الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر

الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر

[caption id="attachment_3954" align="aligncenter" width="620" caption="10 سنوات على هجمات 11 سبتمبر.. صورة تغني عن كل تعليق"]10 سنوات على هجمات 11 سبتمبر.. صورة تغني عن كل تعليق[/caption]

حتى شهر يونيو الماضي كان عدد ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2752. السلطات الأميركية عذّلت الرقم بإضافة حالة وفاة جديدة ليصبح الرقم الرسمي للضحايا 2753. قبل سنة من الآن توفي جيري بورغ (63 عاما) من مانهاتن بنيويورك من مضاعفات مرض صاحبه لعقد كامل. جيري كان بين الذين نجوا من الهجمات الارهابية على برجي مركز التجارة العالمي لكنه خرج من الواقعة بمرض عضال اصاب رئته من جراء استنشاق الغبار الذي غطى المنطقة المحيطة بالبرجين بعد انهيارهما.
كثيرون هم الذين اشتكوا من مضاعفات "يوم القيامة" كما يطلق عليه بعض الأميركيين، لكن جيري بورغ هو ثالث ضحية يضاف اسمها في قائمة ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001.
الضحيتان الأخريان هما فيليسيا دان جونز (42 سنة) وهي محامية، ألم بها المرض مباشرة بعد الهجمات وتوفيت بعد خمسة اشهر لكن وفاتها لم يتم احتسابها نتيجة للهجمات الارهابية الا في العام 2007. أما ليون هايوارد (45) فقد توفي في عام 2008 بمرض ليس له علاقة مباشرة بالهجمات لكن كبير الأطباء الشرعيين في نيويورك شارلز هيرش ذكر في تقرير رسمي أن الغبار الذي استنشقته الضحية ذات صباح يوم مشؤوم ساهم في تعقيد حالته الصحية وسرّع في مرض السرطان الذي كان يعاني منه وبالتالي تم ضمه الى قائمة الضحايا.
جميع الضحايا الـ2753 تم تصنيفهم كضحايا جرائم قتل عمد.. والقضية مفتوحة. الكونجرس الأميركي من جهته خصص مبلغ 2.78 مليار دولار لتعويض كل من تأثرت صحته أو أصيب من المدنيين في أعقاب الهجمات ومبلغ 1.5 مليار دولار كتأمين صحي لعلاج طواقم الانقاذ والتنظيف.

[caption id="attachment_3959" align="alignleft" width="372" caption="ماذا حدث في 11 سبتمبر 2001"]ماذا حدث في 11 سبتمبر 2001[/caption]

في الذكرى العاشرة لهجمات سبتمبر، لا يمكن أن يقف الرقم عند 2753، فمن فقد حياته بفعل الانتقام والارهاب الأعمى، ارهاب الدول وارهاب الجماعات على حد سواء، هو عشرات أضعاف من سيذكرون بالاسم، واحدا تلو الآخر، في الحادي عشر من سبتمبر وتنكّس من أجلهم الأعلام في "غرواند زيرو" وفي عموم الولايات المتحدة. الانتقام الأميركي، أو الحرب على الارهاب كما يقال، تسبب في مقتل أكثر من 6 آلاف جندي أميركي في العراق وأفغانستان، وآلاف غيرهم من المتعاقدين و "المرتزقة" من حملة الجنسية الأميركية الذين لا تحصيهم بيانات وزارة الدفاع، أو ربما لا تريد.
ولأن النفس البشرية واحدة في كل زمان ومكان، ولأنه في العراق وفي أفغانستان هناك أيضا من العرب والمسلمين من يتوق للأمن والأمان ولا يتمنى أن يفقد حبيبا، فلا بد أن تنكّس الأعلام لعشرات الآلاف من الضحايا الذين حصدت أرواحهم آلة الانتقام العمياء التي لم تفرّق بين بريء وظالم ومدني ومقاتل ومجاهد وارهابي. علّ احياء الذكرى العاشرة لهجمات سبتمبر هذا العام تذكر الجميع، أن جميع الأديان تحرّم قتل النفس إلا بالحق.. وكلاهما، من قتل الآمنين بغير ذنب في نيويورك وواشنطن باسم الله أو بغداد أو كابول باسم الرب، على غير حق.

