لبنان.. ستة أعوام على اغتيال الحريري

لبنان.. ستة أعوام على اغتيال الحريري

[caption id="attachment_896" align="aligncenter" width="620" caption="سعد الحريري وحسن نصرالله.. كيف سيكون شكل المواجهة القادمة؟! "]سعد الحريري وحسن نصرالله.. كيف سيكون شكل المواجهة القادمة![/caption]

لقد جعلت هذه المباراة الحكومة المركزية ضعيفة وفي النهاية سمحت للمجتمعات المختلفة - في فترات مختلفة منذ استقلال لبنان عام 1920 - باستخدام العنف لتسود على الجماعات الأخرى. ويأتي هذا العنف على حساب الدولة وينزع الشرعية عن دورها بصفتها مانحة الحقوق المدنية الأساسية لمواطنيها.

في عام 1975، نتج عن التحولات الإقليمية والداخلية انهيار لحكومة بيروت. وبدلا منها، أنشأت المجتمعات المتفرقة دويلات صغيرة ذات جيوش خاصة وظلت هذه الميليشيات تتعقب بعضها البعض طوال 15 عاما، مما تسبب في دمار هائل. ولكن بحلول عام 1990، كانت الولايات المتحدة ترسم صورة لشرق أوسط جديد، يتضمن إخراج جيش صدام حسين من الكويت، وإطلاق مباحثات السلام بين الدول العربية وإسرائيل وإنهاء الحرب في لبنان.

كافأت الولايات المتحدة سورية لاشتراكها في هذا الشرق الأوسط الجديد بإطلاق يد دمشق في لبنان. وعلى الرغم من أن جيش سورية دخل لبنان المجاورة في عام 1976، فإن النفوذ السوري داخل لبنان كان مقيدا بالترتيبات الدولية التي تعلقت بمصالح أميركية وإسرائيلية. وفي عام 1990، منحت الولايات المتحدة سورية موافقتها على استهداف المناطق المعارضة. وبذلك أعطت لدمشق تفويضا في لبنان كان من المتوقع من خلاله أن يوقف السوريون الحرب الأهلية وينزعوا سلاح الميليشيات وأخيرا يسحبوا قواتهم.

في عام 2005، كانت القوات السورية لا تزال في لبنان. ونزعت سورية سلاح جميع الميليشيات في ما عدا حزب الله، الذي حافظت عليه لمعاداة إسرائيل كلما سعت دمشق إلى جذب الانتباه الدولي. سيطر السوريون بفاعلية على المشاهد السياسية والاقتصادية اللبنانية وشكلوا حكومة دمية في بيروت. ولكن منذ عام 2003 وحرب العراق، يعتقد عدد من السياسيين اللبنانيين أن تغير المشهد السياسي هو فرصتهم لإخراج سورية، فضغطوا على الأمم المتحدة لإصدار قرار مجلس الأمن رقم 1559، والذي ينص على انسحاب القوات السورية من لبنان ونزع سلاح حزب الله. واستعد السياسيون المعادون لسورية في لبنان أيضا إلى دخول البرلمان في الانتخابات التي أجريت في صيف عام 2005.

قتل رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، الذي ألقى بثقله الدولي الفريد من أجل المساعدة على إخراج سورية من لبنان، في 14 فبراير (شباط) عام 2005، ليصبح سياسيا آخر يعادي سورية يتعرض للاغتيال، في ما يبدو على يد عملاء غير معروفين أو عملاء إسرائيليين. وأدرك قادة التحالف الذين كانوا وراء الحريري أنهم أيضا سيقتلون. لذلك ضغطوا من أجل انسحاب سورية، وهو ما حدث في أبريل (نيسان) عام 2005، بفضل ما يزيد على مليون لبناني نزلوا إلى الشوارع، والضغوط الدولية على دمشق.

يريد التحالف المعادي لسورية - الذي يعرف باسم «14 آذار» وهو اليوم الذي خرجت فيه المظاهرات الحاشدة - تطبيق العدالة في ما يتعلق بمقتل الحريري، ومنطقهم في ذلك أنه بترك مرتكبي الحادث أحرارا، قد يعرقل العنف أي جهود لبناء دولة قوية ذات سيادة يمكنها أن تضمن الحرية والديمقراطية بعد رحيل سورية. لذلك أنشأت الأمم المتحدة لجنة تحقيق خاصة في مقتل الحريري ثم محكمة دولية خاصة بلبنان.

