خيبة أمل العرب والمسلمين في أوباما

خيبة أمل العرب والمسلمين في أوباما

[escenic_image id="55105119"]

أظهر بحث عالمي جديد أجراه مركز بيو للأبحاث التابع لجامعة هارفارد أن الرئيس أوباما ما زال محبوبا، وأنه يحسن من مكانة أميركا في مناطق كثيرة حول العالم. لكن الاستثناء البارز هو الدول الإسلامية، حيث أًصبح أقل شعبية عما كان منذ عام.

على سبيل المثال، في مصر، المكان الذي ألقى منه خطابه الذي نال كثيرا من الترحيب، قال 17 في المائة فقط إن لديهم رأيا إيجابيا عن الولايات المتحدة، وهي أقل نسبة منذ خمسة أعوام، مثل نسبة شعبية «ما قبل أوباما». وفي العام الماضي، أوضح 27 في المائة من المصريين المشاركين في الاستطلاع أن لهم رأيا إيجابيا في الولايات المتحدة. وفي الأردن، انخفضت شعبية الولايات المتحدة إلى 20 في المائة.

وكان أكثر اكتشاف مفاجئ للبحث في تركيا، حيث انخفضت نسبة تأييد أوباما بمقدار الثلث، من 33 في المائة إلى 23 في المائة. وقال كثير من الذين شملهم استطلاع الرأي في تركيا، وهي دولة ذات مكانة في حلف الناتو، إنهم أصيبوا بخيبة أمل في السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة.

ويقول غالبية المسلمين إن الولايات المتحدة تمثل تهديدا عسكريا لهم، خاصة في لبنان وباكستان ومصر وإندونيسيا وتركيا. ويعد ذلك التطور مثيرا للانزعاج، نظرا للجهود الحثيثة التي يبذلها أوباما من أجل تحسين علاقات أميركا المتضررة مع الشعوب الإسلامية منذ تنصيبه.

وبعد مرور عام على إلقاء خطابه التاريخي الموجه إلى العالم الإسلامي من القاهرة، تنخفض معدلات شعبية أوباما كما كانت في عهد سلفه جورج دبليو بوش، في ضربة قاسية مفاجئة. يقول أندرو كوهوت، رئيس مركز بيو للأبحاث في واشنطن، الذي يجري الاستطلاع السنوي: «يتزامن نقص التأييد في العالم الإسلامي مع حربي العراق وأفغانستان». وأضاف كوهوت أن هناك أيضا شعورا بـ«الإحباط» لدى المسلمين حيال الولايات المتحدة تحت رئاسة أوباما. على سبيل المثال، يتصور كثير من المسلمين أن الولايات المتحدة ما زالت «لا تتعامل بصورة عادلة» في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

في الواقع، يشعر العرب والمسلمون بخيبة أمل كبيرة ويتفقون على وجود فجوة كبيرة في المصداقية بين وعود أوباما الوردية وأفعاله. وبعد عام تقريبا من إلقاء أوباما خطابه إلى العالم الإسلامي، ما زالت حقيقة سياسته تجاه الشرق الأوسط تتناقض بحدة مع خطابه الواعد والآمال العريضة التي بثها لدى المسلمين. لقد أثار خطاب أوباما، مقرونا باستراتيجية تقارب منظمة، إعجابا شديدا لدى العرب والمسلمين. وكان كثيرون يأملون في أن يواجه الرئيس الأميركي الشاب ذو الأصول الأفريقية بجدية التحديات التي تواجه المنطقة وأن يقيم علاقات جديدة مع العالم الإسلامي.

لقد بث أوباما توقعات كبيرة بأنه سيقدم أفعالا بعد خطابه. بل واعترفت القوى المعارضة، مثل حزب الله وحماس والإخوان المسلمون، بأن ما قاله أوباما يمثل نسمة هواء منعش في السياسة الخارجية الأميركية. ولكن أكدت جميع الأطياف السياسية أنهم سيقيمون سياساته وأفعاله، وليس كلماته فحسب.