ولأن ذكر 11 سبتمبر لا بد أن يرتبط بمن خطط ونفّذ وتباهى، فذكر تنظيم القاعدة لا مفر منه حتى وان كان من أعطى الأوامر قد دفع الثمن وأصبح هو نفسه رقما.
جيسون بيرك، الخبير في شؤون الجماعات الارهابية يرصد التطورات التي مرت بها القاعدة منذ "غزوة نيويورك المشؤومة" وما آل اليه التنظيم بعد اعلان "الحرب الكونية على الارهاب" وما سيؤول إليه بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن.

القاعدة.. وحرب أميركا على الارهاب


في صيف 2008، كان هناك اجتماع غريب ومتوتر في مناطق القبائل الباكستانية، وذلك حين قرر ستة من أعضاء تنظيم القاعدة، من المهاجرين من فرنسا وبلجيكا، مواجهة قائدهم بتنظيم القاعدة.
قبل أن يغادروا منازلهم، كانوا قد شاهدوا مقاطع فيديو لتنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت تظهر فيها أفواج كبيرة من المقاتلين وهم يتدربون على القتال الضاري ونصب الشراك القاتلة، والاستلهام من الخطب المثيرة لأسامة بن لادن.

والآن وبعدما أن قضوا أشهر عدة في جبهات القتال الساخنة في باكستان، وجدوا أنهم لم يفعلوا أي شيء أكثر من تدريبات بسيطة على الأسلحة الخفيفة وبعض التدريبات الجسدية وتلقي التعليمات الدينية. كما أنهم لم يقاتلوا أو يقابلوا "الشيخ" أو حتى يروا أحد المعسكرات الرئيسة. فأخبروا أميرهم - أسترالي من أصل سوري - المسؤول عن رعايتهم، أنهم يشعرون بأنهم قد تعرضوا للخديعة.. "لقد ضللتنا مقاطع الفيديو".
لم يحاول ذلك القائد التبرير، بل أخبرهم، ربما بصراحة مفاجئة، أن تلك المقاطع المؤثرة كانت محض "خدعة" لتحقيق هدفين في وقت واحد، "إرهاب العدو. وجذب أعضاء جدد". باختصار كانت تلك المقاطع مجرد "دعاية سياسية"، ذلك ما قاله عبد الرحمن هلال حسين الملقب بإدريس.
تقودنا هذه الواقعة، التي تفسرها أسئلة المتطوعين، إلى السؤال الرئيس الذي كان دائما ما يتردد منذ 2001، بل وحتى قبل ذلك: ما هي الطبيعة الحقيقية والقدرات الحقيقية لتنظيم القاعدة؟
اختلفت الإجابات وتغيرت بالتزامن مع تطور الظاهرة التي تصفها، وفي إطار تغير السياسات التي يتم وضعها لمواجهة التهديد.
ومع حلول الذكرى العاشرة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ربما يصبح من الممكن الاستعانة على نحو ما بالمنظور التاريخي على ظاهرة تنظيم القاعدة ودوره في الانتشار الواسع للجهاد الإسلامي المعاصر.
ربما تظهر لنا هذه النظرة التاريخية أن موت أسامة بن لادن لم يكن بداية تطور جديد للمجموعة المتطرفة التي كان يتزعمها ولكنه كان نهاية لفترة طويلة من التداعي.
يبدو أن التداعي بدأ في الوقت الذي بدأ فيه زعيم تنظيم القاعدة الإقامة مع ثلاث زوجات وعشرة أطفال في البيت الذي يتكون من ثلاثة طوابق والذي يبدو أنه كان يقطنه حتى وفاته. فقد أصاب الوهن العناصر الرئيسة الثلاثة لتنظيم القاعدة، القيادة الكبرى، وشبكة الأتباع، والآيديولوجيا بشكل عام.
فمن الواضح أن التراجع قد بدأ إلى حد كبير في اللحظة التي بدا فيها أن التطرف قد بلغ مداه وذلك في الفترة ما بين 2004 و2006 حينما امتدت الهجمات العنيفة من أوروبا الغربية إلى أقصى الشرق وإلى حد ما في كل المناطق التي تقع بينهما.
ولكن قبل الانتقال إلى تاريخ تنظيم القاعدة، يجب استقصاء الحاضر.
[caption id="attachment_3964" align="alignright" width="300" caption="3 رؤساء في ملاحقة تنظيم القاعدة"]3 رؤساء في ملاحقة تنظيم القاعدة[/caption]

