الناتو والشرق الأوسط الكبير

الناتو والشرق الأوسط الكبير

[escenic_image id="55131436"]

وصف الدبلوماسيون الأميركيون ورجال الجيش مؤخرا الصراع المستمر في الشرق الأوسط، خاصة معضلة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، بأنه مصدر الراديكالية، على الأقل نظريا، لحركة طالبان في أفغانستان، وبالتالي فإنه يخلق المزيد من المشكلات للولايات المتحدة ولقوات حلف شمال الأطلسي على الأرض. والمنطق خلف ذلك هو الآتي: من المستحيل أن تحلل المشهد الأفغاني دون التأكيد على أهمية الاستقرار في الشرق الأوسط. ويبدو من الترويج لإصلاح الدفاع ولإقامة علاقات مدنية - عسكرية طيبة وصولا إلى منع الانتشار النووي، أن لأعضاء حلف شمال الأطلسي اهتماما كبيرا بتلك المنطقة أكثر من غيرها. فهل تلك هي القضية حقا؟

هناك وجهتا نظر متعلقتان برؤية حلف شمال الأطلسي للشرق الأوسط. أولهما ترى المنطقة من وجهة نظر رامسفيلد باعتبارها منطقة واسعة تمتد من المغرب حتى باكستان يطلق عليها عادة اسم "الشرق الأوسط الكبير" وهي بالنسبة للغرب منطقة مثيرة للقلق نظرا لقضايا مثل منع الانتشار النووي والتطرف، والصراعات بين دوله والدول المنهارة والحروب الأهلية. فيما تركز وجهة النظر الأخرى على مناطق الصراع الأساسية مختزلة كافة المشكلات في قضية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وحدها، وهي تمكن حلف شمال الأطلسي من وضع رؤية استراتيجية أوسع للمنطقة تربط قضايا مثل الفقر والتنمية وحقوق الإنسان والانتشار النووي.

الاهتمام المتنامي بشأن الشرق الأوسط الكبير

لقد كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) هي أول علاقة مباشرة للحلف بالمنطقة. ولم يدفع ملجأ "القاعدة" الآمن في أفغانستان فقط حلف شمال الأطلسي لاستخدام المادة الخامسة لأول مرة في التاريخ ولكنه مثل أيضا معطى مهما لأول عملية "خارج البلاد" في تاريخ حلف الأطلسي.

فقد نشر حلف شمال الأطلسي قوة لحفظ السلام تتكون من الآلاف من القوات شمال أفغانستان وتعهد بمد تلك المهمة إلى الجنوب مضيفا المزيد من القوات. وما زالت مشاركة التحالف في تلك العملية مستمرة منذ ذلك الوقت وما زالت أفغانستان هي الأولية الأولى للتحالف. وقد انضمت كافة دول الحلف البالغ عددها 28 دولة إلى (الايساف) قوة المساعدة الأمنية الدولية، بالإضافة إلى 16 دولة من غير حلف شمال الأطلسي من كافة أنحاء العالم تتضمن الأردن.

وفي يونيو (حزيران) 2004، وافق الحلف على المساعدة في تدريب القوات العسكرية العراقية؛ ووضعوا "بعثة حلف شمال الأطلسي للتدريب" و"كلية الأركان" في الرستمية على مقربة من بغداد التي كانت مهمتها تدريب الضباط العراقيين من القيادات والقيادات الوسطى، وغرس القيم الملائمة للقوات المسلحة التي تدار بالديمقراطية. وفي أعقاب الأزمة الأطلسية الكبرى (2002 - 2003)، وافق الحلف على الالتزام معنويا وماليا والمشاركة بالموارد البشرية في مهمة إعادة بناء الدولة المدمرة في قلب الشرق الأوسط.

وفي عام 2004، بدأ حلف شمال الأطلسي "مبادرة اسطنبول للتعاون" لتطوير علاقاته السياسية والعسكرية مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي (البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات). وهناك أكثر من 600 نشاط متعدد الأطراف تم تنفيذه منذ ذلك الوقت، يتراوح من مواجهة الإرهاب عبر التعليم العسكري والتدريب وصولا إلى الأمن المتعلق بالطاقة والتعاون البحري.

وفي عام 2005، وفي أعقاب الزلزال الذي وقع في باكستان والذي يقدر بأنه تسبب في مقتل أكثر من 80 ألف شخص وترك ثلاثة ملايين دون طعام أو مأوى، طلبت السلطات في إسلام آباد المساعدة الدولية. فقام الحلف بنشر "قوات الردع" التابعة لحلف شمال الأطلسي – مجموعة من القوات العسكرية يمكن استدعاؤها بسرعة ويتم نشرها في أي مكان حول العالم – فيما يمثل نوعا جديدا من العمليات بالنسبة للتحالف.

وقد مد حلف شمال الأطلسي الحوار المتوسطي الذي تم إطلاقه عام 1994 لتسهيل الحوار السياسي مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك الجزائر ومصر وإسرائيل والأردن وموريتانيا والمغرب وتونس.

وأخيرا، ومنذ عام 2008 كان حلف شمال الأطلسي يتزعم عملية دولية لمواجهة القرصنة في القرن الأفريقي لحماية الحركة التجارية في خليج عدن تحت اسم "التحالف الدفاعي" وكجزء من عملية "حصن المحيط" (حتى ديسمبر/ كانون الأول 2012، لمساعدة دول المنطقة لتطوير قدرتها على مجابهة القرصنة).

