لصايب إغنر ومعرض ساتشي

لصايب إغنر ومعرض ساتشي

[escenic_image id="55109796"]

خلال الأعوام الخمسة الماضية، اتجهت أنظار العالم صوب الفن المعاصر للشرق الأوسط. وذلك حيث ساهمت الزيادة الهائلة في تمويل المؤسسات الفنية الرسمية بالإضافة إلى تنافس القطاعات الثقافية التي تسعى لجذب الانتباه الدولي على تأسيس تاريخ وطني في دفع تطورات مهمة في الخليج في أماكن مثل دبي وأبوظبي والشارقة والدوحة. وفي ظل خطط إنشاء فروع لمتحف اللوفر ومتحف غوغنهايم في الإمارات، نشأت معارض تجارية راقية كثيرة، كما وضعت دار المزادات العملاقة «كريستي» قدما لها في السوق الفنية منذ عام 2006. وعلى الرغم من تعرض نشأة الساحة الفنية في الخليج إلى الثناء والانتقاد في الوقت ذاته، كان هناك شيء واحد ليس مثارا للجدل وهو التأثير الهائل لها على باقي المنطقة؛ فقد كان على المراكز الثقافية الريادية مثل القاهرة وبيروت إعادة تقييم موقعها؛ من خلال مساعي الفنانين والمثقفين لاستغلال الفرصة للحصول على التأييد الدولي لجهودهم، بالإضافة إلى مساعي أصحاب المعارض الحثيثة لجذب العملاء الأجانب.

كما أصبحت المؤسسات الفنية المرموقة مثل مؤسسة «أشكال وألوان» اللبنانية ومعرض «تاونهاوس» المصري اللذين ساهما في تشكيل الفن المحلي المعاصر من خلال تقديمهما للمبادرات رغم عدم تلقيهما للدعم من المؤسسات دائمة الوجود في أوساط الفن العالمية. وساعد ذلك الاهتمام المتزايد أيضا على زيادة نجاحات الفنانين خاصة هؤلاء الذين ينتمون إلى جيل ما بعد الحرب في لبنان والذين بدءوا العمل من خلال وسائط جديدة في أواسط التسعينات، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة من فلسطينيي الشتات الذين يعملون بانتظام في الأراضي الفلسطينية رغم نشاطهم أيضا في الساحة الفنية الغربية.

وفي ظل ذلك الزخم كانت هناك موجة من الاحتفاليات والمشاريع التي تستهدف تحقيق المصالح. ففي البداية كانت هناك المعارض الضخمة التي نظمتها مؤسسات عريقة مثل «المتحف البريطاني» و«متحف الفن الحديث بنيويورك». وعلى الرغم مما أثارته تلك المحاولات من جدل، فإنها مثلت نافذة للفنانين المعاصرين المرموقين والساحات الفنية.

في البداية، كانت المؤسسات الفنية المرموقة تنظم المعارض والمؤتمرات التي تغطي شمال أفريقيا وغرب آسيا. والآن بعدما تشبع عالم الفن العالمي بالفنانين العرب والإيرانيين، أصبحت الخطوة التالية هي نشر المطبوعات حول القضية.

وفي ظل بزوغ تلك المنطقة باعتبارها بقعة ثقافية، تحولت فكرة أن الفنانين والمثقفين يعملون في الفراغ من شيء يتم ذكره على نحو عابر بين أمناء المتاحف ورؤساء المؤسسات غير الربحية إلى حقيقة معترف بها سرعان ما تداولها العالم الفني الدولي وتحولت لاحقا إلى فرضية مفادها أن المنطقة تفتقر إلى الأكاديمية التاريخية والنقد الفني بشكل عام.

وقد برز نصان في ذلك السياق هما كتاب «اللا محتجب: فن جديد من الشرق الأوسط» وكتاب صايب إغنر «فن الشرق الأوسط: الفن الحديث والمعاصر للعالم العربي وإيران». والكتابان صدرا في لبنان ويعكسان مستويات متنوعة من التقارب.

