لبنان.. نظام جامد لمجتمع متغير

لبنان.. نظام جامد لمجتمع متغير

[caption id="attachment_1481" align="aligncenter" width="620" caption="حزب الله يستعرض قوته في بيروت"]حزب الله يستعرض قوته في بيروت[/caption]

وإذا كان صحيحا أن التدخل الأجنبي، تحديدا السوري والإيراني، كان حاسما في تشكيل المجلس، فإنه على نفس القدر من الصحة أن النظام السياسي اللبناني، الذي يعتمد أساسا على التوازنات الطائفية الدقيقة، بالإضافة إلى حق الاعتراض المشترك، لم يعد فاعلا. فالمؤسسات معطلة تماما، كما تعامل النخب داخل كل جماعة مؤسسات الدولة وكأنها ملك لها. حيث تحول المبدأ اللبناني التقليدي المتعلق بمشاركة السلطة إلى مشاركة الدولة وهو ما يقسم الدولة ويحولها إلى دويلات صغيرة.
في عام 1994، وافق مجلس الوزراء اللبناني لأول مرة على منح الجنسية لنحو 300 ألف مقيم غير لبناني. حمل علي، عراقي المولد، الذي يبلغ 55 عاما بحماسة كل الأوراق المطلوبة إلى مكتب التسجيل بالبلاد لكي يحصل على أول هوية لبنانية خاصة به. وبعدما فحص الموظف متوسط العمر أوراقه، نظر إليه قائلا: «هناك مستند ناقص». وأضاف: «يجب أن تذهب لزعيمكم الديني وتحصل منه على شهادة تفيد إيمانك».
ذهب علي إلى مفتي فصيلته الدينية وطلب منه المستند الناقص. وعلى الرغم من أنه ولد لأبوين مسلمين ويدين بالإسلام طوال حياته، طلب المفتي من علي النطق بالشهادة أمامه، وهي قسم على غير المسلمين ترداده قبل التحول إلى الإسلام. ودون النطق بالشهادة، لم يكن بإمكان علي الحصول على بطاقة الهوية اللبنانية.
في لبنان، ليس العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة، ولكنه بين الأشخاص وفصائلهم التي لديها عقد اجتماعي آخر مع الحكومة. وفي الفترة بين استقلال البلاد في 1943 واندلاع الحرب الأهلية في 1975، كانت لبنان عصب دول المنطقة لأنها كانت واحة الحرية والديمقراطية. ولكن ديمقراطية الدولة أثبتت أنها اتفاق خاص بين زعماء تلك المجتمعات الخاصة سمح بلعبة المجموع الصفري بين هؤلاء الزعماء وجماعاتهم. أما اليوم، وبعد 21 عاما من نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، أثبت ميثاق التفاهم الخاص بين تلك الجماعات المختلفة أنه غير قابل للاستمرار أو على الأقل أنه متعلق بتلك الأزمة المستمرة في البلاد وغير ملائم للوقت والعصر الراهن.
وفي الوقت الذي ما زال فيه بعض اللبنانيين يقولون إن الاغتيالات السياسية والتهديدات الأمنية والضغوط التي يمارسها النظام السوري قضت على كل جهود الحفاظ على ديمقراطية لبنان، يعتقد آخرون أن الإخفاق الحالي للدولة اللبنانية إخفاق هيكلي. وكنتيجة لذلك الإخفاق، شهدت لبنان امتدادا واسعا للجمود المؤسسي وتهاوي ثقافة الوفاق وممارساتها.

كيف بدأ الأمر
كان التصديق على الدستور اللبناني الأول في 1926 قائما على مفهوم مشاركة الطوائف المختلفة للسلطة. وعشية الاستقلال في عام 1943، تم توقيع اتفاقية وطنية بين الرئيس الماروني ورئيس الوزراء السني ووضع المزيد من الضوابط لتلك المبادئ الطائفية. وفي عام 1989، وضعت الوثيقة الوطنية المعروفة باسم اتفاق الطائف نظريا نهاية للحرب الأهلية (1975 - 1990) وعدلت الدستور والصيغة الدستورية المتعلقة بمشاركة السلطة.
لقد كانت ديمقراطية الوفاق، التي عادة ما تعني الحوكمة وفقا للإجماع بين الجماعات المختلفة بدلا من حكم الأغلبية، تعكس دائما فلسفة الدولة اللبنانية. وذلك لأن مبادئ الحكومات الائتلافية والتمثيل التناسبي للمجتمعات (للطوائف) وحقهم في الحكم أو في الاعتراض على قرارات الحكومة، بالإضافة إلى العمليات المؤسساتية أو الاتفاقات التي تضمن استمرار نظام الدفع الذاتي (كما عرضه الأكاديمي الأميركي الهولندي أرندت ليجهارت عندما كان يعرف الديمقراطيات التوافقية)، كانت متجلية في معظم النصوص اللبنانية والتشريعات المؤسسة.