ويمكننا أن نتساءل إذا ما كانت تلك المقاربة سوف تمنح التحالف مسؤولية إضافية تخول له التعامل مع كافة القضايا الأمنية في المنطقة. والإجابة هي لا. فحلف شمال الأطلسي لن يصبح الحليف الأمني للشرق الأوسط كما كان لأوروبا الغربية - في ظل انتشار القواعد الأميركية والأوروبية في كافة أنحاء المنطقة. ومع ذلك، ورغم كل الاختلافات بين أعضاء حلف شمال الأطلسي والمعضلات التي تقف أمام دور حلف شمال الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط، فما زالت الحقيقة هي أن لكل من الولايات المتحدة وأوروبا مصالح أمنية مشتركة هناك وما زال حلف شمال الأطلسي هو الآلية المثلى لتنسيق سياساتهما وعملياتهما هناك.

تقرير أولبرايت

سوف يتبنى حلف شمال الأطلسي مفهوما استراتيجيا جديدا – الثالث بعد الحرب الباردة – خلال قمة لشبونة التي من المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وقد تم إعداد الوثيقة، التي تم طرحها للمناقشة على كافة الدول الأعضاء، على يد مجموعة من الخبراء تتزعمهم وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت. ووفقا للتقرير، هناك ثلاث قضايا رئيسية في الشرق الأوسط تؤثر على أمن الحلف: العنف المتطرف، والصراع العربي الإسرائيلي وعدم استعداد إيران للالتزام تجاه المجتمع الدولي.

ومن المتوقع أن تمثل القضية الأخيرة، في المستقبل القريب، تهديدا يندرج تحت مظلة المادة الخامسة التي تعني أن حلف شمال الأطلسي ربما يضطر إلى استخدام القوة ضد إيران إذا ما استمر النظام في تطوير برنامج نووي لأغراض عسكرية. وربما يصبح ما قاله عنه روبرت غيتس مؤخرا من أن إيران "تستطيع أن تطلق مئات الصواريخ على أوروبا"، هو السبب في تأييد الأوروبيين لهجمة عسكرية على إيران. (وفقا لاستطلاع بو 17 يونيو (حزيران) 2010).

وفي نفس الوقت، يؤكد تقرير أولبرايت على حدوث تطور في شراكة حلف شمال الأطلسي في المنطقة ويولي اهتماما خاصا لاتفاقية السلام الفلسطيني - الإسرائيلي تحت إشراف الحلف والتي طلبتها الدول الأطراف وخولها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبمعنى آخر، يشير التقرير إلى وجوب ممارسة حلف شمال الأطلسي لدور مكثف ومركزي في عملية السلام لكي يتمكن من المساعدة على تحقيقها. ولكن المشكلة هي أنه لا يقول كيف سيفعل ذلك. وعلى الرغم من تطوع الحلف في تلك القضية، فما زال السؤال هو هل سيعتبره أطراف الصراع – إذا ما شارك في تعزيز السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين - وسيطا أمينا خاصة بعد حملة أفغانستان؟

وهل سيصبح ذلك النوع من الأدوار هو الدور الرئيسي للتحالف في العقد القادم؟ ذلك هو ما يحاول التقرير توضيحه. فأولا، يظهر إرادة المشاركة في العملية السياسية وثانيا، فإنه يدافع عن مقاربة لحلف شمال الأطلسي يعرف من خلالها إطاره الإقليمي – منطقة أوروبا الأطلسية – ولكنه يؤكد، في الوقت نفسه، على المصالح الاستراتيجية؛ المنطقة الدولية، حيث أصبح أمن الدول الأعضاء على المحك. وما زلنا في انتظار أن نرى إذا ما كانت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ستكون واضحة حول تلك القضايا خلال قمة لشبونة.

ويكمن عيب التقرير في قضية أمن الطاقة، فإذا ما كان هناك موضوع يمثل أهمية قصوى بالنسبة لأعضاء حلف شمال الأطلسي فهو اعتماد دوله على الشرق الأوسط في مجال الطاقة؛ حيث تمر نحو 65% من واردات أوروبا من البترول والغاز الطبيعي عبر الشرق الأوسط. ومن وجهة نظر الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي فالمسألة ليست فقط مسالة استقلال عن منطقة غير مستقرة ولكنها أيضا مسألة تتعلق بأمن النقل في البحر والحاجة لتحسين التنسيق بين القوات البحرية. وفي ذلك السياق أيضا، من الضروري أن نسلم بمركزية تركيا (عضو بالحلف) كدولة محورية لنقل الطاقة ومركز رئيسي للطاقة بالنسبة للموردين الأوروبيين.

بالإضافة إلى أن تأمين الشحن في مضيق هرمز وخليج عدن يعد ضروريا للمنطقة الأوروبية الأطلسية، حيث إن نحو 95% من تجارة دول الاتحاد الأوروبي و20% من التجارة العالمية تمر عبر خليج عدن، كما تمر نحو 15 حاوية يوميا عبر مضيق هرمز تحمل نحو 17 مليون برميل من البترول الخام. وهو ما يمثل نحو 40% من إجمالي البترول الذي يتم شحنه عالميا عبر البحر، كما يمثل بالنسبة لدول الخليج 90% من صادرات البترول من المنطقة.

وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يتم وضع هذه الأرقام والقضايا على طاولة المفاوضات في قمة لشبونة، فإن هناك شيئا واحدا مؤكدا وهو أن مشكلات الشرق الأوسط الكبير ترتبط على نحو مباشر بالمصالح الأمنية للأطلسي الأوروبي.

 

برناردو بايرس ليما – الباحث بالمعهد البرتغالي للعلاقات الدولية. وهو يؤلف حاليا كتابا حول أسباب نجاة حلف شمال الأطلسي من نهاية الحرب الباردة.

font change