يبدأ كتاب «اللا محتجب: فن جديد من الشرق الأوسط» الذي كان مصحوبا بمعرض نظمه معرض فني مرموق بلندن بمقدمة كتبتها ليزار فرجام مؤسسة ورئيس تحرير مجلة «بدون» الثقافية والفنية. وقد حصلت تلك الدورية منذ صدورها في 2004 على قطاع معقول من الجمهور والنقاد وهي تغطي مجموعة منتقاة من الفنانين والأحداث وتشق لنفسها مكانا وسط الطبقات الراقية للمجتمع الإماراتي.

وتقدم مساهمة فرجام في الكتاب نظرة سريعة ومختصرة على تكوين ساحة الفن الحديث والمعاصر في العالم العربي وإيران وتحاول إلقاء الضوء على كيفية فضح الفنانين للأنماط السائدة. ويعج الكتاب بالمعلومات كما يقدم عرضا ملائما للمشهد الفني بالنسبة للمبتدئين.

وبدءا من مقدمة فرجام، يقدم كتاب «اللا محتجب» إعادة إنتاج خلاقة للرسم والفن التشكيلي والتصوير من خلال الفنانين الشباب والناشئين المعروفين في الإمارات الذين بدأوا لتوهم في جذب انتباه المهتمين بالفن الدولي. وربما يكون من أكثر هؤلاء الفنانين شهرة الفنانة الإيرانية شادي غادريان التي تجمع أعمالها بين الجرأة والقسوة. فقد أصبحت مجموعة صورها «على غرار الحياة اليومية» التي تصور أشخاصا يرتدون الشادور ووجوههم محجوبة بأشياء عادية مثل المكنسة أو براد الشاي من مرادفات الفن الشرق أوسطي والأعمال النسوية التي تلقى إعجاب المسؤولين الأجانب عن الفنون. وذلك لا يقلل من عبقرية صور غادريان ولكنه يشير إلى الاتجاه الذي يقيم عبره عالم الفن العالمي هؤلاء الفنانين بما في ذلك معرض ساتشي.

وبتأمل الكتالوج الضخم، يصبح من الواضح أن الساحة الفنية البريطانية تسعى لتلبية رغبات المسؤولين عن الفن؛ فالأعمال المقدمة داكنة ومتأثرة إلى حد كبير بالفنانين الأميركيين والأوروبيين المرموقين مثل فيليب غاستون، وفرانسيس بيكون، وأنسلم كيفر، ومنى هتوم. كما أنها تصطبغ بالصبغة السياسية. وهناك عدد من الفنانين الذين تعاملوا مع الشغف الجنسي والقضايا المتعلقة بالجنس، فيما كان الباقي يتناول مواضيع ذات صلة بالحرب والصراعات السياسية. وعلى الرغم من أن تلك المواضيع يتم تناولها في العادة على أنها مواضيع شديدة الأهمية فإنه يتصادف أن يراه الغرب على أنه يمثل المنطقة على نحو خاص، ويمثل العدسة الثقافية الدائمة التي استخدمت لتعزيز الأفكار السائدة حول العالمي العربي والإسلامي.

وعلى الرغم من أن فاجرام محقة في إصرارها على أن أعمال «اللا محتجب» «تمثل خطوة واحدة لتجاوز سحر الولع» فإن تعريف معرض ساتشي بأنه «فن جديد من الشرق الأوسط» يقول عكس ذلك.