[caption id="attachment_1482" align="alignleft" width="242" caption="لبنان.. محطات مهمة"]لبنان.. محطات مهمة[/caption]

النخب والسياسات الخارجية: ظهور الأزمة
ولكن حتى قبل اكتمال الهيمنة الدمشقية على لبنان في أعقاب 1990، بدأت الدلالات على انهيار نموذج التوافق اللبناني في الظهور منذ أواخر الستينيات وأصبحت ظاهرة تماما باندلاع الحرب الأهلية في 1975. وكانت أسباب ذلك الانهيار تتضمن حصص الكوتة الصارمة المنطبقة على العديد من المواقع الحيوية، والتي أثبتت أنها تمثل إشكالية خاصة، أخذا في الاعتبار، استمرار تغير العامل الديموغرافي.
وهناك عوامل أخرى ترتبط بالأحداث في الشرق الأوسط وتأثيرها على لبنان. ولكن هناك عوامل أخرى ترتبط بالحرب اللبنانية، والميول السيادية للمنتصرين في أعقاب الحرب، ومحاولة الزعماء الحصول على الحصة الأكبر من التمثيل لمجتمعاتهم.
ولكي نفهم تأثير تلك العوامل، يجب أن نفحص ظاهرتين. الأولى، ظاهرة محلية ترتبط بتطور النخبة اللبنانية كنتيجة للتغيرات التي تتعرض لها الجماعات الأكبر في المجتمع. والثانية خارجية ترتبط بالتطورات العالمية والإقليمية، حيث يمكن مقارنة التأثير المستمر للشؤون الخارجية على لبنان على نحو ما بعام 1943، عندما كانت الاتفاقية الوطنية اللبنانية تقوم على إصرار النخب على النأي عن النزاع السائد في ذلك الوقت بين المشروعين، الالتحاق بفرنسا كقوة محتلة أو الوحدة العربية.
لقد كانت النخبة التي هيمنت على الحياة السياسية اللبنانية حتى عام 1969، على نحو ما، نخبة تقليدية تقتصر أساسا على مناطق محدودة داخل لبنان وعادة ما يحاول زعماء تلك المجتمعات فرض هيمنتهم على مجتمعاتهم. فقد نجح هؤلاء الزعماء في استغلال كافة المزايا التي كانت تقدمها ديمقراطية الوفاق اللبناني. ونظرا لموقفهم المتميز، كان هؤلاء القادة يسعون للتوصل لتسويات سلمية لنزاعاتهم ويصرون على تجنب العنف، حيث كانت ثقافتهم السياسية تعتمد على المصالح الذاتية والمقايضات مع مؤسسات الدولة وإبقاء المناصب القيادية في أيدي الأقارب والجوار.

