قتلى تحت سنابك الخيل العِرَاب

قتلى تحت سنابك الخيل العِرَاب

[caption id="attachment_3663" align="aligncenter" width="620" caption="قربا مربط النعامة مني... لقحت حرب وائل عن حيال"]قربا مربط النعامة مني...  لقحت حرب وائل عن حيال[/caption]

كنت أقرأ عن سباق ابسون ديربي للخيول في انجلترا، فأحببت أن أتحدث عن الخيل العراب، هربا من عتمة التقتيل والجثت المتناثرة، المهملة كأكياس قمامة في شوارع طرابلس. لم أكن أتصور أن أشاهد خرابا ودمارا وانتقاما كهذا في مدينتي السابقة، التي كانوا يقولون عنها إنها عروس البحر، والتي تركتها منذ واحد وعشرين حولا، فارا من شعارات الكولونيل اللاهبة وخطاباته واستعراضاته المرعبة، وتدخله في صغائر الأمور وعظائمها. ولكي لا ألقي اللوم كله على الكولونيل وحده، فقد كان للرياح الزواحف، والحر اللافح، نصيب في هذا. وعلى الرغم من هذا، لم أكن لأصدق أن يتحول ياسمين السرايا الأبيض إلى اللون الدموي. وأن تتحول طرابلس إلى (عرس الدم) كما يقول لوركا، وان ينقلب الناس في مدينتهم إلى خيالات تشبه الونداليين وفرسان القديس يوحنا، وجندرمة روما القديمة. يقتلون بعضهم بعضا كأنهم جنود هولاكيون من دون رحمة أو هوادة.
نحن أناس مازلنا ننتمي إلى العصر الحجري، الذي غادرناه فقط بلباسنا، ولم نغادره بعقولنا! سيرنا يدل علينا، كلامنا يفضحنا، تعاملنا مع التكنولوجبا يعرينا. مازال الوحش الذي تحررت من كلكله غالبية الشعوب، يعيش في دواخلنا. متى سنتغير، أمر يبدو أنه بعيد المنال. عشرون سنة أخرى ربما سنعود بعدها لنرى هل تغير شاطئ تلّيل، أم أنه سيبقى كعهدنا به!
يبدو أن الكولونيل سيتغير وجهه ولباسه فقط، ولكنه سيبقى كولونيلا بنياشينه وشاراته!؟
عفوا لا بد لي أن أترك هذا الهراء الذي لا فائدة من ورائه، وأعود إلى الخيل المسوّمة، رغم أني أرى القتلى تحت سنابكها.
حازت الخيل في الأدب العربي شعره ونثره، عناية كبيرة.
ففي الشعر تحدث شعراؤهم عن الخيل وصفاتها ومنافعها وألوانها.
وربما يكون أجود بيت جاهلي (في غرضه)، ذلك الذي جاء على لسان امرئ القيس في معلقته الشهيرة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل...
واصفا فرسه، وهو يتكوّر تكوّر الصخرة المتدحرجة من علِ.
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عَلِ
كلما ذكر هذا البيت، خطر ببالي فريق الروك الغنائي (رولينغ استونز) الذي يقوده ميغ جاكار، وترجمتها للعربية (الحجارة المتدحرجة).
والخَيْلُ هي جماعةُ الأَفْراسِ، وهو اسم لا واحِدَ له من لفظه، ولكن صاحب القاموس المحيط يقول ان مفرده هو خائِلٌ، لأنه يَخْتالُ، وجمعه أخْيالٌ وخُيولٌ.
والخَيالُ والخَيالَةُ: الشخصُ والطيفُ أيضاً، قال الشاعر:
ولستُ بنازِلٍ إلاَّ أَلَمَّـتْ
برَحْلي أو خَيالَتُها الكَذوبُ
وفي بعض البلاد العربية ترجموا كلمة سينما إلى خيالة.
والخَيالُ: خشبةٌ عليها ثيابٌ تُنْصَبُ للطَير والبهائم فتظنُّه إنساناً.
ويسمونه في بعض البلاد العربية (فزاعة) أو (خيال مآتة):

