وزير خارجية مصر الجديد نبيل العربي

وزير خارجية مصر الجديد نبيل العربي

[caption id="attachment_491" align="aligncenter" width="620" caption="وزير الخارجية المصري نبيل العربي"]وزير الخارجية المصري نبيل العربي[/caption]


نبيل العربي، المولود في 15 مارس 1935، تخرج من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955 ثم رحل إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجتي الماجستير في القانون الدولي والدكتوراه في العلوم القضائية من مدرسة الحقوق بجامعة نيويورك.

بزغ نجم العربي في حضوره المؤثر في مفاوضات كامب ديفيد التي جرت بين مصر واسرائيل سنة 1978 والتي أفضت إلى معاهدة السلام بين الطرفين. فقد كان في الفريق القانوني الممثل لمصر، ثم اختير بعد ذلك ليصير المستشار القانوني للوفد العسكري المصري في مفاوضاته مع الجانب العسكري الإسرائيلي. وقد أشاد وزير الخارجية السابق أحمد أبوالغيط، والذي كان بدوره زميلاً للعربي في الوفد المصري، في مقال بصحيفة الأهرام اليومية بدور العربي الكبير فيما سماه بالمنازلات القانونية التي كانت بينه وبين الممثل القانوني للوفد العسكري الإسرائيلي على الجانب الآخر حيث نجح العربي في تفنيد الإقتراح القانوني الإسرائيلي بعمل منطقة اسرائيلية تحت علم الأمم المتحدة قانونياً، ثم دفع باقتراح المنطقة العازلة لفترة موقتة بين الطرفين بحيث لا يخل بسيادة مصر على أراضيها بدعم قانوني شكل فيصلاً في مسار المحادثات الشاقة، الأمر الذي وُصف بانتصار للدبلوماسية المصرية في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ عملية السلام بين البلدين.

تولى العربي عدة حقائب دبلوماسية مصرية. تم تعيينه سفيراً في الهند قبل أن يعود مرة أخرى للمشهد المصري الإسرائيلي حين تم استدعاؤه ليترأس وفد مصر للتفاوض حول طابا في نهاية العام 1984 حيث نجحت الدبلوماسية المصرية في إعادة طابا في سبتمبر 1988 لتستعيد كامل أراضيها. الأمر الذي وصفه نبيل العربي في مقال له في جريدة الشروق المصرية المستقلة بأنه أهم انجاز في حياته المهنية. على إثر ذلك تم تكليفه بمنصب مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة في جنيف بين 1987 إلى 1991 ثم نيويورك حتى العام 1999.

المحكمة الدولية

انجازات الرجل على صعيد القانون الدولي رشحته أن يصير عضواً بلجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي ثم قاضياً في المحكمة الدولية في لاهاي حتى العام 2006. من الجدير بالذكر في تلك المرحلة هو أنه مع تصاعد أزمة الجدار الأمني "العازل" الذي شرعت إسرائيل في تشييده عام 2002 اضطرت الدبلوماسية العربية إلى اللجوء للمحكمة الدولية في لاهاي والتي كان العربي أحد قضاتها. هيئة التحكيم أصدرت في العام 2004 فتوى قانونية غير ملزمة ببطلان شرعية الجدار، الأمر الذي لم ينسه المحللون الإسرائيليون في دراستهم لشخصية نبيل العربي ومواقفه. وفي نفس الوقت اكتسب شعبية واحترام قطاع عريض من الشارع المصري.

تحديات الحقيبة

لقد كان العربي أيضاً على رأس الوفد الذي أعد الملف القانوني لاستعادة رأس نيفرتيتي، بكل ما يشكله الأمر من رمزية للمصريين، في العام 2009، أي قبل عامين من انفجار الأزمة بين النظام المصري والشارع.

فعودة رأس نيفرتيتي بدت للعربي أنها نهاية مسيرة "المهام المستحيلة" إلا أن القدر أعاده مرة أخرى لساحة المشهد السياسي المصري في مهمة أخرى. فعلى إثر تفجر الوضع في مصر بعد يوم 28 يناير المشهور بجمعة الغضب والوصول بالأمر إلى أزمة محتدمة بين الشارع الذي أصر على رحيل مبارك عن الرئاسة، وتمسك مبارك بمنصبه بالمقابل، حاول العديد من الشخصيات الفكرية والسياسية في مصر لعب دور الوساطة في الأزمة وقد كان من بين المجموعة التي عُرفت بمجلس الحكماء نبيل العربي الذي كان كتب مقالاً مرحباً بثورة 25 يناير.