الاجتثاث


أولا: القيادة. كانت القيادات العليا لتنظيم القاعدة تعاني من التداعي منذ بعض الوقت. وقد تمكن بن لادن من البقاء أكثر من رفاقه. فيتذكر مسؤول استخباراتي بريطاني أنه في يوليو (تموز) 2009 كان هناك نحو عشرة من القيادات الكبرى في التنظيم. أما الآن فلم يبق منهم سوى واحد هو أيمن الظواهري.
ووفقا لـ"نيويورك تايمز"، يقول المسؤولون الأميركيون بالاستخبارات إنه كان هناك نحو 30 قائدا بتنظيم القاعدة بباكستان وعلى طول الحدود الأفغانية الباكستانية قبل عامين.. "وقد تمكنا من اجتثاث 15 منهم في الميدان العام الماضي"، ذلك ما أكده أحد المسؤولين للصحيفة وخمسة آخرون خلال العام الحالي.
وليست "القاعدة" تنظيما كبيرا. فمن بين نحو 200 فرد يوجدون حاليا في المناطق القبلية الباكستانية، هناك أقل من 100 يعدون من الكوادر الرئيسة. وبالتالي، تعد الإصابات الناجمة عن هجمات طائرات الدرون كبيرة جدا. ولكن هناك بعض الكوادر التي تتمتع بالمهارة ولديها القدرة على إدارة العلاقات العامة - مثل أبو يحيى الليبي – وتلك التي تحسن التخفي مثل الليبي أيضا عطية عبد الرحمن – الذي اعلنت الولايات المتحد قبل أيام مقتله في قصف صاروخي.
ولكن لا يوجد من يجمع بين الخاصيتين – التخفي والعلاقات العامة- مثل بن لادن. فعلى الرغم من أن أيمن الظواهري، خليفة بن لادن، ربما تكون لديه الخبرة الكافية كما أنه يحظى بالاحترام فإنه يفتقر إلى الكاريزما، والأهم من ذلك القدرة على جمع المسلحين من أنحاء العالم الإسلامي كافة.
وعلى الرغم من ذلك ما زال هناك تدفق لانضمام الأعضاء الجدد إلى المناطق القبلية من أوروبا أو العالم العربي أو من غيرهما من المناطق - كانت هناك زيادة أخيرا في عدد الأعضاء الجدد من ألمانيا - ولكن الأرقام الإجمالية أقل بكثير مما كانت عليه قبل سنوات عدة. فلا يوجد سوى عدد قليل من المنضمين الجدد في العام الواحد، فقد انخفض عدد المسافرين من المملكة المتحدة، وفقا لما يقوله المسؤولون بالاستخبارات البريطانية. وعلى الرغم من أنهم ما زالت لديهم القدرة على إحداث أضرار جسيمة فإن تلك الأضرار قد تقلصت إلى حد كبير.
وبخلاف القيادات، كانت هناك شبكات من الشبكات، أو الأتباع. ومرة أخرى، فليست هناك أخبار طيبة لخليفة بن لادن. ففي العراق، يقتصر وجود تنظيم القاعدة المحلي إلى حد كبير على محافظة نينوى التي تقع في الشمال الغربي، كما أن للتنظيم وجودا أقل في بغداد.
ومما لا شك فيه أن وجود التنظيم هناك يمثل خطرا على استقرار البلاد ولكن ذلك التأثير لا يمتد إلى المنطقة ككل، ناهيك عن المستوى الدولي. أما بالنسبة لشمال أفريقيا والساحل، فهناك وجود مبعثر لتنظيم القاعدة في المغرب العربي كما أنه فشل في اكتساب أي شعبية محلية حقيقية. وعلى الرغم من وقوع بعض حوادث العنف الاستثنائية، لا توجد دلائل أن يستغل هؤلاء المسلحون "الربيع العربي" للتمدد أو كسب نفوذ جديد بدأوا يفقدونه. ويعد وجود تنظيم القاعدة في الشرق الأقصى أقل بكثير. فقد تحول هؤلاء المسلحون في الفلبين إلى الشبكات الإجرامية، بعدما كانوا منضمين إلى شبكة الجهاد العالمية. كما تتسم إندونيسيا، أكبر دول العالم من حيث عدد السكان المسلمين، بالهدوء، في أعقاب مقتل أحد المسلحين البارزين بها وهو نور الدين توب في 2009.

