خيار الأردن النووي

خيار الأردن النووي

[escenic_image id="55109829"]

تطلب واشنطن خدمة من عمان الأردنية. من أجل المساعدة على وقف مزيد من الانتشار النووي، تطلب الحكومة الأميركية، ممثلة في البيت الأبيض والكونغرس، أن يصرف الأردن النظر طواعية عن السعي للحصول على تكنولوجيا نووية مثل تصنيع وقود المفاعلات من خلال تخصيب اليورانيوم، وهي التكنولوجيا التي يمكن إساءة استخدامها لإنتاج قنابل نووية. ولا يعتقد أحد في واشنطن أن الأردنيين سيستطيعون قريبا صناعة قنبلة ذرية في الصحراء. وبالطبع، يملك الأردن الحق في أن يشترك في أنشطة نووية سلمية. ولكن المشكلة تكمن في أن العالم لا يمكنه البقاء إذا امتلكت 100 دولة، وهو رقم يفوق كثيرا الرقم الحالي، القدرة على صناعة أسلحة نووية في شهور، لأنها تريد إنتاج وقودها النووي الخاص بها.

وقد أصبحت العلاقات الممتازة بين الأردن والولايات المتحدة متوترة أثناء المفاوضات التي استمرت لمدة عام حول اتفاقية ثنائية مقترحة لتعاون نووي مدني. ويحاول الأردنيون بطبيعة الحال الاستفادة من اليورانيوم المكتشف حديثا في أرضهم لتلبية احتياجات الطاقة المحلية، في حين يسعى المفاوضون الأميركيون بصورة لا تدعو للدهشة إلى الحد من المزيد من الانتشار النووي بتقييد عدد الدول التي تملك منشآت تصنيع وقود من اليورانيوم.

في العام الماضي، كان على الأردن أن يعتمد على الاستيراد لتغطية نحو 96 في المائة من متطلبات الطاقة السكنية والعامة والتجارية. ووصلت تكاليف النفط الأجنبي ومنتجات الطاقة الأخرى إلى نحو 13 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الأردن. بالإضافة إلى ذلك، تعاني المملكة الأردنية من نقص حاد في المياه، حيث إن لديها أقل نسبة مخزون مياه للفرد في العالم.

ولحسن الحظ، تم اكتشاف 65 ألف طن من اليورانيوم الخام مؤخرا في الأراضي الأردنية. ويمكن أن تستفيد المملكة بالفعل من استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء بالإضافة إلى إنتاج مياه نقية من خلال تحليتها. ومن المنطقي أن يرغب الأردنيون في تحويل اليورانيوم الموجود لديهم إلى وقود لمفاعلاتهم. وتهدف الحكومة إلى تصنيع أول مصنع طاقة نووية سعته 1000 ميغا وات على بعد 25 كيلومترا جنوب شرقي العقبة في الأعوام القليلة المقبلة. وبحلول عام 2030، يخطط الأردن لاستخدام الطاقة النووية لإشباع 30 في المائة تقريبا من احتياجاته المحلية من الطاقة. وربما ترغب المملكة أيضا في خيار بيع الكهرباء في النهاية، وربما بيع الوقود النووي المصنوع من اليورانيوم الخاص بها إلى دول أخرى.