ومع سقوط حكومة أحمد شفيق، كان اسم نبيل العربي هو أحد الأسماء المحددة التي تقدم بها ائتلاف شباب الثورة وحملها محمد البرادعي لقيادة المجلس العسكري في الرابع من مارس ليعود بعد ثلاثة أيام وزيراً للخارجية في حكومة عصام شرف التي قال عنها شرف أنها مستمدة الشرعية من ميدان التحرير.

يعود اختيار الرجل من قبل الإئتلاف لشعبيته ووطنيته التي رآها الشباب فيه مما جعل العديد منهم يشبهونه، على شبكات التواصل الإجتماعي، بشخصية رجل العمليات الدولية أدهم صبري الأسطورية التي كانت تمثل رمز الوطنية في سلسلة روايات نبيل فاروق المعروفة باسم "رجل المستحيل" والتي ساهمت بشكل ملموس في تشكيل وعي الشباب المصري في الثلاثة عقود الماضية.

يواجه نبيل العربي، الذي تولى حقيبة الخارجية قبل اتمامه 76 عاماً بأسبوع، تحديات ضخمة تمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر. فسقوط نظام مبارك ترك خلفه ارثاً ثقيلاً على الصعيد الإستراتيجي. فشل الوزير السابق في معالجة قضايا مثل توزيع مياه النيل وتراجع حجم وتأثير الحضور المصري في القضايا الإقليمية، وعلى رأسها الحوار بين الفصائل الفلسطينية وإحياء عملية السلام، يعود إلى ما اعتبره نبيل العربي عدم معالجة السياسة الخارجية بأسلوب علمي عصري بواسطة خبراء متخصصين، تاركاً المسألة للإرتجال الذي أدى إلى مخالفات جسيمة لقواعد أساسية في القانون الدولي. قبيل تعيينه في منصب وزارة الخارجية، اقترح العربي تأسيس مجلسٍ قوميٍّ يعمل كجهاز رقيب على سياسة وزارة الخارجية.

على أية حال، مجيء الرجل إلى هذا المنصب الحساس أثار ردود فعل دولية، فالصحف الإسرائيلية عكست القلق والحذر من شخصية الرجل الذي ستتعامل معه اسرائيل في المرحلة المقبلة. قضايا السلام والغاز المصري الذي يتم تصديره إلى اسرائيل، والذي يشكل 40 في المائة من الإستهلاك الإسرائيلي، ستكون على طاولة التفاوض من جديد بعد تصريحات العربي الخاصة باحتمالية إعادة النظر في كل المعاهدات والإتفاقات ومنها كامب ديفيد نفسها إذا ثبت خرق اسرائيل لموادها.

إلا أنه من المهم أن نشير إلى كون منصب وزير الخارجية المصري ليس منصباً يمتلك صلاحية مستقلة في تسيير القضايا الخارجية، خصوصاً ملف عملية السلام في الشرق الأوسط، وإنما هذه سياسة دولة يتحرك وزير الخارجية في فلكها وبحسب حساباتها الداخلية قبل الخارجية. والواقع يقول أن الدولة الآن تمر بمرحلة دقيقة يجب معها عدم المضاربة برؤوسها حتى تقبل لدى الشارع، مما يعني أن الحوار المصري الإسرائيلي في القضايا المختلفة قد ينتظر قليلاً، وهو أمر أيضاً يبدو أنه من الصعب تطبيقه نظراً لتصاعد أعمال العنف بين الفصائل المسلحة وتل أبيب وزيادة التساؤلات حول الدور المصري في حدودها الشرقية عند رفح.

هذه إحدى التحديات التي على العربي التعامل معها في هذه المرحلة الدقيقة، فهل سيستطيع أن ينجح في هذه المهمة لتضاف إلى قائمة المهام التي نجح فيها على الصعيد الخارجي؟ السؤال مفتوح ومتروك للعربي، رجل المستحيل، أن يجيب عليه.
font change