الأجندات


ومن جهة أخرى، هناك بعض المشكلات في آسيا الوسطى، بخاصة في أوزبكستان، ولكن لم يكن أي منها يمثل خطورة كما كان الحال في التسعينيات. كما يعد وجود تنظيم القاعدة في أفغانستان محدودا للغاية - ربما لا يزيد عن 150 فردا ليس بينهم سوى عدد محدود للغاية يبدي حماسة للعمليات الدولية - كما أن العلاقة بين التنظيم وحركة طالبان عادة ما تتسم بالتعقيد والتوتر.
وفي باكستان، على الرغم من كونها أكثر اقترابا من تنظيم القاعدة على المستوى التنظيمي والآيديولوجي، ما زالت جماعات مثل "عسكر طيبة" مستقلة تسعى لتحقيق أجندات محلية أو إقليمية حتى وإن كان خطابها الآن يتحدث حول الجهاد الدولي. وعلى الرغم من وجود صلات بين تنظيم القاعدة وتحالف الجماعات المعروف باسم "طالبان باكستان" فإن تلك تعتبر حالة خاصة، كما أنه، بلا شك، لا يوجد اندماج بينهما. وفي النهاية، ما كان من قبل شبكة من الشبكات فإنه يسير في طريق التفكك والتشرذم.

[caption id="attachment_3967" align="alignright" width="226" caption="حرب بلا هوادة"]حرب بلا هوادة[/caption]
ولكن هناك حالتان استثنائيتان وهما اليمن، وشرق أفريقيا. في شرق أفريقيا، هناك جماعات الآن تدعي ارتباطها بتنظيم القاعدة ولكن من الصعب أن نعتبر حركة محدودة مثل "حركة الشباب" الصومالية إضافة استراتيجية للحملة العالمية لإعادة تأسيس الخلافة الإسلامية. وبالفعل تظهر حتى القيادة العليا لتنظيم القاعدة قدرا من التردد في التواصل مع الجماعات الصومالية. وفي اليمن، هناك بالطبع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتمثل تلك المجموعة التي يمتزج فيها المسلحون الأجانب بالمسلحين المحليين تهديدا كما ظهر من خلال الكثير من العمليات التي وقعت أخيرا. ولكن ما زال من المستبعد تماما أن تصبح اليمن كما كانت أفغانستان في أواخر التسعينيات، خط إنتاج رئيسيا للمسلحين المدربين كما أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة مستقل إلى حد بعيد عن القيادة الحالية لتنظيم القاعدة.
وأخيرا، والأكثر أهمية، هو الآيديولوجيا، حيث يعد من الإنجازات الحقيقية لتنظيم القاعدة أن ذلك التنظيم تمكن من نشر مزيجه الخاص من الأفكار الإسلامية المحافظة المتطرفة والإسلام السياسي، والطرائق الثورية الراديكالية والسياسة العلمانية إلى جمهور عريض. والنتيجة، كما يظهر في الولايات المتحدة على نحو خاص، مستوى ثابت ومستمر من التهديدات التي تأتي من الأفراد أو الخلايا الصغيرة المستقلة التي انجذبت للعنف نظرا للكثير من الأسباب. إلا أن الهدف الرئيس لتنظيم القاعدة - حشد الجماهير في العالم الإسلامي وجعلها راديكالية في ما يتعلق بقضية الإسلام المتطرف - مني بالفشل. وكما أثبت الربيع العربي، ما زال تنظيم القاعدة مهمشا على المستويات الاجتماعية، والسياسية، والآيديولوجية، والثقافية. وليس من المرجح أن يتغير ذلك في المستقبل القريب.
ما يتبقى إذن هو مجرد تهديد وظاهرة فوضوية ومتباينة وغير متوقعة. على وجه التحديد يأتي الخطر من بقايا آيديولوجيا تنتشر بحرية يمكنها أن تسفر عن اندلاع العنف حيثما تسمح عوامل أخرى أو تشجعها على ذلك. ربما يكون من بين تلك العوامل تدخل الدولة أو النشاط الإجرامي أو مجموعة محددة من العناصر المحلية. ولا مفر من أن عالما فوضويا يتسارع ظهوره أسفر عن صراع وجماعات مسلحة تشترك في تلك الخصائص.
ليس من الواضح ماذا يعني ذلك للسياسة الأميركية. ربما يكون أحد المفاتيح هو دراسة الفترة المهمة من 2005 إلى 2006. ذكرت في ما سبق أن انهيار فرص "القاعدة" بدأت في فترة تسبق تلك التي يظنها البعض. بالنسبة لي، كانت الفترة التي شهدت القلق الكبير وانتشار العنف - والتي شهدت أيضا ترقب واضعي استراتيجيات جهادية مثل أيمن الظواهري وأبو مصعب السوري لانتصارات كبرى - هي اللحظة الرئيسة التي بدأ فيها مد التطرف في الانحسار.
وبالطبع يتضح نطاق هذا الانحسار الآن بصورة أكبر مما كان عليه منذ خمسة أعوام عندما كان غبار الصراع ودخانه يحجبانه.

