ربع مليون تونسي يعيشون تحت خط الفقر

ربع مليون تونسي يعيشون تحت خط الفقر

[caption id="attachment_55228372" align="aligncenter" width="619" caption="تونس.. ثورة كرامة وحرية وأيضا ضد الفقر والبطالة والتهميش"]تونس.. ثورة كرامة وحرية وأيضا ضد الفقر والبطالة والتهميش[/caption]

لا يشعر سكان سيدي بوزيد بلدة محمد البوعزيزي بالرضا، بل يرفعون أصواتهم من موقعهم في واحدة من أفقر مناطق تونس في مظاهرات شبه يومية ضد ما يعدونه حكومة أخرى مخيبة للآمال تتجاهل التحديات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة، في حين أنها تنفذ أجندتها السياسية النخبوية، بعد أن وصل معدل البطالة إلى 19 في المائة، بارتفاع خمس درجات عما قبل الثورة، حيث تدفع المظالم ذاتها التي أشعلت الانتفاضة في نهاية عام 2010 الناس إلى الخروج إلى الشارع من جديد، فمنذ تسعة أشهر خرجت الحشود ضد حكومة زين العابدين بن علي مرددين «بن علي، ارحل!».

اليوم يهتف سكان بلدات مثل سيدي بوزيد «باجي، ارحل!» حتى في مواجهة الهراوات والغاز المسيل للدموع وفي بعض الأحيان الموت، ووصل الأمر إلى تساؤل بعض التونسيين عما إذا كانت الثورة قد غيرت تونس؟

من وجهة نظر الحكومة، سوف تستغرق مهمة تنمية الاقتصاد التونسي الصعبة بعض الوقت، لكن الحكومات الانتقالية تفتقد صلاحيات الدخول في اتفاقيات تنمية طويلة المدى باسم الدولة، لذا تترك الحكومة الانتقالية الحالية إجراء تغييرات هيكلية كبيرة للحكومة المنتخبة، وتركز بدلا من ذلك على توفير بيئة آمنة يذهب من خلالها التونسيون إلى صناديق الاقتراع في 23 أكتوبر (تشرين الأول) لانتخاب مجلس تأسيسي، ويقوم بعد ذلك المجلس التأسيسي بصياغة دستور جديد في خلال عام واحد، يطرح في استفتاء شعبي ليقبله أو يرفضه التونسيون.

ويعد هذا الأمر جيدا للقلة التي يمكنها الانتظار، ولكن بالنسبة لربع مليون تونسي يعيشون تحت خط الفقر – حيث يعاني من 750 ألف إلى 800 ألف تونسي من البطالة حاليا – تعني هذه العملية أنه لن يكون هناك دعم لهم طوال تلك الفترة.

النهوض بالاقتصاد


في منطقة القصرين نظم المعلمون اعتصاما لمدة شهرين تقريبا في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز)، وقد قال كريم فهيم ، أحد سكان المنطقة، بصراحة لمراسل صحيفة «نيويورك تايمز» «إذا لم تكن هناك تنمية في هذه المنطقة، لن يكون هناك استقرار في البلاد»، وبالنسبة لفهيم وأعداد متزايدة من التونسيين تعني التحديات الرئيسية في هذه المرحلة من الثورة بطء الإصلاح والعلاقات السيئة بين الحكومة والشعب والقرارات غير الحكيمة.

جدير بالاهتمام أن تلك التحديات كذلك تعرقل محاولات الحكومة لتحسين الأوضاع، فعلى الرغم من اعتراف رئيس الوزراء المؤقت باجي قائد السبسي بالصعوبات الاقتصادية، فقد أكد على أن أي إجراءات مخططة من أجل تحسين وضع الاقتصاد والحد من البطالة ستستغرق وقتا حتى تحقق نتائج ملموسة، وفي الوقت ذاته، أكد رئيس الوزراء على أهمية دور المستثمرين ورجال الأعمال في مساعدة الحكومة على النهوض بالاقتصاد.

منذ تشكيلها، حاولت الحكومة الانتقالية الحالية أن تحد من تأثير الأزمة الاقتصادية عبر عدد من المبادرات المصممة من أجل حل سريع ولكنه قصير المدى، وتتضمن تلك الحلول تقديم معونات نقدية للأسر ذات الدخل المنخفض، وزيادة أعداد الأسر المستفيدة من المعاشات الاجتماعية (من 50,000 إلى 185,000) وتطوير برامج الحكومة وخطط توفير فرص العمل التي تستهدف الشباب المحروم، ولكن على الرغم من تلك الجهود، لم تخطط الحكومة من أجل الوصول إلى عدد كاف من الناس، إلى حد ما بسبب تفتت عملية صناعة القرار الاقتصادي بين ثمانية وزارات مختلفة ومكتب رئيس الوزراء والبنك المركزي، دون التنسيق فيما بينها.