وتطلب إدارة أوباما أن يتبع الأردن نموذج الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت أيضا في برنامجها النووي. وقد وافقت الإمارات على شراء وقود لمفاعلها الجديد من مصادر دولية، وإعادة قضبان الوقود إلى مورديها الأجانب بعد استخدامها، بدلا من تطوير منشآت تخصيب اليورانيوم أو منشآت إعادة معالجة البلوتونيوم الخاصة بها. ويريد الأميركيون أن يصبح الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وهي أول اتفاقية تعاون نووي مدني بين الولايات المتحدة ودولة في الشرق الأوسط، نموذجا وسابقة للدول الأخرى، بوضعها معيارا عاليا للمنطقة، التي تزداد فيها مخاطر الصراع. ويخشى مسؤولون أميركيون من أن إيران ودولا أخرى تسبب مخاوف من الانتشار النووي يمكنها أن تستشهد ببرامج تخصيب يورانيوم في دول شرق أوسطية أخرى لتبرير برامج التطوير النووي الخاصة بها، التي ربما تحمل نوايا أقل سلاما من تلك التي يكنها الأردن أو الإمارات. وتشترط المادة رقم 123 من قانون الطاقة الذرية الأميركي أن تتفاوض الولايات المتحدة على اتفاقية إطارية مع أي حكومة أجنبية قبل أن تستطيع الشركات الأميركية التفاوض حول عقود تجارية محددة مع أية شركات في تلك الدولة.

ويتفاوض الأردن حول اتفاقيات تعاون نووي مدني مع عدد من الدول الأخرى، من بينها الصين وفرنسا وروسيا. وفي شهر مايو (أيار)، طلبت لجنة الطاقة الذرية الأردنية من شركة الطاقة الذرية الكندية المحدودة (ACEL) وشركة «اتوم ستروي اكسبورت» الروسية وشركة «أريفا» الفرنسية، في شراكة مع شركة «ميتسوبيشي» اليابانية، تزويد مفاعلها الأول بالوقود. وكان المسؤولون الفرنسيون نشطين بصورة خاصة، واستغل سفيرها في عمان الاحتفالات بيوم الباستيل في 14 يوليو (تموز) للتأكيد على ثقة باريس في قدرة الأردن على تنفيذ برنامج طاقة نووية سلمية شامل.

من الممكن أن لا يحتاج الأردن، على عكس الإمارات، إلى استيراد النفط أو الغاز الطبيعي وهو يملك كمية كبيرة من اليورانيوم المحلي، ويمكنه أن ينفذ برنامجا نوويا شاملا حتى دون عقد اتفاق مع الولايات المتحدة. وتتحمس شركات فرنسية ويابانية وروسية وغيرها من الشركات الأجنبية لبيع أي شيء لا يستطيع الأردنيون شراءه من الولايات المتحدة. ويبدو هؤلاء الموردون غير الأميركيين أقل قلقا بشأن مخاطر الانتشار النووي من نظرائهم الأميركيين، على الأقل هم لا يصرون على أن يمتنع الأردن عن أنشطة تخصيب اليورانيوم. وعلى الرغم من أن عمان قد تكون قادرة على إبعاد قبضة واشنطن، فإنه لا يجب عليها ذلك، لا سيما وأن هناك حلا أفضل في المتناول.

بدلا من إنفاق مليارات الدولارات من أجل إنشاء دورة وقود نووي أصلي، يجب على الأردن القيام بدور رائد في تأسيس مصرف وقود نووي متعدد الجنسيات في الشرق الأوسط. ويسمح هذا الترتيب للدول بامتلاك مفاعلات نووية ولكن ليس قدرات صناعة وقود أصلي، وهو ما يمكن أن يتضمن عشر دول عربية، للحصول على وقود اليورانيوم من مركز خدمة نووية عالمي، الذي ربما يكون مقره في الأردن، بدلا من تطوير بنيتها التحتية الخاصة المكلفة والمعقدة التي تزيد من مخاطر الانتشار النووي. ومن الممكن أن يبيع الأردن بسهولة اليورانيوم الطبيعي للمستودع وأن يحصل في المقابل على وقود اليورانيوم المُخصب. ولكن حصل الأردنيون أيضا على دور بارز في إدارة المركز نظرا لسياساتهم الأمنية المسؤولة التي حازت مزيدا من الاحترام، بالإضافة إلى موارد بلادهم الثرية من اليورانيوم الخام.

 

*ريتشارد ويتز - كبير الزملاء ومدير مركز التحليلات السياسية العسكرية في معهد هدسون، في واشنطن العاصمة.

font change