انهيار الاتفاق: نفوذ خارجي ومواجهات داخلية
في كتابه «كل الرجال المحترمين: الأصول الاجتماعية للحرب في لبنان»، يقول مايكل جونسون إنه حتى أثناء نزاع 1958، لم يتعرض الزعماء للقتل ولم ينادوا بقتل زعماء آخرين. فقد كان هناك اتفاق غير مكتوب، كلمة شرف بين هؤلاء الزعماء بالحفاظ على حياة بعضهم البعض، حتى عندما يحين الوقت، يمكنهم التفاوض على وقف إطلاق النيران وتهدئة أنصارهم. كما تم احترام ذلك الاتفاق أيضا لتعزيز تماسك النخبة التي لها أهمية محورية في بقاء النظام التوافقي للأمة.
وأساس ذلك النظام، كما يصفه جونسون، هو أن تحالف زعماء المجتمعات المعتدلة سوف يذعن لهيمنة أحد تلك المجتمعات باسم الاستقرار. فالاستقرار كان أولوية لأن هؤلاء الزعماء كانت تربطهم صلات في أغلب الأحوال بالنخبة المالية التجارية التي كانت تحتاج إلى مناخ من الاستقرار لكي تزدهر. وبنهاية الستينيات، وبعد ميكنة الزراعة وهو ما جعلها أكثر رأسمالية بالضرورة، حتى الزعماء المحليون اندمجوا في تلك التحالفات.
ولم تشكل الأحزاب السياسية في الأربعينيات والخمسينيات مصدرا للقلق بالنسبة للنخبة التقليدية اللبنانية حتى وقف اللبنانيون أمام خيارات متضاربة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وحتى بدأت القوى الخارجية في تأييد وتعزيز بعض الأحزاب على حساب الأخرى. وقبل ذلك، كان للأحزاب إما نفوذ هامشي أو كان نفوذهم على قدر قدرتهم على تقديم المساعدات. ومع ذلك، كان الزعماء يسعون للحصول على مصدر حديث للشعبية عبر أحزابهم واستغلوا تلك الأحزاب لحفز الولاءات المحلية وكآلات انتخابية.
وبنهاية الستينيات، بدأت الأحزاب تحصل على سلطة كافية للمنافسة مع القوى التقليدية. وبين الأحزاب التي تدعو للإصلاح مثل الحزب الاشتراكي التقدمي والحزب الشيوعي اللبناني، وتلك التي تدعو لحماية النظام مثل حزب الكتائب وحلفائه، بدأت العلاقة بين الأحزاب تتشكل إلى جانب العلاقة غير المعروفة للنخب السياسية من قبل. وقد اتخذت تلك الانحيازات منحى رأسيا، مما يعكس انحيازات طائفية (باستثناءات قليلة) وليس خلافات اجتماعية اقتصادية. ومع ذلك، استمر الخطاب السياسي السائد في النأي عن التحريض الطائفي.
وعند تلك النقطة، الظاهرة الثانية، أصبح التدخل الأجنبي ضروريا. ففي عام 1943، كانت الاتفاقية الوطنية اللبنانية ومبادئها التوافقية تعتمد على تجنب التحريض الطائفي أو تحالف إحدى الطوائف مع أحد الحلفاء الإقليميين. ومع ذلك ومنذ 1958، قرر الرئيس الثاني للبنان كميل شمعون الانضمام لحلف بغداد، وهو تحالف ترعاه الولايات المتحدة ويتضمن تركيا والعراق، وتم إنشاؤه في مواجهة الحكومات العربية الموالية للاتحاد السوفياتي. وقد جاء تحالف شمعون مخالفا بوضوح لتوجهات المسلمين اللبنانيين خاصة السنة، الزعماء الذين كانوا يفضلون الانحياز للرئيس المصري جمال عبد الناصر. وبالتالي تمت تسوية التفاهم التوافقي في ظل ما يطلق عليه التحالفات الاستراتيجية. ففي عام 1958، دفعت الأحداث الأجنبية لبنان بعيدا عن السلام الراسخ وباتجاه المواجهة الصريحة. واضطر العديد من الزعماء التقليديين الانحياز لأحد المعسكرات في محاولة للحاق بمؤيديهم الذين انحازوا بالفعل إلى أحد الجوانب. وبالتالي، اضطرت النخبة اللبنانية التقليدية لاتباع «الطريق» واختيار المواجهة بدلا من الاتجاه صوب التسوية.

حل 1958 المؤقت
وبدلا من مراجعة مواقفهم والتوصل إلى حل شامل، توصل الزعماء اللبنانيون وأنصارهم إلى حل قصير المدى يشتمل على انتخاب قائد الجيش الجنرال فؤاد شهاب كرئيس للدولة. وهو ما نتج عنه استقرار، وبالتالي تنمية اقتصادية وإصلاحات إدارية أو عمليات تحديث. ولكن ذلك الحل لم يسمح بإجراء إصلاحات سياسية جدية يمكنها إعادة النظر في المعادلة الطائفية وحصصها الثابتة من المؤسسات، ولذلك استمرت عمليات التعبئة داخل الدوائر المجتمعية والسياسية المختلفة.
ومن جهة أخرى، تزامنت النشاطات العسكرية الفلسطينية في جنوب لبنان، والهجمات الإسرائيلية وارتفاع معدلات انضمام النشطاء الشباب إلى الأحزاب السياسية أو التطوع للتدريب العسكري في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات مع رفض الإصلاحات السياسية والاجتماعية – الاقتصادية، مما ساهم في إعادة تراكم احتمالات الدخول في مواجهة. واندلعت الحرب الأهلية في أبريل (نيسان) 1975.