وبعد مرور عام، كما يظهر استطلاع الرأي العالمي الجديد الذي أجراه مركز بيو، يوجد اعتقاد متنام لدى العرب والمسلمين بأن أوباما أخفق في الوفاء بكلامه المعسول. لم تعد مصطلحات «الحرب ضد الإرهاب» تستخدم، إلا أن معتقل غوانتانامو ما زال مفتوحا، ويزيد الرئيس أوباما من تصاعد الحرب في أفغانستان، وباكستان والصومال واليمن وغيرها. ووصلت مسيرة السلام العربي - الإسرائيلي التي يرعاها إلى طريق مسدود، وخسر أوباما الجولة الأولى أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وليس من المرجح أن يتحقق وعده بتحرير الفلسطينيين من الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والمساعدة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة في فترته الرئاسية الأولى.

وتعترف وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، التي تشارك في رئاسة مشروع المواقف العالمية، بوجود فجوة بين حديث أوباما الوردي والواقع الصارخ للسياسات الخارجية الأميركية في المنطقة. وقالت أولبرايت: «كانت زيارة القاهرة بداية كبيرة، حيث ألقى رئيس أميركي خطابا في دولة مسلمة.. وكانت هناك آمال كبيرة في أن يحدث المزيد من التدخل» الأميركي في قضايا ذات أهمية بالنسبة للشعوب الإسلامية، مثل عملية السلام في الشرق الأوسط.

وأكدت أولبرايت: «يوجد إدراك لهذا (الشعور بعدم تحقيق التوقعات) في الإدارة الأميركية». وأضافت أن مبادرات مثل قمة أوباما «الرئاسية لرواد الأعمال» التي عقدت مؤخرا مع عدد من رجال الأعمال والمؤسسات الإسلامية في واشنطن العاصمة تشير إلى «أنهم يحاولون العثور على طرق يمكن أن يكون هناك المزيد من التفاعلات من خلالها».

ومن جانب آخر، يقول عدد متزايد من العرب والمسلمين إن الرئيس الشاب يتحدث فقط، ولا يحول أقواله إلى أفعال، وإن سياسته تعد امتدادا لسلفه من المحافظين الجدد، وكأنه يضع السم في العسل. وبالنسبة لهم، يبدو حديث أوباما فارغا.

ولا تعكس استطلاعات وأبحاث الرأي العام، مثل البحث الذي أجراه مركز بيو، بصورة كاملة عمق وشدة خيبة الأمل التي أصيب بها العرب والمسلمون في أوباما. لقد ترسخ تصور بين المسلمين بأن الولايات المتحدة ليست صادقة حيال التعاون معهم وأنها غير صادقة فيما يتعلق بآمالهم ومخاوفهم وطموحاتهم.

ومن المرجح أن يكون أوباما قد أساء الحكم على تعقيد المنطقة والتكاليف السياسية الباهظة المرتبطة باستراتيجية التحول. ولم تعد وعوده بالتعاون الصادق وإقامة علاقة جديدة مع المسلمين البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة تؤخذ على محمل الجد، وهي الحقيقة التي تعوق مصداقية سياسته الخارجية في الشرق الأوسط الكبير وفاعليتها، بما فيها من حروبه ضد «القاعدة»، وطالبان في أفغانستان، وطالبان الباكستانية، والمتمردين عامة.

لقد اعترف أوباما ضمنيا بأن خطابه في القاهرة كان مفرطا. وفي حوار مع مجلة «التايم»، فاجأ أوباما محاوره عندما أكد على القضية الإسرائيلية - الفلسطينية قائلا: «إنه أمر صعب للغاية.. ولو كنا توقعنا بعضا من تلك المشاكل السياسية على الجانبين في وقت مبكر، لما كنا وضعنا آمالا كبيرة بهذا الشكل».

وعلى الرغم من أن الوقت ما زال سانحا لأوباما ليقرب من الفجوة التي تفصل بين حديثه وفعله، فإنه من المؤسف أنه حتى الآن لم يتخذ خطوات جريئة من أجل إحراز تقدم في علاقات أميركا مع العالم الإسلامي. وسياسته الخارجية تميل إلى الوضع الراهن وتقليل الخسائر أكثر من ميلها إلى التغيير. وكما هو الحال مع الشعب الأميركي، يحتاج المسلمون بشدة إلى تغيير حقيقي يمكنهم الوثوق به.

