إسرائيل تعيد اكتشاف اليونان

إسرائيل تعيد اكتشاف اليونان

[caption id="attachment_910" align="aligncenter" width="620" caption="باباندريو و نتنياهو.. حلف جديد يتشكل في منطقة المتوسط "]باباندريو و نتنياهو.. حلف جديد يتشكل في منطقة المتوسط  [/caption]
فتحت جبهة جديدة في شرق البحر المتوسط في إطار الصراع الاستراتيجي الإقليمي بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وتحالف غير منظم بين أطراف من بينها تركيا وإيران وسورية من جانب آخر.

تم التمهيد للتحالف الجديد مع إسرائيل في العام الماضي في روسيا أثناء مقابلة تردد أنها وقعت بالمصادفة في أحد المطاعم بين رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كان تكتل النفط الروسي «غازبروم» مهتما بالفعل بمخزون الطاقة الهائل الذي اكتشف في شرق البحر المتوسط، ويقدر حجمه بحوالي 4.3 مليار متر مكعب من النفط وكمية مذهلة تقدر بـ16 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وكان من المناسب إطلاق اسم ليفياثان على الحقل.

وتعزز التقارب اليوناني - الإسرائيلي في يونيو (حزيران) الماضي، بعد الغارة الإسرائيلية الدموية التي استهدفت أسطول المساعدات الإنسانية المتجه إلى غزة. يحمل رئيس وزراء اليونان نصف الأميركي إعجابا بأخلاقيات العمل اليهودية، ويحتفظ بمستشارين مثل عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل جوزيف شتيغلتز, وقد تبادل الزيارات مع نظيره الإسرائيلي طوال الصيف، حتى مع استكمال جولاته إلى دول مثل ليبيا، لجذب الاستثمار العربي. وفي حين ارتفع عدد السياح العرب إلى تركيا ليتجاوز مليون سائح في العام الماضي، انخفضت أعداد السياح الإسرائيليين. واتبع العديد من الإسرائيليين النموذج الذي يمثله لهم رئيس الوزراء، الذي اعتمد العلاقات الجديدة باصطحاب أسرته في عطلة إلى الجزر اليونانية.

وتسعى إسرائيل في الوقت الحالي إلى مد خط أنابيب عبر البحر المتوسط إلى اليونان، والاستفادة من حقل ليفياثان معا. ويعد الحقل الذي يمتد من ساحل إسرائيل إلى قبرص مرورا بمناطق في المياه الإقليمية المصرية واللبنانية أكبر مخزون للغاز الطبيعي يتم اكتشافه تحت عمق البحر منذ عشرة أعوام. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات الإقليمية، رفضت الأمم المتحدة طلبا لبنانيا لحل النزاع، وأعلن السفير الإيراني في بيروت أن ثلاثة أرباع الحقل ملك للبنان، ورفض وزير الخارجية التركي الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود الملاحية بين قبرص وإسرائيل والتي تفتح الطريق أمام الحفر. ودخلت شركة «غازبروم» الروسية المحتكرة في الصراع، ويمهد كل ذلك لاندلاع الحريق التالي في المنطقة.

ولا تنتهي التوترات المتعلقة بالطاقة عند هذا الحد. في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أرسلت تركيا سفينتين للتنقيب عن النفط إلى مياه شرق البحر المتوسط المتنازع عليها، مما أدى إلى احتجاج اليونان. في المنطقة المتوترة عادة، حيث يخوض جنود يونانيون وأتراك يوميا تجارب على المعارك الجوية، أصبح احتمال وجود تصعيد كبيرا. وفي قضية تنظر فيها المحكمة في الوقت الحالي في تركيا، وجهت اتهامات لأفراد في الجيش التركي بالتخطيط لإشعال حرب مع اليونان كذريعة للقيام بانقلاب عسكري ضد الحكومة الحالية.

ومن وجهة النظر اليونانية، من الممكن أن يجتذب التعامل مع إسرائيل استثمارات إسرائيلية ومهارات تكنولوجية إلى اقتصادها المنهار، ويضمن أيضا مبيعات أسلحة معقدة، ويفوز بحماية مؤثرة يمكنها أن تحبط مساعي تركيا النشطة من جديد والتي تضع عينها على مخزون الطاقة في حقل ليفياثان وبحر إيجة.

قال سوتيريس روسوس، مدير مركز الدراسات المتوسطية والشرق أوسطية والإسلامية في جامعة بيلوبونيز اليونانية: «يريد باباندريو أن يجذب اهتمام الأعمال التجارية الإسرائيلية بالاقتصاد اليوناني وربما يجذب الشركات الأميركية أيضا من خلال القدس. ويريد إعادة تقديم اليونان كطرف ذي مصالح طبيعية محددة في شرق البحر المتوسط».

يزداد حجم التبادل التجاري بين اليونان وإسرائيل، والذي يبلغ حاليا نحو نصف مليار دولار سنويا، بنسبة 12 في المائة كل عام.

ومن جانبها، تبدو إيران مرتبكة أيضا. في زيارة إلى اليونان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عرض وزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متكي على اليونان مكانة «شريك مفضل»، ولكن كانت عباراته «بلاغية ومتملقة أكثر من كونها ذات خطة منظمة»، وفقا لما صرح به مسوؤل مطلع في وزارة الخارجية اليونانية. ولم يقدم متكي أي تفاصيل عما ستحصل عليه اليونان في مقابل تأييدها لطهران في بروكسل.

قال المسؤول: «أجبنا بأدب شديد بأننا سندرس عرضهم، وتوقفنا عند هذا الحد»، مشيرا أيضا إلى وصف أحد مسؤولي السفارة الإيرانية التدابير الأمنية في مطار أثينا على أنه «مطار دولي وفقا لمعايير الناتو».

