سباق تسلّح في الشرق الأوسط

سباق تسلّح في الشرق الأوسط

[caption id="attachment_938" align="aligncenter" width="620" caption="صواريخ "صنع في كوريا" للبيع لمن يدفع أكثر "]صواريخ "صنع في كوريا" للبيع لمن يدفع أكثر [/caption]

ويتسبب تأثير هذه الشبكة في تنامي مخاوف العديد من الدول الشرق أوسطية، بل وأيضا دبلوماسيين أميركيين وقوات موجودة في المنطقة.
عقب الهجوم الذي شنته كوريا الشمالية أخيرا على كوريا الجنوبية، تساءل وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن كيف سيتمكن العالم من ردع إيران إذا لم يستطع التعامل مع الدولة الآسيوية. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتحدث فيها ليبرمان علنا ضد كوريا الشمالية. في العام الماضي، اتهم ليبرمان نظام كيم جونغ إيل بتهريب أسلحة إلى حماس وحزب الله. وفي حين ربما تكون المقارنة بين كوريا الشمالية وإيران بعيدة، فإن ليبرمان على حق في ما قاله بشأن الانتشار النووي من بيونغ يانغ إلى الشرق الأوسط. في الحقيقة، تملك كوريا الشمالية شبكة انتشار صواريخ بالستية وتكنولوجيا نووية متقدمة في المنطقة. وعلى الرغم من أن إيران أشهر زبائنها، فإنها ليست الوحيدة. سورية هي ثاني أهم زبون لكوريا الشمالية في الشرق الأوسط بعد إيران.

ألقى القصف الإسرائيلي في عام 2007 للمفاعل النووي الذي صممته كوريا الشمالية في الكبر شمال سورية الضوء على العلاقة الوثيقة التي تجمع بين بيونغ يانغ ودمشق. ولكن بدلا من وقف التعاون بين الدولتين، يبدو أن القصف ساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بينهما. واتهم تقرير تم إعداده بتكليف من الأمم المتحدة ونشر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كوريا الشمالية بتقديم مساعدات في عمليات «تصميم وإنشاء مفاعل حراري في دير الزور». وأشار التقرير أيضا إلى أن السلطات الكورية الجنوبية صادرت شحنة حاويات كورية شمالية متجهة إلى سورية تحتوي على ملابس عمل واقية قد تستخدم للحماية من المواد الكيماوية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009. لا شك في أن نظام كيم جونغ إيل يساعد حكومة بشار الأسد على تطوير برنامجها النووي، الذي لا يعرف عنه سوى القليل نسبيا.

وتعد مصر زبونا آخر مهما لكوريا الشمالية. أشار تقرير صدر أخيرا عن مركز أبحاث الكونغرس الأميركي إلى أن بيونغ يانغ تمول القاهرة بتكنولوجيا إنتاج الصواريخ منذ سنوات عدة وحتى الآن. ويرجع تاريخ العلاقات بين كلتا الدولتين إلى نهاية السبعينات، عندما أمدت مصر كوريا الشمالية بصواريخ «سكود ب» في مقابل الدعم الذي قدمته بيونغ يانغ في حرب أكتوبر. اليوم، تنقل كوريا الشمالية الصواريخ إلى مصر، مما يوضح مدى تعقيد برامجها لأسلحة الدمار الشامل. وتتحفظ الحكومة الأميركية في الانتقاد العلني لوجود علاقات عسكرية بين دولة صديقة في الشرق الأوسط وكوريا الشمالية. وتأتي مشتريات مصر للصواريخ كإحدى الوسائل التي تحاول بها الدولة تحقيق التوازن أمام البرنامج النووي الإيراني، بما يخدم المصالح الأميركية في المنطقة.

ومن جانبه أيضا، أصبح حزب الله عميلا مهما لكوريا الشمالية، حيث يرجع تاريخ العلاقات بين الحزب في جنوب لبنان والدولة الآسيوية إلى الثمانينات. ويحصل حزب الله اليوم على الأسلحة والتدريب على حرب العصابات من كوريا الشمالية. وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2009، صادرت تايلاند طائرة كورية شمالية كانت تحمل أسلحة مرسلة إلى الحزب.