وإذا كان أوباما يأمل بالفعل في أن يصلح الضرر الذي تسبب فيه سلفه، وإقامة علاقات جديدة تعتمد على المصالح والاحترام المتبادلين، يجب أن تكون لديه الإرادة والرؤية لرسم مسار جديد يتحرك فيه وأن يستثمر بعضا من رأسماله السياسي الثمين في حل الصراعات الإقليمية المتزايدة. ويجب أن يكون أول شيء هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وإقامة استثمارات هيكلية في بناء المؤسسات والمجتمع المدني.

ونظرا لقوة التحديات المحلية التي تواجه الولايات المتحدة، ومنها أسوأ كارثة بيئية في التاريخ واقتصاد منهار، يتساءل كثير من الأميركيين عن أهمية ما يعتقده العالم بشأن بلادهم.

تقول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت: «إنه أمر مهم، ولكن ليس المهم هو قدر قوتنا، فالولايات المتحدة لا تستطيع القيام بكل شيء بمفردها». وأضافت أن التحديات الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة، ومنها الاقتصاد والسياحة والطاقة، تتطلب حلولا متعددة الجنسيات وعبر الحدود، وقالت: «جميع تلك القضايا.. تؤثر على حياتنا اليومية، وإذا كان أداء الولايات المتحدة جيدا وكانت لها شعبية، سيمكنها أن تفعل شيئا».

وعلى سبيل المثال، وفقا لدراسة مركز بيو، انخفض تأييد الشعوب الإسلامية للأحداث الإرهابية مثل التفجيرات الانتحارية، ولأسامة بن لادن و«القاعدة» بصورة كبيرة. ولكن ما يعرقل الجهود الأميركية في مكافحة الإرهاب هو الشك الذي يسري بين الشعوب المسلمة حيال منطق القادة الأميركيين وأجندتهم السياسية.

ومع وضع كل ذلك في الاعتبار، لا يقتنع المسلمون بالرواية الأميركية عن قوة التهديد الإرهابي أو تعريف الإرهاب. وبالنسبة لكثير من المسلمين، يعد جمع أميركا لجماعات «المقاومة» الشرعية، مثل حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، في قالب واحد مع تنظيم القاعدة الإرهابي أمرا غير مقبول وله دوافع سياسية.

ربما يكون على المسلمين أن يطرحوا على أنفسهم بعض الأسئلة الصعبة: ما هو التأثير الذي يمكن أن تبذله الدول المسلمة وقادتها في واشنطن، وما الذي يريدون ويقدرون على فعله من أجل دعم تحول العلاقات المنشود؟ هل هم راغبون في استغلال أرصدتهم الثرية والوقوف في موقف حقيقي موحد؟ إذا استرشدنا بالتاريخ، ستكون الإجابة: لا. إذا كان المسلمون يريدون فعلا رؤية تغيير جاد، يجب عليهم أن يمدوا يد العون لتوجيه سفينة السياسة الخارجية الأميركية في الاتجاه الصحيح.

وبعد ذلك على أية حال، لا يملك أوباما عصا سحرية ولا يمكن أن نلقي عليه كل اللوم بسبب عدم حدوث تقدم سياسي في المنطقة. ومن المؤسف أن العرب والمسلمين علقوا آمالا كبيرة غير معقولة على رئيس جديد دون أن يضعوا في اعتبارهم تعقيد عملية صناعة القرار في السياسة الخارجية الأميركية أو واقع السياسة المحلية الأميركية. إن الرئاسة الإمبريالية قوية، ولكن أحيانا ما تتقيد أيدي الرؤساء بالكونغرس ومؤسسة السياسة الخارجية والسياسة المحلية ووسائل الإعلام والرأي العام وجماعات الدفاع عن الحقوق. وتزدحم أجندة أوباما للسياسة الداخلية والخارجية، وهو من جانبه لا يستطيع تحقيق تسوية سلمية عربية - إسرائيلية.

وبدلا من وضع بيضهم في سلة الولايات المتحدة، يجب أن يكون المسلمون أسياد مصائرهم؛ يجب أن يدركوا أن قدرة أوباما على تغيير السياسة الخارجية الأميركية هيكليا مقيدة، وأنه لا يجب أن يكون مسؤولا عن جميع الأزمات المزمنة في المنطقة.

 

* فواز جرجس - أستاذ السياسة الشرق أوسطية والعلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد بجامعة لندن. وقد كتب بتوسع عن علاقات أميركا بالعالم العربي. ومن بين كتبه: «أميركا والإسلام السياسي: صدام ثقافات أم صدام مصالح؟»

font change