العقوبات على إيران تتنفس هواءً كردياً

العقوبات على إيران تتنفس هواءً كردياً

[escenic_image id="55160589"]

كُتب الكثير على مدار الشهور الأخيرة عن علاقات إيران التجارية مع دول البريك، البرازيل وروسيا والهند والصين، بالإضافة إلى دول الخليج العربي. إلى حد ما، أصبح من السخيف الإشارة إلى تمركز إيران الجغرافي وصلاتها التجارية والدبلوماسية الممتدة منذ آلاف الأعوام بكل من هذه الدول (فيما عدا البرازيل).

وفي هذا السياق، ليس من المفاجئ أن كل دولة من دول البريك، بلا استثناء، ترفض الموافقة على أي شيء يمكن أن يضر بعلاقاتها السياسة والاقتصادية الموسعة مع إيران. وفي الوقت ذاته، تجد جميع الدول الأربع اهتماما أكبر بالحفاظ على علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى تطبق العقوبات، مما يجبر دول البريك على تجنب ذكر اهتماماتها السياسية والاقتصادية عندما تبرر معارضتها لفرض عقوبات على إيران.

وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالسعي إلى حل دبلوماسي لأزمة إيران مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن برنامجها النووي. وبداية من شهر مايو (أيار) وحتى شهر يوليو (تموز) من العام الحالي، دافعت البرازيل وتركيا عن اتفاق مستقل يسمح لإيران بتبادل قدر كبير من اليورانيوم المخصب لديها بنسبة 3.5 في المائة، في مقابل وقود مخصب بنسبة  20 في المائة لاستخدامه في مفاعلاتها. وفي الأغلب، ترفض الحكومات الغربية تلك الجهود لأنه فات وقتها، مؤكدة على المخاوف المنتشرة بأن إيران ربما يوجد لديها مطامع نووية تتجاوز توفير الطاقة لسكانها.

وتمر روسيا بتذبذب كبير، ففي حين تساعد على بناء أول محطة طاقة نووية في إيران بالقرب من بوشهر وتوريد اليورانيوم إليها، تؤيد شكليا خطط الأمم المتحدة للحد من طموح إيران النووي. ولا تعتبر معظم الدول مصنع الطاقة تهديدا نظرا لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المكان، ولكن انتهازية روسيا الصارخة جعلت كثيرين يتساءلون عن مطامع البلاد على المدى البعيد.

وتؤيد الصين مثل روسيا كثيرا من قرارات مجلس الأمن، بل والعقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، ولكن أمام احتياجات الطاقة المتزايدة باستمرار في هذه الدولة التي أصبحت قوة عظمى اقتصاديا، تفعل الصين كل ما في وسعها لتجنب قول أو فعل أي شيء قد يهدد علاقاتها ذات المنفعة المتبادلة مع إيران. وبهذا النحو، جاءت نسبة 8.3 في المائة من الواردات الإيرانية عام 2009 من الصين.

وعلى الرغم من مفارقة تأييدها للعقوبات و«حق إيران في الحصول على تكنولوجيا نووية»، تتوسع الهند في علاقاتها الاقتصادية مع إيران على قدم وساق على مدار الأعوام القليلة الماضية. وقد نمت العلاقات التجارية الثنائية بين إيران والهند من نحو 6 مليارات دولار عام 2006 إلى ما يزيد على 14 مليار دولار عام 2009، فيما يعد زيادة مذهلة. وفي شهر يوليو (تموز)، بدأت الدولتان في مفاوضات حول إنشاء خط أنابيب غاز تبلغ تكلفته 7.4 مليار دولار يمتد من إيران إلى الهند، وهو ما قد يسهل إقامة مزيد من التحالفات التجارية الموسعة بين البلدين.

ومن جانبها، تعرب دول مجلس التعاون الخليجي باستمرار عن قلقها من إمكانية زعزعة دولة إيران النووية لاستقرار المنطقة وأنها قد تعرض أمن هذه الدول وسيادتها الاقتصادية للخطر في المنطقة. ولكن يوجد قدر كبير من الاختلافات بين سياسات دول الخليج منفردة ومواقفها تجاه إيران.

على سبيل المثال، يوجد في الإمارات العربية المتحدة أقلية فارسية عرقية كبيرة ذات نفوذ، وهي أكبر دولة تدخل في شراكة تجارية مع إيران في العالم العربي، حيث وردت ما يزيد على 19.3 في المائة من الواردات الإيرانية عام 2009. ويعتقد أن الأقلية الفارسية تستحوذ على نحو 20 في المائة من اقتصاد دبي (وتشكل نسبة مساوية لعدد سكان دبي)، ودون شك لعبت دورا كبيرا في مضاعفة حجم التبادل التجاري بين الإمارة وإيران إلى ثلاثة أضعاف ما بين عامي 2005 و2009 ليصل إلى 12 مليار دولار.