ويؤكد ذلك الشكوك في وجود شبكة توريد من بيونغ يانغ إلى لبنان. وفي سياق متصل، ألقت إسرائيل باللوم بسبب عدم قدرتها على هزيمة حزب الله في حرب عام 2006 على تدريب حرب العصابات الذي تلقاه مقاتلو حزب الله في كوريا الشمالية، بالإضافة إلى الأنفاق التي أنشئت وفقا لمواصفات وضعتها الدولة الآسيوية. ويوضح ذلك مدى التقارب الذي قد تكون عليه العلاقات بين نظام كيم جونغ إيل والجماعات غير التابعة للحكومات في الشرق الأوسط.

علما بقوة شبكة الانتشار النووي الكورية الشمالية في الشرق الأوسط، تشارك بعض الحكومات في المنطقة بصورة أكبر في الجهود الدولية المبذولة لوقف صادرات بيونغ يانغ. في يوليو (تموز) عام 2009، صادرت الإمارات شحنة عسكرية متجهة إلى إيران. وورد أن دولا مثل السعودية والكويت طلبت من الولايات المتحدة أن تضمن نقل أقل قدر من التكنولوجيا والأسلحة النووية من كوريا الشمالية إلى الشرق الأوسط، حيث إنه من غير المجدي إيقاف تلك الشحنات تماما. وكما يشكل البرنامج النووي في كوريا الشمالية مخاوف كبيرة بين أصدقاء الولايات المتحدة، فإنه يمثل الأمر ذاته بالنسبة لحلفائها في شرق آسيا.

وتقف عقبتان أساسيتان أمام من يسعون إلى إضعاف شبكة الانتشار النووي لكوريا الشمالية في الشرق الأوسط. العقبة الأولى والأهم هي المال. تسعى كوريا الشمالية التي تعاني من ضائقة مالية جراء انخفاض حجم تجارتها مع أكبر شركائها التجاريين، الصين وكوريا الجنوبية، إلى تنويع مصادر اقتصادها. وتعد التكنولوجيا النووية وأسلحة الدمار الشامل بالنسبة لها المنتجين الوحيدين اللذين يجعلانها تستطيع المنافسة على مستوى دولي. ويظهر الشرق الأوسط، الذي يضم دولا ثرية تشترك منذ عقود في سباق للتسلح، كسوق مثالية لبيونغ يانغ. وتعني الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على حلفائها، لعدم بيع أسلحة أو مواد نووية إلى دول معينة في المنطقة، أن قائمة الموردين المحتملين قصيرة. وتتصدر بيونغ يانغ تلك القائمة، نظرا للمرحلة المتقدمة التي وصل إليها برنامجها النووي ورغبتها الأكيدة في نقل تكنولوجيا الإنتاج والمنتجات النهائية. وكلما استمر الانتشار تزداد الشبكة قوة، مما يجعل من كوريا الشمالية موردا أكثر جذبا.

بالإضافة إلى ذلك، تعلم حكومة كيم جونغ إيل أن انتشار التكنولوجيا النووية وأسلحة الدمار الشامل أحد الخيارات القليلة المتبقية لديها، في ما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من التوترات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية، فإن معظم المحللين يتفقون على أنه من غير المرجح أن تبدأ كوريا الشمالية في حرب واسعة النطاق قد تسفر في النهاية عن هزيمتها. لذلك تسير العلاقات بين بيونغ يانغ وواشنطن في ظل إدارة باراك أوباما الآن في النهج المعتاد الذي يعتبر بموجبه أي تصرف يصدر عن بيونغ يانغ استفزازا يؤدي إلى الإدانة الأميركية. ولكن من الممكن أن يقدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط وسيلة لكسر هذا النهج ويجعل واشنطن تجتمع مع بيونغ يانغ على طاولة المفاوضات، وهو ما يسعى نظام كيم جونغ إيل إلى تحقيقه. وكما قال المدير السابق للشؤون الآسيوية في مجلس الأمن القومي الأميركي فيكتور دي تشا: «جميع الاستفزازات التي تقوم بها كوريا الشمالية، عاجلا أم آجلا تتبعها مفاوضات».

والانتشار النووي أحد تلك الاستفزازات. وربما تستعد الولايات المتحدة لتقديم بعض الحوافز لكوريا الشمالية في مقابل وقف الشحنات النووية والصاروخية إلى إيران وسورية وحزب الله. وقد تجعل الحوافز الاقتصادية والدبلوماسية المناسبة كوريا الشمالية توافق وتنهي شبكة الانتشار النووي في الشرق الأوسط. فالحوار، وليست العقوبات، هو الوسيلة الأفضل لوقف انتشار السلاح النووي من كوريا الشمالية.

رامون باتشيكو
font change