاتها لا تعد من السلع الاستهلاكية الأساسية مثل مياه الشرب النظيفة أو الطعام، فإنها أصبحت ضرورية في الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية الصناعية الحديثة. وإذا لم تتخذ الحكومة الباكستانية إجراءات سريعة لتوفيرها بمعايير تتوافق مع المعايير المعاصرة، فإن انعكاسات الأزمة ستطال كثيرا من قادة الدولة الحاليين.

 

* أمار تور - صحافي حر ومستشار سابق لوزارة التجارة والزراعة التابعة لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

font change