أَخي لا أَخَالي بعده غير أنّنـي
كَراعي خَيال يَسْتَطيفُ بلا فِكْرِ
والخَيَّالَةُ: بالتضعيف على الياء أصحابُ الخُيولِ.
والخالُ والخُيَلاءُ: الكِبْرُ. تقول منه: اخْتالَ فهو ذو خُيَلاءَ، وذو خالٍ، وذو مَخْيَلَةٍ، أي ذو كِبْرٍ.
وأنت ترى الفرس.. وكانت العرب تقول للأنثى الحِجْرُ أو الجواد أو الحصان، منطلقا من بعيد مندفعا ململما أطرافه، كأنه صخرة متدحرجة، فمرة تصطدم هذه الصخرة بصخرة أخرى، فتنزوي الى مسار آخر، أو زاوية أخرى، ومرة ترفس هذه الصخرة غديرا وهي هابطة، فيندفع الماء، كما تفعل سنابك الخيل في الأرض، رافعة خَبارها عاليا، تماما كما كما قال العبسي:
والخيل تقتحم الخبار عوابسا
من بين شيظمة وأجرد شيظم
العرب أمة عشقت الخيل وأحبتها، لذا فإن أوصافها في العربية لا تضاهيها أوصاف، نظرا لإسهاب اللغة العربية في هذا المضمار، وعناية اللغويين وإجادتهم لهذه الأوصاف.
فانظر مثلا لبعض هذه الألوان: كميت: اللون المائل إلى الحمرة، الضارب إلى السواد. أقرح ما له غرة صغيرة في عينيه. الأرثم: ما كان لون أنفه أبيض. المحجل: ما كان في أطراف قوائمه مما يلي الحافر بياض. مطلق اليمين: أي ليس في يمناه بياض.
وكانوا يفضلون الخيل الضامرة والشقر منها على وجه التحديد. واستعملوها في القتال للدفاع عن النفس:
بضمر ما ربطناها مسومة
إلا لنغزو بها من بات يغزونا
وسأل مرة أحد الحكام، رجلا عارفا بالخيل: أي الخيل أفضل؟ فأجاب:
الذي إذا استقبلك قلت نافر. وإذا استعرضته قلت زافر، وإذا استدبرته قلت زاخر.
وكانوا يقولون: إن خَيْل العرب حُصونها. أي أنهم كانوا يُسَمُّونها حُصوناً.
والإنجليز يقولون: إن بيت الرجل الإنجليزي هو حصنه.
والخيول العربية محببة في أقطار كثيرة، ومنها على وجه الخصوص أقطار أوروبا. وقسمت العرب الخيل الى صنفين العتاق والهجن.
والعتاق هي (لخيل العراب) التي ليس فيها عرق هجين.
وفي هذا الصدد يورد ابن قتيبة قصة في عيون أخباره يقول فيها إنه حدث أن شك أحد الخلفاء في العتاق والهجن. فجاء رجل فسأله عنها، فطلب الرجل وعاء من ماء، فوضعه ثم طلب أن تأتي الخيل إليه فرسا فرسا. فما ثني منها سنبكه عند الشرب هجنه. وما شرب ولم يثن سنبكه عربه.
وحجته في ذلك أنه رأى أن في أعناق الهجن قصرا، فهي لا تنال الماء على تلك الحال حتى تثني سنابكها. وأعناق العتاق طوال.
يدور كأنه فلك
ما أروعه من وصف!
يروون في هذا أن امرأة جاءت الى زوجها صارخة، فقالت له: ما يجلسك فابتغ لنا راقيا، فإن فلانا لقع مهرك بعينه، فتركه (يدور كأنه فلك).
ولَقَعَه بعينه عانَه، يَلْقَعُه لَقْعاً: أَصابَه بها.
وهي من المفردات المستعملة في بعض المناطق العربية، في اللهجات المحلية.
font change