[caption id="attachment_1483" align="alignright" width="293" caption="حسابات الربح والخسارة"]حسابات الربح والخسارة[/caption]

الحرب، والهيمنة السورية والنخبة المتغيرة
لقد انتهت الاضطرابات الأهلية في 1990 بهيمنة سوريا على لبنان ما بعد الحرب. وعمل الحكام السوريون للبلاد على ترقية زعماء الحرب الأهلية، الذين أثبت معظمهم أنهم سريعو الغضب، يحاولون دائما فرض مواقفهم على الآخرين أو على الأقل تعطيل مؤسسات الدولة إذا لم يتم أخذ رأيهم في الاعتبار.
لقد كانت تلك النخبة، في الحقيقة، نتاجا لتطورات الحرب والعوامل الأجنبية المختلفة التي أثرت على مراحلها المختلفة خاصة بعد الغزو السوري في 1976 الذي هزم كمال جنبلاط وحركته الوطنية. وقد حاول جنبلاط، الأب الروحي للدروز، وأبو وليد جنبلاط، عضو مجلس النواب الحالي، تغيير النظام اللبناني ولكن واجهته قوات لبنانية مسيحية يمينية وبعض المحافظين الإسلاميين. وبعد هزيمته واغتياله، فرضت دمشق إرادتها وقاومت التحولات السياسية.
وقد تزامنت المساعي الإيرانية لتصدير الثورة بعد 1979، والغزو الإسرائيلي في 1982 واحتلالها الطويل لجنوب لبنان، مع التغيرات الديموغرافية والاجتماعية الاقتصادية في تلك المجتمعات مما خلق «انقسامات رأسية» أعمق، وسمح بظهور «النخب المحاربة». وقد رفعت تلك النخب شعار توحيد طوائفهم أو مجتمعاتهم خاصة بين المسيحيين والشيعة لحماية ما وصفوه بأنه «ضماناتهم». وكان الشيعة صرحاء على نحو خاص بشأن حقوقهم أو تحرير أراضيهم.
ومنذ بداية الثمانينيات، لم يتمكن الوفاق من تقديم حل للخلافات اللبنانية أو منع النزاعات العنيفة ناهيك عن حل تلك النزاعات. وكان الموقف المحلي في تغير مستمر وتزايد الضغط على النظام. كما أصبح من الصعب التوصل لاتفاقات بين الجماعات المختلفة إلا عندما تتدخل القوى الخارجية في لحظات الوهن الداخلي وتفرض صفقات على أنصارها اللبنانيين. وكانت الأطراف المختلفة ترفض باستمرار الخضوع لمتطلبات الوفاق كشرط مسبق لتفعيل عمل الديمقراطية اللبنانية مرة أخرى.
وقد ساعد اتفاق الطائف 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية وعمل على تعديل الدستور لتعديل امتيازات الرئيس الماروني ورئيس الوزراء السني من بين غيرها من التعديلات على استقرار الموقف في البلاد تحت السيطرة السورية الكاملة. ويبدو أن ثمن الاستقرار كان التضحية بمعظم مناحي السيادة الوطنية والتهميش السياسي لجماعات كبيرة من اللبنانيين خاصة المسيحيين. وعلى نحو ما، كانت سياسات الطائف انقلابا على الوفاق الذي تم تصميمه لكي يكون شاملا بقدر الإمكان ولكي يساعد على إيجاد تسويات. وقد أثبتت «جمهورية الطائف» أن الأمر يتعلق بدمشق وبفرض حلفائها للقوانين وبالتالي تحديد الفائزين والخاسرين.

