سوريا بعد بشار الأسد.. أي مستقبل؟

سوريا بعد بشار الأسد.. أي مستقبل؟

[caption id="attachment_1965" align="aligncenter" width="620" caption="صورة قديمة لأسرة الأسد ويظهر فيها الرئيس الراحل حافظ الأسد وحرمه السيدة أنيسة والأبناء (من اليمين الى اليسار) بشرى ومجد (توفي في 2009) وباسل (توفي في 1994) وبشار وماهر "]صورة قديمة لأسرة الأسد ويظهر فيها الرئيس الراحل حافظ الأسد وحرمه السيدة أنيسة والأبناء (من اليمين الى اليسار) بشرى ومجد (توفي في 2009) وباسل (توفي في 1994) وبشار وماهر [/caption]
تتسع دائرة المأزق الدموي الذي بدأ منذ ثلاثة أشهر في سوريا ولم يتمكن أي من النظام أو المعارضة من الهيمنة عليه حتى الآن. إلا أن النزاع الطائفي على غرار جارتيها، لبنان والعراق – الذي ظهر في التحذيرات المتكررة للنظام المحصن - ليس هو القضية الأساسية لأسرة الأسد. بل يواجه النظام قضية أكثر إلحاحا: التمرد المتزايد لجيل الشباب الذي كان محروما من الفرص، ومن الحق في محاولة تغيير وضعه في النظام الحالي. فقد أخفق النظام في تقديم أي حلول لمأزق مجتمعه المتنامي، ودفع ذلك الإخفاق معززا بالفساد إلى إفساد دور النظام.
عندما اجتاح الربيع العربي المنطقة، كانت صورة سورية كما تقدمها الصفحات اللامعة لمجلة «فوغ»، تقتصر على صورة سوريا الحديثة الفاخرة التي تؤول للنخبة، هي الصورة الوحيدة التي يستطيع بشار الأسد تقديمها للعالم. وكان الأسد الذي يعتمد بثقة على إنجازات أبيه، من العبارات المكرورة حول القومية العربية ومقاومة إسرائيل، يعتقد أن سوريا تستطيع تجنب أزمات المنطقة حتى إذا ما اختار نظامه تجاهلها. فبعدما ورث دولة والده عام 2000، ترك الأسد سوريا تفسد. فقد ترك المصالح الاقتصادية لأفراد من أسرته والمؤسسة الأمنية يحولان الدولة إلى مجرد ظل للحكم السابق لوالده من دون تقديم أي رؤية واضحة حول مستقبل سوريا.
[caption id="attachment_1968" align="alignleft" width="293" caption="هل تتحول الاحتجاجات في سوريا الى اقتتال طائفي وعرقي؟"]هل تتحول الاحتجاجات في سوريا الى اقتتال طائفي وعرقي؟[/caption]
عندما واجه بشار الأسد، الرئيس الذي اشتهر بأنه «إصلاحي»، المطالب الشعبية بتقديم إصلاحات وأخذ الدولة إلى مسار جديد، أظهر افتقاره إلى الرؤية والقوة والقيادة اللازمة للتغلب على أوجه القصور الخطيرة للنظام الأمني والمقاربات التي غلت يد الدولة السورية. ولم تلق كلمات الأسد القليلة وردود الأفعال التي اتخذها في احتواء الموقف سواء داخل نظامه أو لدى شعبه أذانا صاغية. حيث إن الإصلاحات الضئيلة، التي تم الإعلان عنها ببطء، لم تظهر سوى مدى بعده عن الأزمة التي كانت تدور رحاها في بلاده ومدى عجزه عن حماية نظامه.
وكنتيجة لذلك، استولت العصبة الأمنية الاقتصادية السياسية التي أسسها بعض أقارب الأسد ومقربون منه، والتي أفسدها الإفراط في الاستحواذ على السلطة والعيش في إحساس مزيف بالاستقرار، على البلاد ولجأت إلى أدوات الإرهاب: الجيش وقوات الأمن. وعندما ارتفعت حصيلة موت المدنيين إلى ما يزيد عن ألف، وانتشرت صور أجساد المراهقين المشوهة على شبكة الإنترنت، وأصبحت العمليات العسكرية تحدث على نحو يومي، انهارت أسس الدولة التي أسسها حافظ الأسد.