ولكن على الرغم من خروج سورية من لبنان في عام 2005، فإن شريكها حزب الله - الميليشيا الوحيدة المسلحة حاليا - ما زال قادرا على ممارسة الضغوط. وبعد الانسحاب السوري وتشكيل محكمة دولية، تم طرد أو تصفية عدد من السياسيين والصحافيين والمسؤولين الأمنيين - وجميعهم معادون لسورية وحزب الله - ليجد تحالف «14 آذار» الذي نال غالبية برلمانية وسيطر على مجلس الوزراء مزيدا من الأسباب في سعيه نحو تحقيق العدالة وإنهاء عهد الإفلات من العقاب.

وقف تحالف «14 آذار»، بعلاقاته الدولية الجيدة والتأييد الداخلي الذي يحظى به، ليقاوم من أجل الدفاع عن العدالة والمحكمة الدولية، على حساب سورية وحزب الله اللذين حاولا عرقلة المحكمة بكل الوسائل.

وفي مايو (أيار) 2008، استهدف مقاتلون من حزب الله مناطق معروفة لمؤيدي «14 آذار»، مما أسفر عن مقتل العديد منهم وحرق مبنى محطة تلفزيونية وصحيفة. وقدم تحالف «14 آذار» تنازلات وشكل مجلس وزراء احتل فيه حزب الله وحلفاؤه «الثُلث المُعطِل». وفي يونيو (حزيران) عام 2009، فاز تحالف «14 آذار» من جديد بغالبية برلمانية، وأُجبر من جديد على التنازل لحزب الله عن «الثُلث المُعطِل». وعلى الرغم من حصوله على أقلية، تصدى حزب الله لاتخاذ القرارات. وكان أول قرار هو إجبار مجلس الوزراء برئاسة سعد رفيق الحريري على إلغاء بروتوكول تعاون بين دولة لبنان والمحكمة الدولية الخاصة. وعندما رفض الحريري الانصياع لإملاءات حزب الله، استخدم الحزب حق الرفض، مما أدى إلى انهيار الحكومة.

صرح صديق الحريري عضو البرلمان وليد جنبلاط بأن كتلته المكونة من 15 عضوا في البرلمان تخطط لإعادة ترشيح الحريري رئيسا للوزراء، وبالتالي أمر حزب الله الرئيس اللبناني ميشال سليمان بتحديد موعد آخر لاختيار أعضاء البرلمان لرئيس الوزراء، حتى يتمكن من لي ذراع جنبلاط وإجباره على تغيير رأيه، ليحصل مرشح حزب الله نجيب ميقاتي على الغالبية ويكلف بتشكيل الحكومة.

اليوم، عاد الحريري وحلفاؤه في «14 آذار» إلى مقاعد المعارضة، في حين من المتوقع أن تنهي حكومة ميقاتي تعاون لبنان مع المحكمة الدولية، وبذلك يغامر برد فعل عنيف كبير من الأمم المتحدة ضد دولة لبنان في صورة عقوبات اقتصادية.

وفي حين يقول حزب الله وحلفاؤه إن إنهاء المحكمة الدولية ضروري للحفاظ على استقرار لبنان، يقول تحالف «14 آذار» إنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في ظل احتفاظ حزب الله بأسلحته ووجود العنف في الحياة السياسية في البلاد.

من المتوقع أن تعلن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن قرار الإدانة قريبا. ويعتقد العديد من الناس أن مسؤولين رفيعي المستوى من حزب الله وسورية قد يكونون متهمين. وبعد خروج الحريري وقوى «14 آذار» المعتدلة من السلطة، يهدد حزب الله بقمع أعضاء «14 آذار» إذا اتخذ العالم إجراءات ضد الحزب أو دمشق. ستحدد نتيجة إجراءات المحكمة الدولية من يكسب هذه المباراة في القوة بين العالم والعنف الذي يربك الحياة السياسية في لبنان ويحول دون بناء الدولة.

وكما يبدو، تملك قوى «14 آذار» - التي فازت بغالبية المقاعد في البرلمان في يونيو (حزيران) عام 2009 - أقلية بعدد 60 مقعدا من بين 128 مقعدا. سنرى في الشهور المقبلة ما إذا كان الحريري على مقاعد المعارضة في موقف أفضل يسمح بدعمه للمحكمة الدولية والضغط على حزب الله لنزع السلاح.

*حسين عبد الحسين
font change