الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة

الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة

[escenic_image id="55118465"]

في أواخر عام 1798، على ساحل الإسكندرية، وجه نابليون رسالة إلى شعب مصر مبررا فيه غزوه لهم. وتحدث عن احترامه للإسلام ورغبته في التعاون مع رجال الدين المسلمين. وكانت هذه هي الخطوة ذاتها التي اتخذها الإسكندر الأكبر عندما جاء إلى مصر قبل ذلك بآلاف الأعوام. وقد زار الإسكندر معبد آمون حيث لقب بابن الإله آمون، وبالتالي قبِله المصريون. لقد دخل كلا القائدين مصر من خلال بوابة الدين.

وحتى في عصر الاشتراكية العربية، الذي جاء بعد ثورة الضباط الأحرار في يوليو (تموز) 1952، كان كاتب الخطب التي يلقيها جمال عبد الناصر، محمد حسنين هيكل، يستهل كلمات ناصر باسم الله. وكان يطلق على أنور السادات، الذي جاء بعد عبد الناصر في الرئاسة مطبقا الرأسمالية: «الرئيس المؤمن». وقد وصف نفسه بأنه رئيس مسلم لأمة مسلمة.

ولم يتغير الوضع في مصر الحديثة؛ حيث يسعى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم إلى الحفاظ على ولاء المؤسسات الدينية الكبرى في مصر؛ وتحديدا الأزهر والكنيسة القبطية. وقد ساعد تأييد هاتين المؤسستين الدينيتين الوطنيتين على منح الحزب الوطني قشرة ظاهرية من الشرعية أمام الشعب المصري. ولكن نتيجة لوضوح تدخل الرموز الدينية كلاعبين سياسيين، خضعت الساحة السياسية المصرية لاستقطاب من الحزب الوطني الديمقراطي والمعسكر الإسلامي المتطرف.

وقد اتضحت تلك العلاقة المعقدة بين الدولة والمؤسسات الدينية أثناء الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2005. وقد استعانت الحكومة بالأزهر بتشجيع دارسي المؤسسة على حرمان الإخوان المسلمين من أوراق اعتمادهم الدينية. وكان الهدف هو ضمان عدم استطاعة الإخوان المسلمين التأثير على نتيجة الانتخابات. ومن جانبها أيدت الكنيسة القبطية الرئيس مبارك بصورة مطلقة. ونشر البابا شنودة والمجمع المقدس القبطي تصريحات في مجلة الكنيسة الرسمية معلنين تأييدهم التام لمبارك، بل واصطحبوا الأقباط في حافلات إلى مراكز الاقتراع.

سوف تكون المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي تجري عام 2011 أكثر سخونة. وقد أضافت عودة حائز نوبل والرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية محمد البرادعي إلى مصر ودخوله الدرامي في الحياة السياسية المصرية، زخما جديدا. أسس البرادعي الجبهة الوطنية للتغيير، ولكن المفارقة أن هناك مؤشرات على أنه خضع لنمط قائم من جهة السعي إلى الدين.

في البداية عرّف البرادعي ذاته على أنه مرشح مستقل. وقد أثار ذلك مشكلة، لأن المادة 76 من الدستور المصري تمنع المرشحين المستقلين من التنافس في الانتخابات الرئاسية. يجب أن يكون المرشح عضوا في حزب معترف به، ويجب أن يكون جزءا من قيادته العليا على الأقل لمدة عام واحد. وبالتالي، توصل إلى أنه يحتاج إلى تأييد شعبي واسع وسريع حتى يستطيع أن يطالب بتعديل الدستور.

وكما أشرنا، من المعتاد الوصول إلى عامة الشعب من خلال لغة الدين. ويفسر ذلك سبب بدء البرادعي حملته بزيارة مسجد الحسين في قلب القاهرة القديمة. وعلى الرغم من خطابه الليبرالي العلماني، في أول حوار له بعد وصوله إلى مصر في شهر فبراير (شباط)، فإن البرادعي لم يستبعد إقامة علاقات مع الإخوان المسلمين وتزايد ميله إلى «الجماعة».

وفي يوم الجمعة الرابع من يونيو (حزيران) الماضي، سافر البرادعي إلى مدينة الفيوم (80 كم غرب القاهرة) حيث بدأ حملته بأداء صلاة الجمعة في مسجد مبارك ومعه آلاف من المؤيدين، كثير منهم من أعضاء الإخوان المسلمين. ووقف مصطفى عوض الله الإخواني وعضو البرلمان إلى جانبه في الصلاة وقدمه للجماهير بعدها.