وفي إطار ذلك الرد الوحشي، لم تنشر سوريا التي ظهرت منذ الربيع العربي الديمقراطية بل عدوى الحكم الفردي. ولم يخسر الرئيس الإصلاحي فقط صورته ولكنه فقد إلى حد كبير سلطته المطلقة. وتحولت جهود الأسد وذوي المصالح المرتبطة به لتعزيز نقاط ضعف القيادة التي ظهرت على من كان يطلق عليه «أسد دمشق الجديد».
ويعد بشار الآن واحدا ضمن عدة أفراد آخرين من أفراد أسرته – بالإضافة إلى أخيه الأصغر، ماهر الأسد، الذي يدير اللواء الرابع للجيش وابن عمه رامي مخلوف، رئيس شركة الاتصالات السورية - الذين يديرون شؤون البلاد. ويتم اتخاذ القرار إلى حد ما بطريقة جماعية في تلك الأسرة.
ويظهر تغير القيادة أن ما يحرك النظام حاليا هو معركة البقاء فقط. وقد عزز أصحاب المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تحكم الدولة أنفسهم ضد التغيير، كما لم تعد هناك رؤية لسوريا، بعيدا عن الاعتبارات الأمنية، موجودة ضمن الأجندة.
وفي الوقت نفسه، تواجه المعارضة التي تزيد من تعزيز صفوفها ببطء يوميا، تحدي عدم الوصول إلى الكتلة الجماهيرية المؤثرة التي أجبرت بن علي في تونس ومبارك في مصر على الابتعاد عن السلطة. وعلى الرغم من عمليات التوحد، وإنشاء شبكات تعاون خلال النزاع، ما زالت المعارضة تفتقر للقدرة على إحداث التغيير.
[caption id="attachment_1971" align="alignright" width="294" caption="من يحكم سوريا؟"]من يحكم سوريا؟[/caption]
كما يدعم الجيش، العامل الضامن لنجاح الربيع العربي في تونس ومصر، نظام الأسد بقوة. ويفيد النظام من القاعدة الواسعة للمجتمع السوري غير المستعدة للإلقاء بثقلها على المعارضة. كما أن المركزين الأكثر أهمية من حيث الثقل السياسي والاقتصادي في سوريا، وهما حلب ودمشق، ما زالتا هادئتين.
ومع ذلك، تتميز المعارضة، حتى وإن كانت إلى حد بعيد بلا قيادة، بالمرونة. ومرة أخرى، وجد نظام الأسد نفسه في مواجهة العديد من قطاعات شعبه الذين تواصلوا عبر «فيس بوك» و«تويتر» وخرجوا إلى الشوارع في مواجهة موجات من إطلاق النيران والمدفعية.
وما زال ينتظر سوريا صيف طويل ساخن ودموي، ومن المرجح أن يدفع الشتاء البارد البلاد إلى حالة أعمق من الشلل. وحتى إذا ما تمكنت بطانة الأسد من احتمال المظاهرات، فإن شرعية النظام انهارت من الأساس، فقد كانت سلطة رئيس البلاد هي أكبر متضرر من الأزمة.
ويمتلك النظام الذي يقاتل من أجل البقاء على حساب الدولة، الموارد، المعززة بأسعار البترول المرتفعة، اللازمة للحفاظ على السلطة على المدى القصير، ولكن الخوف والقوة والقمع ليست عناصر برنامج يضمن استمرارية استحواذه على السلطة على المدى البعيد..
يقدم ذلك المأزق المستمر نظرة موحشة لسوريا. ففي ظل الاضطرابات الداخلية، واحتمالية نشوب حرب أهلية بين النظام والمعارضة الشعبية المتنامية، فالحقيقة هي أن الاضطرابات في المشرق سوف تهيمن على سياسات المنطقة للسنوات المقبلة. كما أن موقع سوريا كلاعب حاسم في الشرق الأوسط في الوقت الراهن، وكذلك عدم وجود قيادة قوية لدى نظام الأسد في اللحظة الراهنة يمكنها توجيه سورية إلى مسار مختلف.
أندرو بوين
font change