[caption id="attachment_55228373" align="alignleft" width="300" caption="الباجي قائد السبسي"]الباجي قائد السبسي[/caption]

معاناة التونسيين


تساهم الحدود الهيكلية في الحكومة وعجزها، بالإضافة إلى الشعور المتنامي بعدم اهتمامها بمعاناة التونسيين العاديين، في توتر العلاقة بين المحكومين وحكومتهم الانتقالية.
كما أن تلك العلاقة ازدادت سوءا في الشهور الأخيرة، واشتبك المتظاهرون الذي خرجوا احتجاجا على بطء وتيرة التغيير مع الشرطة في شوارع تونس العاصمة وسيدي بوزيد وسبيطلة ومتلوي وجبنيانة وساقية الزيت ودوز والقلعة، وردت الشرطة بدورها باتخاذ إجراءات وقائية وحمائية قاسية، بما فيها من حظر تجول واعتقالات وفي بعض الأحيان العنف لفرض حالة الطوارئ منذ 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، ويصعب تقبل مثل هذا التركيز المكثف على فرض القانون والنظام، وهي سمة بغيضة في حكومة بن علي، على من ينتظرون الاستفادة من بيئة اقتصادية أكثر أمنا.

وفي ضربة أخرى لسمعة الحكومة، ألقى السبسي خطابا للأمة في 6 سبتمبر (أيلول) وكان مثيرا للاستياء على وجه خاص، فبعد الخطاب خرجت قوات الشرطة في مظاهرات تطالب باستقالة وزير الداخلية حبيب الصيد ورئيس أركان الجيش التونسي الجنرال رشيد عمار، وحملت الشرطة الصيد مسؤولية تجاهل مطالبهم بإجراء محاكمات عادلة لزملائهم المتهمين بقتل الثوار أثناء الثورة، واتهموا رشيد عمار بإثارة الاضطراب الراهن من أجل الاستحواذ على السلطة.

في خطابه ذكَر السبسي التونسيين بأن البلاد كانت في حالة طوارئ، وبرر فرض حظر على «جميع المظاهرات والإضرابات والتجمعات التي ربما تؤثر على سلامة البلاد». وأضاف قائلا إن أي شخص يُعرف بتورطه في أنشطة تهدد أمن البلاد، «قد يوضع رهن الاعتقال المنزلي، وإنه سيتم تعزيز سلطات حكام الأقاليم، وانتقد السبسي الشرطة، لدرجة أنه وصف بعضا منهم بالقردة ووصف مظاهراتهم بـ«التشجيع على العصيان». حمل الخطاب قدرا كافيا من الإساءة مما دفع رجال الشرطة إلى المطالبة بالاعتذار في مظاهرة ثانية بعد يومين.

مخاوف أمنية


يشير رد فعل الحكومة على الفوضى الراهنة على الأقل إلى عجزها عن الحكم في بيئة ما بعد الثورة وعلى أقصى تقدير أنها لا تعمل في صالح التونسيين، ولكن من الصعب إثبات عملها لغير صالح الشعب على الرغم من تكرار هذا الادعاء، كما أن الحكومة تستجيب للصعوبات الاقتصادية والمخاوف الأمنية، التي تظهر باستمرار في استطلاعات الرأي بصفتها أهم القضايا التي تهم التونسيين اليوم.

التفسير الأكثر ترجيحا للقلق المتزايد هو محدودية كفاءة الحكومة التي يبدو أنها غير قادرة على إدارة البلاد وفي الوقت ذاته الانتقال بها إلى المرحلة التالية من العملية الديمقراطية، ووسط تنامي الشكوك، يريد التونسيون مساءلة الحكومة عن تعهداتها بتلبية احتياجاتهم.

ويحذر جمال بالطيب، الناشط التونسي وعضو برنامج زملاء الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حديثه إلى «المجلة»، قائلا: «يلتزم الشعب التونسي بتجنب العنف ليبطل أي حجة للحكومة لكي تبقى في الحكم، إذا كان ذلك هو ما تريده الحكومة الانتقالية بالفعل». بمعنى أن الحكومة يجب أن تلعب بذكاء أكبر في تعاملها مع الشعب وأن تتجنب استفزاز المواطنين التونسيين بخطاباتها التي لا تراعي أي حساسيات وبردود أفعالها العنيفة على شكواهم المشروعة، ومع اقتراب موعد الانتخابات التي ستجرى في أكتوبر، من المهم إيجاد قاعدة مشتركة بين الشعب والحكومة من أجل التقدم بالبلاد نحو مستقبل أفضل.

جاكلين شون
font change