الانحسار


ومرة أخرى يجب علينا أن نلقي نظرة على العناصر الثلاثة في "القاعدة" وكيفية أدائها في ذلك الوقت.
أولا الأخبار التي نقلت عن مسؤولين أميركيين مشتركين في الحصول على المواد المخبأة التي تم الاستحواذ عليها من مجمع أبوت أباد، بأن تفجيرات لندن 2005 وخطة تفجير الطائرة التي تم إحباطها في العام التالي كانت آخر المخططات التي علم بها بن لادن عن قرب وكانت له درجة من السيطرة عليها. وفي ما يبدو منذ ذلك التاريخ تقيد دور زعيم القاعدة بالتوجيه الاستراتيجي العام. ولا يعني ذلك كما يقول البعض إن بن لادن كان مجرد قائد رمزي. ولكنه يعني أنه، رغما عن إرادته، كانت هناك حدود لمعرفته بالتخطيط للهجمات وسيطرته عليها منذ مدة أبعد كثيرا من تلك التي يظنها البعض.
المؤشر الثاني هو أنه على الرغم من تسارع وتيرة إنهاك رموز "القاعدة" في باكستان وغيرها من المناطق، فإن عملية تقلص صفوف المسلحين الإسلاميين النشطين بدأت في فترة سابقة. كما تمت عمليات اعتقال لشخصيات بارزة في عامي 2002 و2003 مثل أبى زبيدة وخالد شيخ محمد ورمزي بن شيبة. ولكن كان الحدث الرئيس الذي يشير إلى درجة المصاعب التي تواجه "القاعدة" هو مقتل الزعيم المنتمي إلى الجماعة أبو مصعب الزرقاوي في العراق في عام 2006. كان ذلك نتيجة للعمل الاستخباراتي الفعال للوكالات الأميركية والعراقية ووكالات محلية أخرى، بل وأيضا نتيجة لحشد قوة حركة الصحوة السنية في محافظات غرب العراق حيث أجبرت الزرقاوي على الخروج من مناطق آمنة نسبيا إلى مواقع أصبح فيها أكثر عرضة للقتل في شمال شرقي بغداد. وبالطبع في العموم أدت حركة الصحوة إلى تهميش مؤثر للمتطرفين الجهاديين الدوليين في العراق وإلى هزيمتهم في ساحة رئيسة.
[caption id="attachment_3970" align="alignleft" width="193" caption="أسلحة أميركية جديدة في عصر الحرب على الارهاب"]أسلحة أميركية جديدة في عصر الحرب على الارهاب[/caption]
ويشير عنصر ثالث رئيس أيضا بالدليل إلى أي مدى كانت قوة "القاعدة" منحسرة بالفعل في منتصف العقد الأخير، كانت استطلاعات الرأي التي توضح درجة تأييد بن لادن و"القاعدة" ومنهجهما بعيدة عن الإجماع وشهدت انخفاضا سريعا في دول مثل مصر والسعودية والأردن وإندونيسيا وغيرها. كما كان السخط المنتشر بين المؤيدين السابقين للزرقاوي بعد تفجيره للفنادق في عمان في نوفمبر (تشرين الثاني) عاملا رئيسا في جمع معلومات سمحت للاستخبارات الأردنية باختراق شبكاته. وجدير بالاهتمام أيضا أن الأعوام من 2004 إلى 2007 شهدت ذروة تدفق المتطوعين من المملكة المتحدة في المناطق القبلية الخاضعة للحكم الفيدرالي.
كما ظهرات الاستراتيجية الأميركية وتكتيكات محاربة الإرهاب حول العالم في تلك الفترة بصورة راديكالية أيضا. وبذلك تم استغلال الفرص الاستراتيجية التي وفرتها التغييرات التي تم توضيحها أعلاه. وكان مفتاح ذلك هو استيعاب فكرة أن الحلول العالمية التي تعتمد على الآيديولوجيات العالمية حتما مصيرها الفشل.
