قصص خفية وراء تراجع السينما اللبنانية

قصص خفية وراء تراجع السينما اللبنانية

[caption id="attachment_549" align="aligncenter" width="620" caption="مشهد من فيلم ليلى عساف "ليس مثل أختي""]مشهد من فيلم ليلى عساف "ليس مثل أختي"[/caption]

"إن صناع السينما لا يخلقون أبدا ثورة. فلم يحدث أبدا أن تسبب فيلم في سقوط حكومة"، ذلك ما قاله المخرج اللبناني زياد دويري في عام 2004 عندما أجريت معه حوارا في لندن. ومع ذلك يتم التعامل دائما مع السينما اللبنانية وكأنها تمثل تهديدا للأمن القومي. فنظرا لأن السياسة والدين والجنس تمثل "تابوها" ثلاثيا بالنسبة للرقباء على السينما اللبنانية، ونظرا لأن السينما اللبنانية كانت تركز على تلك العناصر الثلاثة خلال العقود الأربعة الماضية، فليس مفاجئا أن يواجه المخرجون اللبنانيون مشكلة مع الرقابة سواء لإنتاج أفلامهم أو لعرضها. ولكن صراع السينما اللبنانية لا يكمن فقط في تأثير الرقابة على ما يشاهد أو ما يعرض ولكنه يكمن أيضا في العوامل الخفية التي يتم عادة تجاهلها نظرا لتوجيه الانتباه للفيلم كمنتج مكتمل.

فهناك الكثير الذي يتعلق بالسينما اللبنانية أكثر مما يطفو على السطح. فالقصص التي لا تتم روايتها تكون في بعض الأحيان أكثر رعبا من تلك التي تتم روايتها، وما يدور في الكواليس يكون في بعض الأحيان كاشفا للصراعات السياسية أكثر مما يقدمه فعليا الفيلم. وهناك ثلاثة أمثلة على ذلك.

ليلى عساف هي مخرجة لبنانية تقيم في السويد منذ 1967. وهي مخرجة فيلم الشهداء (1988)، الذي يروي قصة امرأة شابة عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي ينتهي بها الحال للقيام بعملية انتحارية ضد القوات الإسرائيلية التي تحتل جنوب لبنان. تقول عاصف إنها لم تواجه أي مشكلات أثناء تصويرها للفيلم، إن الحزب السوري القومي الاجتماعي ساعدها في تنفيذ الفيلم وقام أعضاء الحزب المسلحون بالظهور في الفيلم كمقاتلين. وتقول إنهم قاموا بذلك لأنهم ينظرون إلى الفيلم باعتباره نوعا من الدعاية الإيجابية لهم. ولكن الفيلم لم يتم أبدا عرضه في لبنان لأنه يقول إن بطلته تم استغلالها من قبل الحزب. وخلال الفترة التي احتلت فيها سورية لبنان "لم يكن باستطاعتك النطق باسمها من دون أن تتعرض للمشكلات".، وذلك وفقا لعاصف. وبالتالي فإنه على الرغم من أن مخرجة الفيلم لم تواجه أي تحديات مباشرة في ما يخص تصوير الفيلم، فإن قرارها بعدم عرضه في لبنان يمكن رؤيته باعتباره نوعا من الرقابة الذاتية إن لم يكن نوعا من حماية الذات.

وكانت تجربة راندا شاهل الأخيرة صعبة، فقد حاولت عرض أفلامها في لبنان. وتم منع عرض فيلمها "الكفار" (1997) في كل مكان، لأنه يصور قصة علاقة إسلامي شاذ بدبلوماسي. كما تسبب فيلمها التالي "المتحضر" (1998) (والذي ما زال ممنوعا في لبنان نظرا لتناوله لقضايا التمييز الجنسي والديني والتابوهات) في مواجهة مباشرة مع جهات الأمن اللبنانية والأصوليين. ولمدة عام كامل بعد إنتاج الفيلم، كانت مخرجة العمل تتعرض للتحرش والتهديدات أينما ذهبت داخل لبنان، كما تم سحب جواز سفرها اللبناني. وفي حوار في باريس في 2007، ألقت باللوم على من كان في ذلك الوقت رئيس الأمن اللبناني بصفته الشخصية. ومن جهة أخرى، أصدر الإسلاميون اللبنانيون، فتوى ضدها وضد طاقم عمل الفيلم.

وتتجاوز تجربة زياد الدويري مع الصراع حدود لبنان. ففي عام 2001، قضى ثلاثة أعوام في إخراج فيلم حول مفاوضات 1991 السرية بين العرب والإسرائيليين والتي توسطت فيها الولايات المتحدة. وكان مفترض أن يحصل الفيلم على تمويل أميركي (كان كوينتن تارانتينو من ممولي الفيلم) وكان سيقوم ببطولته ممثلون أميركيون وكان يفترض أن يقدم الأحداث من وجهة نظر فلسطينية. ولكن الهجوم على البرجين في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تسبب في أن يفقد الممولون الأميركيون المحتملون اهتمامهم بالفيلم.

ولهذه الأمثلة الثلاثة تداعيات خطيرة، فالمخرجون اللبنانيون شجعان ولكن يقف أمام شجاعتهم النفوذ السياسي الخارجي الذي يمنعهم من تنفيذ ما يرغبون تماما به، أو إرساله إلى مكان غير معلوم. ويعد خسارة كبيرة أن لا يسمع الجمهور اللبناني عن أفلام جريئة مثل "الشهداء" أو "الكفار"، أو أن لا يرى مشروع دويري الضوء. كما أنه من المؤسف أن يضطر المخرجون اللبنانيون إلى فرض الرقابة الذاتية أو يصبحون في حالة تعرض دائم للإيذاء. خلال العقد الماضي، كانت السينما اللبنانية تنتقل من نجاح إلى نجاح وكانت تؤسس وجودها في أوساط السينما العالمية والمحلية على حد سواء. إلا أنه في مقابل كل فيلم يظهر للنور هناك فيلم آخر لم يظهر نظرا للصراعات السياسية.

والآن يشهد العالم العربي ثورة ديمقراطية غير مسبوقة، من مطالبها الأساسية حرية التعبير. ونأمل أن تسفر تلك الثورة عن ذلك النوع من الديمقراطية الذي ينظر للسينما باعتبارها شكلا أساسيا من أشكال التعبير الفني الضروري لتصوير الواقع السياسي والتعليق عليه وأن يحترم ذلك حق المخرجين في التعبير عن توجهاتهم السياسية. وربما في ذلك الوقت، تستطيع الأفلام التي تقبع حاليا في الخزائن المغلقة أو التي ربما لم تكتمل بعد من أن تشارك في نهضة ثانية للسينما اللبنانية على وجه خاص وللسينما العربية على نحو عام.

لينا الخطيب
font change