وفي الشهر ذاته الذي تقدم فيه متكي بعرضه، كان هناك وفد إسرائيلي في أثينا لدراسة «شراكة عسكرية جديدة في البحر المتوسط»، في حين زار مسؤول عسكري يوناني إسرائيل، وكان مكلفا بشراء طائرات من دون طيار وأنظمة أسلحة من أجل مقاتلات إف - 16 اليونانية.

كانت العلاقات العسكرية اليونانية - الإسرائيلية جيدة قبل التقارب السياسي بأعوام عدة. في عام 2008، أثارت اليونان غضب إيران عندما فتحت مجالها الجوي لمقاتلات إسرائيلية من أجل التدريب على هجمات محتملة طويلة المدى على المنشآت الإيرانية النووية. ويشبه نظام الدفاع الجوي S - 300 الذي اشترته اليونان من روسيا ذلك الذي تملكه إيران.

علق ايوانيس ميكاليتوس، المحلل المتخصص في شؤون الإرهاب، قائلا: «تحتاج إسرائيل إلى مجال جوي وملاحي لإجراء مناوراتها العسكرية. ويعتبر بحر إيجة وشرق المتوسط المكانين المثاليين لأي نوع من التدريبات العسكرية بسبب التحدي الذي تشكله الجزر والمرتفعات لأي طائرة أو معدات رصد حديثة».

تنقسم وسائل الإعلام اليونانية حول الاستراتيجية الجديدة، حيث يأسف البعض لإنهاء سياسة التأييد للفلسطينيين التي استمرت ثلاثين عاما (حيث كانت اليونان آخر دولة غربية تعترف بدولة إسرائيل)، بينما يبدو البعض الآخر متفائلا بشأن ما يمكن أن تحققه العلاقات الجديدة لليونان.

يقول أمنون سيلا، الأستاذ الفخري في الجامعة العبرية: «مرحبا بأي اهتمام أجنبي. يمكنني أن أتخيل تطور علاقات مهمة في المستقبل».

قبل احتلال النازيين لمدينة سالونيك الساحلية في شمال اليونان، كانت المدينة تفخر بأنها تضم أكبر جالية يهودية من المهاجرين الذين استقبلتهم الدولة العثمانية بعد أن عانوا من أهوال محاكم التفتيش الإسبانية. ولكن امتنعت اليونان عن فتح سفارة لها في إسرائيل حتى عام 1990، على خلفية الموقف السياسي المعادي لإسرائيل والمؤيد للعرب الذي كان يتبعه رئيس الوزراء السابق أندرياس باباندريو، والد رئيس الوزراء الحالي.

أمام توقع كبير بوقوع حرب جديدة في الشرق الأوسط عام 2011، تسعى إسرائيل بقلق إلى حلفاء جدد في منطقة أصبحت أكثر عداء. وحذر نتنياهو باباندريو أثناء اجتماعهما الخاص من أن تركيا تملك القدرة والنية للحصول على ترسانة نووية. ولكن قد يجعل التحالف مع اليونان، والذي يُقرب إسرائيل أيضا من قبرص، المقاتلات الإسرائيلية والتركية تتواجه في المجال الجوي في الجزيرة المتنازع عليها. وينظر بعض القبارصة اليونانيين إلى احتمال حدوث مواجهة إقليمية ببعض السعادة.

كتب سافاس ياكوفيديس في صحيفة «سيميريني» اليومية: «يؤيد المناخ الحالي تطور تحالف قوي ثلاثي الأطراف بين إسرائيل وقبرص واليونان، وسيكون من الحكمة أن تنضم إليه مصر التي تجد العديد من الأسباب للقلق بشأن إمبريالية تركيا العثمانية الجديدة».

وتحذر آراء أكثر هدوءا مثل روسوس من أن «اليونان لا تملك الموارد الكافية للقيام بدور كبير في البحر المتوسط. كما أن نخبتها السياسية مستغرقة للغاية في توجيهات صندوق النقد الدولي وتعاني بشدة من مزاعم كبيرة بوجود فساد يحول دون قيامها بمبادرات تتعلق بالشرق الأوسط».

وبموجب الاتفاق الجديد، من المتوقع أن توسع الاستخبارات الإسرائيلية من وجودها الكبير بالفعل في اليونان، التي تستضيف ما يزيد على مليون مهاجر، غالبيتهم من المسلمين، يسعون إلى الوصول إلى دول شمال الاتحاد الأوروبي، كما أنها أصبحت مركزا محتملا للراديكالية الإسلامية.

يقول مايكليتوس: «تدفع المصالح الإيرانية المهمة، مثل وجود مصرف ساديرت وعدد كبير من الشيعة، طهران إلى توجيه خلايا استخباراتية لمراقبة المنشقين في أثينا. ويهتم الإسرائيليون أيضا بخلايا حزب الله التي تعمل في أثينا، والعلاقات التجارية القوية ببيروت، وشراء (إيه إل بي إيه) شركة النفط اليوناني للنفط الإيراني، والتكهن بتدفق الأموال الإيرانية عبر دبي إلى اليونان عن طريق مصالح مصرفية عربية يونانية».

يقول فيليب غيرالدي، المحلل السابق في «سي آي ايه»: «يمكنك أن تتأكد من أن إسرائيل لديها أرصدة كبيرة للموساد في اليونان. ولكن لا يزال الأكثر أهمية هو أنهم قد يكونون يحاولون الحصول على نوع من اتفاق حول الطاقة».

أياسون أثاناسياديس
font change