الحكم بالإعدام على طارق عزيز

الحكم بالإعدام على طارق عزيز

[escenic_image id="55200461"]

للاستعراض، أم لتحقيق العدالة؟ تلك هي التوصيفات المختلفة التي أحاطت بالحكم على طارق عزيز الذي قضى به القاضي محمود صالح الحسن. عزيز، الذي سيعدم شنقا لمشاركته في إعدام 42 تاجرا، كان وزير الخارجية في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الفترة من 1983 إلى 1991 وكان نائب رئيس الوزراء حتى سقوط النظام في 2003. وكان طارق عزيز قد أدين من قبل لمشاركته في حملة إعدام وقتل أعضاء في المعارضة الشيعية، والأقلية الكردية بالإضافة إلى أعضاء في حزب الدعوة الشيعي.

وجدير بالذكر أن طارق عزيز، البالغ من العمر أربعة وسبعين عاما قد خضع للمحاكمة من قبل في أبريل (نيسان) 2008 بتهمة إعدام التجار الذين يزعم أنهم تلاعبوا بأسعار الأغذية في يوليو (تموز) 1992 خلال ذروة المشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد نظرا للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق. وعلى الرغم من أنه أنكر التهم الموجهة إليه، فقد حكم عليه بالفعل بخمسة عشر عاما في ذلك الاتهام وسبعة أعوام أخرى نظرا للنزوح القسري الذي تعرض له الأكراد. وكان ينتظر محاكمته فيما يتعلق بمذبحة الأكراد في 1982. ولا تبشر السوابق بخير بالنسبة لطارق عزيز، حيث إن مثل تلك التهم قد انتهت بالفعل بأحكام بالإعدام لاثنين من الإخوة غير الأشقاء لصدام حسين وهما وطبان إبراهيم الحسن وسبعاوي إبراهيم الحسن.

وعلى الرغم من أن عزيز كان جزءا من نظام صدام حسين ولديه على الأقل سجل سيئ فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فإن هناك شكوكا حول أن الحكم بإعدامه ما هو إلا محاكمة استعراضية تستهدف التأكيد على أن حزب البعث هو مصدر كافة مشكلات العراق.

وربما يكون الأكثر أهمية، أن هناك مسألتين تشيران إلى أن محاكمة طارق عزيز تمثل مناورة سياسية أكثر من كونها تحقيقا للعدالة. أولا، هو استقلالية القضاء العراقي المشكوك فيها. وثانيا، هو تأثير الحكم بالإعدام على أحد الأعضاء البارزين لحزب البعث على قدرة المالكي على بناء تحالف قوي بين الأهداف السابقة لحزب البعث.

وقد أثيرت مسألة القضاء العراقي في بداية العام الحالي وقبل انتخابات 7 مارس (آذار) عندما تم استبعاد المئات من المرشحين نظرا لوجود صلات بينهم وبين حزب البعث، مما يطرح التساؤلات حول قوة الديمقراطية العراقية الوليدة خاصة في ظل احتمالية تورط القضاء في انتخابات غير عادلة. وعلى الرغم من التوصل لاتفاق بشأن للقضاء على الجهود التي تستهدف التخلص من وجود حزب البعث في صفوف الحكومة، هناك طرق بديلة لإزالة عناصر إرث صدام حسين بعيدا عن إقصاء الأعضاء السابقين في حزب البعث عن الترشح. وأخذا في الاعتبار تاريخ الهيئة القضائية، يقول البعض إنه من السذاجة أن نتوقع أن تصدر قرارا موضوعيا بشأن جرائم طارق عزيز.

وعلى الرغم من أن عزيز لم يعد يعمل بالسياسة؛ حيث كان محتجزا منذ أن سلم نفسه للقوات الأميركية في 2003 - فإن وضعه كأحد الأعضاء البارزين في حزب البعث وإدارة صدام حسين يضعه ويضع الحكم عليه في وضع رمزي للغاية. وربما يكون ذلك صحيحا تماما في ظل رغبة الحكومة في استعراض أنها تتخذ موقفا متشددا في عقاب حزب البعث على جرائمه السابقة. والأكثر إثارة للشكوك هو أن حزب الدعوة الذي يترأسه المالكي كان قبل ذلك هدفا لحزب البعث.