ما بعد الهيمنة السورية وظهور حزب الله
من الصعب النظر إلى السنوات التي تلت انتفاضة الاستقلال، التي اندلعت في أعقاب اغتيال نائب رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005 نظرا لتبعات الانسحاب السوري من لبنان في أبريل (نيسان) من ذلك العام، دون أن نلحظ التغيرات الكبرى التي حدثت في المشهد السياسي اللبناني في أعقاب الحرب الأهلية.
لقد حدث التغير أساسا نظرا لتغير الانقسام من مسلمين – مسيحيين، إلى سنة – شيعة. فقد كان يمثل السنة الزعيم الحريري وابنه سعد من بعده وراعيهم المملكة العربية السعودية. وكان الشيعة يمثلهم حزب الله شديد التسلح المتحالف مع إيران وسوريا. وكان المسيحيون منقسمين بين هذين المعسكرين. وقد جعلت تلك الانقسامات من المستحيل نجاح أسس النظام السياسي اللبناني القائم على الوفاق. وتحول احترام التوافق بين الفصائل المختلفة بوضوح إلى حق الاعتراض المتبادل أو الثلث المعطل داخل المجالس بدلا من العثور على أرضية مشتركة.
وكانت سلطة «الاعتراض» في مركز كافة النزاعات الداخلية خلال السنوات الأربع الماضية. وعلى الرغم من أن «الحق في الاعتراض» يفترض أن يعكس الرغبة في تجنب الصدامات، فإنه عكس في لبنان صعوبة الحفاظ على الوفاق باعتباره الفلسفة الإرشادية عندما ازدادت حدة الانقسامات الرأسية وعندما كانت الضغوط الخارجية تسعى لزيادة احتدام الاختلاف بين تلك الفصائل المنقسمة.
إذا ما تم إضافة سلاح حزب الله إلى تلك المعادلة اللبنانية، يصبح استمرار الديمقراطية اللبنانية على المحك تماما. ويبدو أن ما يبقي النظام اللبناني حيا هو الخوف من عواقب الانهيار أكثر من الحاجة لإنجاح الأمور. ولكن الموقف الحالي غير قابل للاستمرار، فهو مرجح للانهيار وربما يتسبب في تغيرات درامية في حالة أي تغيرات إقليمية.
وفي ظل تلك الخلفية، يستطيع المرء أن يدرك سبب انهيار مجلس الوزراء اللبناني في يناير (كانون الثاني) ولماذا لم يكن من الممكن وضع آخر مكانه حتى يونيو (حزيران).

نظام جامد ومجتمع متغير
وبالتالي، يمكن أن نقول إنه بعد كافة التجارب التي شهدها لبنان خلال الخمسين عاما الأخيرة، يبدو أن التوافق في النظام السياسي يمثل صيغة ثابتة أثبتت عجزها عن التعامل مع التحولات التي تحدث في المجتمع اللبناني. فقد بدأ التوازن الديموغرافي يتغير في الخمسينيات لصالح المجتمع المسلم وهو ما دفع المسلمين إلى المطالبة بحصة أكبر في المؤسسات. ونظرا لأن المسلمين يفوقون المسيحيين عددا ولأن السوريين عملوا على تهميش القوى السياسية المسيحية، تغيرت المعادلة وارتكزت الانقسامات على السنة - الشيعة بدلا من المسيحيين - المسلمين. ويبدو أن التصلب ورفض الإصلاح وتغيير الحصص ومعدلات تقاسم السلطة منفصلة على نحو غريب عن المجتمع الذي يتحرك ويتطور ديموغرافيا واجتماعيا - اقتصاديا.
ومن ثم، لم تعد ديمقراطية الوفاق اللبنانية قادرة على حل النزاعات أو توفير الموارد للآليات الدستورية لعلاج الاختلافات. كما يجعل التدخل الأجنبي وسلاح حزب الله من الصعب ضبط الأمور داخل البلاد.
وربما تكون الطريقة الوحيدة للحفاظ على خيار التوافق حتى تظهر قواعد جديدة للعبة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي هو تبني سلسلة من الإصلاحات التي يمكن أن تسمح للنظام بتحسين أدائه وعلاج الأزمات والمشاركة في إنتاج نخبة حديثة جديدة. ومثل تلك الإصلاحات يجب أن تتضمن الموافقة على قانون انتخابي جديد، وتشريع وطني جديد، وقانون جديد للامركزية، وتغيير تدريجي للنظام الطائفي في البرلمان (مع خلق مجلس للشيوخ)، بالإضافة إلى الموافقة على قانون جديد (اختياري) للأحوال الشخصية يمكن أن يعزز مبدأ المواطنة كبديل للطائفية. ومن دون مثل تلك الإصلاحات، يبدو من غير الممكن الحصول على حكومة مستمرة ومستقرة في المستقبل القريب.

زياد ماجد
font change