أكد دليل مكافحة الإرهاب الجديد الذي جمعه الجنرال ديفيد بترايوس لتستعين به القوات التي تم تعزيزها في العراق على "الوعي الثقافي كمضاعف للقوة" وأهمية احترام قواعد السلوك المحلية. وكان ذلك بعيدا للغاية عن اعتقاد قطاع كبير في المؤسسة السياسية الأميركية التي يضمن بالنسبة لها انتشار القيم الأميركية أو على الأقل رأسمالية السوق الحرة والديمقراطية الليبرالية على الطريقة الأميركية تحقيق الأمن في القرن الحادي والعشرين. يتفق مع هذا التأكيد الجديد على المجتمع المحلي في مقابل "الخير العالمي" تأكيد متزايد في دوائر مكافحة الإرهاب على الخاص وليس العام.
تم التخلي عن رسم صور جانبية لصالح تحليل دقيق لعملية التحول الراديكالي. وتم إقصاء التصنيف الهرمي والاستعانة بدراسة الشبكات التي تؤكد على دور النظراء والشركاء في رحلة أي شخص إلى التحول الراديكالي العنيف. في الوقت الذي سمحت فيه نظريات مكافحة الإرهاب الجديدة للجنرالات الأميركيين باستغلال الفرص الاستراتيجية التي ظهرت في العراق أثناء فترة تحول المجتمعات السنية في العراق بعيدا عن الجهاديين، حيث لم تهتم أفكارهم وسلوكهم بالاختلاف المحلي والمجتمعات المحلية كما كانت واشنطن تفعل. استطاعت تلك الوسائل الجديدة – بمصاحبة قوى جديدة وموارد جديدة – أن تستغل الفرص الاستراتيجية التي قدمها التحول العام من الفكر الإسلامي المتطرف الذي كان موجودا في ذلك الوقت. ومنذ عام 2006، أدخلت تلك الوسائل الحديثة في العمل بصورة متزايدة في عملية صناعة السياسات والاستراتيجيات مع تحقيق نتائج إيجابية.
قد يكون الدرس الفعلي المستفاد من الأعوام العشرة الماضية ببساطة أن السياسة الخارجية يجب أن تكون أقل طموحا. وقد أوردت الاستخبارات الأميركية في تقريرها الذي يصدر كل أربع سنوات في نهاية عام 2008 أنها - في فترة مقابلة "إدريس" والاتهامات المحبطة الموجهة إليه في باكستان - رأت أنه في غضون عقود قليلة لن تستطيع الولايات المتحدة أن "تمارس نفوذها". بل توقعت الاستخبارات أنه من المرجح أن تواجه أميركا تحديات كوكب منقسم، تزداد فيه الصراعات حول الموارد النادرة، تعجز عن احتوائها مؤسسات دولية آيلة للسقوط.
ولكن تنبأ التقرير السابق له، والذي نشر في ديسمبر (كانون الأول) 2004، عندما أعيد انتخاب الرئيس بوش وكان يستعد لتنصيبه رئيسا لفترة ثانية، باستمرار الهيمنة الأميركية لعدة سنوات مقبلة، مع الوضع في الاعتبار تخلي معظم القوى العظمى عن فكرة تحقيق التوازن أمام الولايات المتحدة. لذلك جاء الاختلاف في غضون الأعوام التي تفصل بين 2004 و2008 صارخا. إذا كانت تلك الأعوام حققت نصرا، فلا يمكن أن تحقق الولايات المتحدة والغرب عامة مزيدا من الانتصارات المشابهة.

[caption id="attachment_3975" align="aligncenter" width="620" caption="نيويورك تنهض من جديد"]نيويورك تنهض من جديد[/caption]

font change