يقول القول المأثور إن عدو عدوي هو صديقي، ويبدو أن تلك هي السياسة التي تبناها المالكي في محاولته لتأمين حصوله على منصب رئيس الوزراء القادم. فيقول جيمس دنسلو من «هافنغتون بوست»: «لقد أصبحت السياسة في العراق طائفية على نحو متزايد خلال العام الماضي وقد اضطر المالكي إلى التودد إلى المزيد من الأحزاب الشيعية الراديكالية لكي يتمكن من تشكيل تحالف فعال». ويمثل الحكم بالإعدام على العدو المفترض لتلك الأحزاب الشيعية الراديكالية حافزا محتملا بخلاف أي تدخلات ربما تكون قد حدثت في كواليس قرار القاضي الحسن.

ومع ذلك، فإن هناك مصادر قد تحدثت عن مزاعم تسييس قرار المحكمة في إطار آخر بخلاف محاولة تأمين حصول المالكي على مجلس الوزراء. فقد زعم محامي طارق عزيز الذي يقيم في الأردن أن الهدف من ذلك الحكم هو «تحويل الانتباه عن التصريحات الأخيرة الخاصة بإساءة معاملة السجناء على يد قوات الأمن العراقية التي ظهرت في وثائق الجيش الأميركي التي سربها موقع (ويكيليكس) الأسبوع الماضي».

وفقا للإذاعة المحلية. فيما ربط آخرون بين زيارة المالكي الأخيرة لإيران باعتبارها عاملا آخر من العوامل المسؤولة عن الحكم بإعدام طارق عزيز زاعمين أنه نظرا لأنه كان وزير الخارجية خلال الحرب الإيرانية - العراقية، فإن عزيز يحظى بكراهية كافية بين النخبة الحاكمة في إيران للحث على المشاركة في محاكمته. وعلى أية حال فإنه لا يوجد ما يدعم تلك الادعاءات في الوقت الراهن.

ولكن المؤكد هو القيمة التي يمثلها موقع عزيز في نظام صدام حسين. فقد ولد طارق عزيز في أسرة مسيحية عربية وكان يحمل اسم ميخائيل يوحنا وغيره لاحقا إلى طارق عزيز. وهو ما يجعله واحدا من المسيحيين القلائل في الحكومة المسلمة السنية التي كانت تهيمن عليها العشيرة التكريتية. وعلى الرغم من أن وضع أسرته المادي كان متواضعا – كان أبوه يعمل نادلا - فقد تمكن من دراسة الأدب الإنجليزي بجامعة بغداد قبل أن يلتحق بالعمل في الصحافة. وكانت أول علاقته بالعمل السياسي هو العمل كرئيس تحرير مجلة حزب البعث.

وعلى الرغم من أن أول منصب وزاري يلتحق به كان في السبعينات كوزير للمعلومات فإنه سرعان ما حصل على عدد من المناصب وتمكن من تجاوز القمع التقليدي للطغاة المصابين بالبارنويا. في 1977، انضم طارق عزيز لمجلس إدارة الثورة، لجنة من المسؤولين البعثيين التي كانت تحكم البلاد فعليا.

وكان المنحى الأكثر أهمية في تاريخه المهني ونشأته هو ما استطاع عزيز عمله كوزير للخارجية. جدير بالذكر أن عزيز قد حظي بالدعم الأميركي في صراع العراق مع إيران الذي امتد لثماني سنوات فيما حافظ على الروابط الاقتصادية مع الاتحاد السوفياتي. وقد اتضحت مهارته كدبلوماسي مرة أخرى في دولة تفتقر إلى حد كبير إلى الشعبية عندما تمكن من استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة بعد لقائه مع الرئيس رونالد ريغان ووزير الخارجية جيمس بيكر.

وعلى الرغم من براعته كما اتضح في لعبة موازنة الحسابات الواقعية للولايات المتحدة، فإن رفضه لقبول الخطاب الذي وجهه الرئيس جورج بوش إلى صدام حسين يشير إلى حتمية الغزو الأميركي للعراق. وحتى التدخل الديني أو لقائه مع البابا جون بول الثاني في ربيع 2003 كان قادرا على القضاء على مخاوف الولايات المتحدة من الحكومة التي يمثلها.

والآن ما زال عزيز يمثل العوامل السلبية المرتبطة بحكومة صدام حسين. وربما يكون الأكثر إحباطا بالنسبة له هو أن نتائج محاكمته سوف تكون انعكاسا لما سيكون مفيدا على المستوى السياسي بالنسبة لمستقبل بعض السياسيين العراقيين أكثر من كونها عرضا لأهمية القرارات القضائية عندما يتعلق الأمر بالمصالحة في دولة مثل العراق، مزقتها الحرب والطائفية.

 

* بولا ميغيا.

font change