وهناك ميزة مختلفة وهي أن عالم الإنسانيات ورجل الأعمال صايب إغنر الذي يعكس كتابه «فنون الشرق الأوسط» اهتماما. وبمساعدة فريق متخصص واستشارة عدد من الفنانين، والمعارض والمسؤولين عن المتاحف الموجودين في بيروت والقاهرة وطهران والدوحة ودبي، كان إغنر قادرا على أن يصنع دراسة تشتمل على ما يزيد عن 200 فنان و450 صورة. وذلك غير مسبوق. وعلى الرغم من أنه كان باهرا من حيث نطاق تغطيته - بدءا من أوائل فناني الفن الحديث في مصر مثل محمود سعيد (1897 - 1963) إلى الفنانين المعاصرين اللبنانيين الواعدين مثل أسامة بعلبكي (المولود في 1978) - هناك فجوات كبيرة في تغطية الكتاب.

فعلى سبيل المثال تم استبعاد بعض الشخصيات المهمة مثل الرسام الفلسطيني سليمان منصور، والفنانة اللبنانية لمياء جورجي والفنان التشكيلي العماني حسن مير. ولم يقدم هؤلاء الفنانون فنا ترك تأثيرا على الأجيال اللاحقة فقط بل إنهم ساهموا كذلك في تطور الساحات الفنية التي يعيشون بها. فقد شارك منصور في تأسيس مركز «الواسطي للفنون» في التسعينات، وهو يدرس حاليا في الأكاديمية الدولية للفنون بالضفة الغربية. كما شارك جورجي مؤخرا في تأسيس مركز «بيروت للفنون» وعزز مير استخدام الوسائط الجديدة والأعمال التشكيلية في الخليج من خلال معارض مجموعة «الدائرة» التي ساهمت في جذب هدد من الفنانين إلى مسقط. كما أنه أغفل أيضا عددا من الفنانين في الشتات وكان من أبرزهم إيملي جاسر التي تعيش وتعمل بين نيويورك ورام الله وساعد نجاحها في الفترة الأخيرة على جذب الانتباه للفن الفلسطيني.

كما أعطى الكتاب «فنون الشرق الأوسط» سمة منفصلة هو تنظيم الكتاب للفنانين الذين يشتمل عليهم. حيث كان الأمر أشبه بنسخة ممتدة من الكتالوج الذي كان مرافقا لمعرض مجموعة المتحف البريطاني «الكلمة في الفن» (2006) الذي كان إغنر هو أحد كبار المستشارين فيه من كونه دراسة شاملة. وتم تقسيم الأعمال الفنية وفقا للمواضيع العامة مثل استخدام فن الخط والصور الشخصية. وهو ما يمكن أن يكون مشتتا للقارئ الذي ليست لديه دراية واسعة بالفنانين في الكتاب، كما أنه يضر بالتأريخ لفنون الشرق الأوسط بصفة عامة لأنه يحد من فهمنا لوظائف وتوجهات ومدارس مهمة.

ويتم تقديم التحليل للفنانين وأعمالهم من خلال فقرات تبرز كيف أنهم يستخدمون أنماطا خاصة يتم تقديمها من خلال إعادة الإنتاج وهو منحى يلائم كتالوج أحد المزادات وليس كتابا يسعى لأن يكون محل ثقة. وعلى الرغم من أن إغنر يقدم نظرة مهمة على تطور الفن المعاصر فإنه يأتي على شكل مقدمة مختصرة. وفي النهاية فإن تحليله يشتمل على صور في أشد الحاجة إلى إطار من التاريخ الفني.

ولكي يبدأ المجتمع الدولي في فهم المشهد الإبداعي الحي الذي شكل الفن العربي والإيراني، فإن تلك الأنواع من المنشورات يجب أن تلقي مزيدا من الاهتمام على تأريخ الحركات الفنية والتطور الفني وتقدم المشاهد الفنية المحلية. وعندها يتم تنظيم فنون تلك المنطقة على نحو ملائم.

«اللا محتجب: فن جديد من الشرق الأوسط»

معرض ساتشي

و«فنون الشرق الأوسط: الفن الحديث والمعاصر للعالم العربي وإيران» لصايب إغنر

*ميمنة فرحات: مؤرخة فنية متخصصة في الفن العربي الحديث والمعاصر. تعيش في نيويورك.

font change