من جانب آخر، تعتبر المملكة العربية السعودية، التي تعد زعيما غير معلن للعالم الإسلامي السني، إيران نظيرا شيعيا وتهديدا إقليميا. ولكن لعدة أسباب، لا تحسم الرياض موقفها من تأييد عقوبات الأمم المتحدة على إيران من عدمه.

وبغض النظر عن تعقيد العلاقات بين تلك الدول وإيران، يركز قليل من المراقبين على التجارة المزدهرة، المشروعة وغير المشروعة، بين إيران وبعض من أقرب جيرانها مثل الأكراد. تحيط المناطق الكردية العراقية والتركية والأرمينية تقريبا بجميع الحدود الشمالية الغربية الإيرانية. ويرتبط الأكراد الذين يعتبرهم كثيرون أكبر شعب بلا دولة بعلاقات عرقية وثقافية ولغوية وثيقة مع إيران، التي يسكن بها أقلية كردية كبيرة (تقدر نسبتها بـ7 في المائة من إجمالي السكان في البلاد).

وفي حين لا تتجاوز قيمة العلاقات الثنائية بين إيران و(المناطق الموجودة خارج حدود الدولة في) كردستان حجم التبادل التجاري بين إيران وأهم شركائها التجاريين، فإن عدم الانتباه للوضع يشير إلى احتمالية عدم فعالية العقوبات الاقتصادية.

في شهر أبريل (نيسان) الماضي، صرح فايز علي خورشيد، العضو البارز في المجلس التشريعي في إقليم كردستان العراق، لوكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية في إيران، قائلا: «سيرتفع حجم التبادل التجاري بين إقليم كردستان العراق وإيران (من ملياري دولار) إلى 4 مليارات دولار في العام الحالي».

وهذا المبلغ هو مقدار التجارة «الشرعية» فقط بين إيران وإقليم كردستان «العراق». وفي شهر مايو (أيار) الماضي، نشر سام داغر في صحيفة «نيويورك تايمز» كشفا يزعم أن: «مئات الملايين من الدولارات قيمة النفط الخام والمنتجات المكررة يتم تهريبها عبر جبال إقليم كردستان العراق (إلى إيران) سنويا»، مضيفا أن «يوما بعد يوم، دون تفويض رسمي من بغداد، تسير ناقلات عبر هذه البلدة الواقعة على الحدود العراقية مع إيران.. لتقوض العقوبات الأميركية الأخيرة».

وتقدم التضاريس الجبلية الوعرة في كردستان ميزة طبيعية للسكان المحليين والأجانب على حد سواء الذين يتهربون من دوريات حرس الحدود، وهو الدرس القاسي الذي تعلمه شين باور وسارة شرود وجوش فاتال، وهم الأميركيون المشهورون الذين أصبحوا أسرى لدى إيران، بعد أن عبروا الحدود الإيرانية صدفة وهم يتنزهون.

بالإضافة إلى ذلك، ربما يجد الأكراد، وهم شعب بلا دولة أو امتيازات، أكبر مكسب من التجارة المستمرة والمتزايدة مع إيران. وبالنسبة لتركيا والعراق أيضا، تبدو مئات الملايين من الدولارات وكأنها مجرد أرقام. أما بالنسبة للأكراد العراقيين والأتراك، من الممكن أن تعني مئات الملايين الدولارات تغييرات ملموسة في اقتصادهم المحلي أو حتى في إجمالي مستويات معيشتهم.

وفي شهر أغسطس (آب) الماضي، نشرت «بي بي سي» مقالا يوضح الحجم الذي يهرب به الأتراك ذوو العرقيات المختلفة والأكراد في تركيا، سلعا من إقليم كردستان التركي بصورة ثابتة وسرية إلى إيران. وتتنوع البضائع المهربة من الفواكه المحلية إلى قطع غيار الطائرات، مما يشير إلى أن كل شيء متاح أمام الإيرانيين في مقابل المال.

ولعل أهم متغير يجب أن يضعه المجتمع الدولي في الحسبان لدى مناقشة احتمالية معاقبة إيران، أو أية دولة لهذا السبب، عن طريق فرض عزلة اقتصادية: حتما ستهدد الحدود التي يمكن النفاذ من خلالها، والشركاء التجاريون الماكرون، وإن كانوا صامتين، فعالية العقوبات.

 

* جون وينبرغ - خريج جامعة هارفارد عام 2009، حيث درس الحكم ولغات وحضارات الشرق الأدنى. وهو يقيم حاليا في مدينة نيويورك حيث يعمل صحافيا حرا مهتما بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

font change