وفي الوقت ذاته الذي يتقرب فيه من الإخوان المسلمين، يحاول البرادعي الوصول إلى الأقباط من نفس الباب: الدين. يمكن أن يكون مثل ذلك التأييد مهما بالنسبة للبرادعي، لا سيما أن بطريرك الأقباط ليس مجرد أب روحي للأقباط، ولكنه أيضا الزعيم السياسي وممثل الأقلية القبطية أمام الدولة. وفي العقود الأربعة الأخيرة، وصل دور البطريركية في الحياة الاجتماعية والسياسية للأقباط إلى ذروته نظرا للكاريزما التي يتمتع بها البابا شنودة الثالث.

ولكونها المؤسسة الدينية المسيحية الرسمية في مصر، فإن الكنيسة تعقد تحالفا كاملا وتاما مع الحكومة، بالنظر إلى تأييدها الحزب الوطني الديمقراطي في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة. وقد أدت هذه العلاقة الوطيدة بالحزب الحاكم إلى تجاهل البرادعي في قداس عيد القيامة الذي ترأسه البابا شنودة، الذي حضره كبار الشخصيات السياسية في مصر. وصرح البرادعي أن البابا شنودة قام بدعوته، ولكن لدى وصوله تم تجاهله عن عمد ونُقل المقعد المحجوز باسمه إلى مكان يبعده عن الكاميرات.

إذا يبدو أن هذا الباب قد أغلق أمام البرادعي، على الأقل في الوقت الحالي. وقد دفعه هذا الإدراك - بالإضافة إلى معرفته بأن التيار السياسي الليبرالي العلماني لن يقدم له التأييد الذي يحتاج إليه من أجل الدعوة إلى تعديل المادة 76 - إلى أحضان الإخوان المسلمين. ويعتمد البرادعي على ذلك ليجذب «الأغلبية الصامتة»، حيث إن المؤسسة الإسلامية الرسمية (الأزهر) لم تعد تملك المصداقية التي تجعلها وسيلة بديلة للوصول إلى الناخبين المسلمين. لذلك، على الرغم من اعترافه بوجود «بعض الاختلافات»، أكد البرادعي على أنه يرحب بانضمام الإخوان المسلمين إلى جبهته. ولكن بالتأكيد سيطالب الإخوان بوعود تعتمد على التطلعات الدينية التي ظهرت مؤخرا في حملتهم في انتخابات مجلس الشورى التي أجريت في الأول من يونيو الماضي.

يشير استخدام المسجد كقاعدة انطلاق لقفزته على الساحة السياسية المصرية، والإخوان المسلمين للحفاظ على قوة الدفع في «جبهة التغيير» إلى أن البرادعي يعي أهمية الدين بالنسبة للشعب المصري. ولكن، لا تدعم هذه الإستراتيجية حملة البرادعي للإصلاح. حيث تكمن المخاطرة في أن يزيد ذلك من روح التطرف، التي تعمل بالفعل على إثارة التوترات الطائفية في مصر. وليس ببعيد اعتماد السادات على الدين من أجل الشرعية، حيث شهدت مصر وقتها أسوأ فترات العنف الطائفي.

وتجنبا لمزيد من الانقسام بين المصريين إلى مسلمين ومسيحيين، يحتاج البرادعي إلى تأسيس قاعدة جديدة لحملته. وقد تجنب حتى الآن الانضمام إلى أي حزب أو تأسيس حزب جديد يمكنه أن يطور ويروج لأجندته دون الحاجة إلى الوصول لتسوية مع اتجاهات سياسية راديكالية. قد يساعد أيضا وجود حزب سياسي البرادعي في التغلب على عقبة المادة 76 من الدستور. وربما يساعده حزب جديد قادر على جمع الحركات السياسية الأخرى معا في تحالف أو ائتلاف من أجل تغيير مستقبل الساحة السياسية في مصر دون اللجوء إلى الدين.

إن استخدام الدين في الوصول إلى العامة أمر سهل لأنه متوقع، بل ومقبول. ولكنه أيضا يعوق قدرة الثقافة الديمقراطية على النضج والترسخ. وعلى الرغم من أن التأثير لن يكون فوريا، فإن تغيير هذا الاعتماد على الخطاب المُسيّس للدين قد يؤدي في النهاية إلى التغيير الحقيقي الذي يدعو إليه الشارع المصري.

 

*إليزابيث إسكندر - مديرة برامج الأبحاث في مؤسسة القرن الجديد. وهي محللة وكاتبة في شؤون الشرق الأوسط مقيمة في لندن، وتنشر مقالاتها في وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية والعربية، وتكرس اهتماما خاصا بالشؤون السياسية والقانونية والاجتماعية في مصر وإيران. كما أنها حاليا مرشحة للحصول على درجة الدكتوراه في السياسة والدراسات الدولية من جامعة كمبريدج.

*ميناس منير - صحافي ومترجم وكاتب مقيم بالقاهرة. يعمل في مجال الشؤون السياسية والثقافية والدينية في الشرق الأوسط. وقد ألف عددا من الكتب، أغلبها متخصص في الشؤون المصرية والدين السياسي.

font change