ثلاثة سيناريوهات لمستقبل غامض

ثلاثة سيناريوهات لمستقبل غامض

[caption id="attachment_55229371" align="aligncenter" width="620" caption="أي مستقبل لليمن وأي مصير لصالح؟"]أي مستقبل لليمن وأي مصير لصالح؟[/caption]

تعتقد «المجلة» أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل اليمن القريب في ظل وقوف اليمن على شفا حرب أهلية محتملة. فبعدما شهد اليمن انتفاضة ذات نتائج محدودة خلال العام الأكثر زخما في العالم العربي، أصبح يرزح تحت وطأة الانقسامات. ومن خلال هذا المقال نفحص مناطق الضغط التي تتعرض لها تلك الدولة المقسمة، خاصة بالنظر إلى المناطق التي سوف تتعرض لتصدعات إذا ما تشبث صالح بالسلطة، أو إذا ما تعرض لانقلاب أو إذا ما عمل على تسليم السلطة طواعية.

في ظل تحول انتباه العالم إلى تونس ومصر وليبيا وسوريا وإيران، لم تتصدر التطورات في اليمن عناوين الأخبار في الآونة الأخيرة. رغم أنه بعد عشرة أشهر من الاحتجاجات العنيفة، ربما تكون اليمن أقرب ما يكون إلى إجراء انتقال سلمي للسلطة، بعد 33 عاما من حكم الرئيس علي عبدالله صالح. ويعد ذلك الانتقال المحتمل للسلطة تحولا مميزا في أعقاب السخط الذي ساد اليمن في الصيف.

بالعودة إلى يونيو، وبعد إصابته البالغة في هجوم بالقنابل الصاروخية على شخصه، سافر الرئيس صالح إلى السعودية لتلقي العلاج الطبي لأكثر من ثلاثة أشهر. وهو ما خلق حالة من التفاؤل بين صفوف جماعات المعارضة اليمنية التي تمنت ألا يعود الرئيس. ولكن صالح تشبث بالسلطة من على فراشه بالمستشفى، وعاد لليمن لكي يستأنف ممارسته للسلطة بحيوية وقتالية. ولا يرجع الفضل في عودته له وحده بل يشير، في الوقت ذاته، إلى ضعف المعارضة التي لم تكن لديها القوة الكافية لمنعه من العودة.

وينجم إخفاق المعارضة عن تنوعها وانقسامها، فالمجموعة الرئيسية للمعارضة (أحزاب اللقاء المشترك) يهيمن عليها حزب الإصلاح الإسلامي والحزب الاشتراكي اليمني، من جنوب اليمن. كذلك يعد «اتحاد قبائل حاشد» من جماعات المعارضة الرئيسية، وإن كان بعض المراقبين يعتقدون أن أهدافهم تجارية أكثر منها سياسية. وفي الشمال الغربي، انضم الشيعة الحوثيون إلى المعارضة منذ بداية الانتفاضة ولكنهم اختلفوا لاحقا مع الإصلاح السني، مما يبرز صدعا آخر في صفوف المعارضة. ثم هناك رفيق صالح السابق والذي أصبح الآن من رموز المعارضة، الجنرال علي محسن، الذي انشق في مايو (أيار) هو والفرقة الأولى المدرعة بالجيش اليمني التي كان يقودها. ويتقاطع مع ما يطلق عليه المعارضة عددا من الجماعات ذات المصالح الخاصة - من العديد من القبائل إلى تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة - والتي تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة.

منذ مارس (آذار)، كان مجلس التعاون الخليجي يغوص في تلك المياه المسمومة محاولا إيجاد مخرج للرئيس صالح. وتم الاتفاق على عدد من الصفقات وفي كل مرة، كان الرئيس صالح يحنث بوعوده. ولكن في الأسابيع الأخيرة، كان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، جمال بن عمر، يعمل على صفقة جديدة، تشتمل على استقالة الرئيس صالح بعدما ينقل السلطة لنائبه حتى الانتخابات الرئاسية القادمة التي سوف تجرى خلال الأشهر الثلاثة القادمة.

[caption id="attachment_55229373" align="alignleft" width="300" caption="هل نحن على أبواب حرب أهلية"]هل نحن على أبواب حرب أهلية[/caption]

وكانت الاتفاقات السابقة على وشك التحقق، ولكن دول مجلس التعاون الخليجي كانت تدرك أن إقناع صالح بالتخلي عن السلطة ليس بالمهمة السهلة.
وتفحص «المجلة» السيناريوهات الثلاثة التي يمكن أن يواجهها اليمن في الشهور القادمة - سواء التحديات المرتبطة بها أو إمكانيتها - وبذلك تأمل أن تلقي الضوء على مستقبل اليمن المعرض للخطر.

المأزق


إذا لم يتنح صالح في وقت قريب، سوف تبدأ الدولة اليمنية في التداعي، وهو ما يمكن أن يسفر عن حرب أهلية شاملة. وفي ظل عدم التوصل بعد إلى تسوية، ما زال صالح يتأمل بلامبالاة اليمن وهو يحترق. فخلال نحو عشرة أشهر من العنف المستمر، تمكن صالح من إبقاء المجتمع الدولي كاتما أنفاسه مترقبا رحيله في أي لحظة، في ظل وعد عقب الآخر بتنحيه. وفي يوم السبت، الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، كان من المتوقع أن يتنحى في أي وقت، ولكنه ما زال حتى اليوم رئيسا لليمن دون نهاية تلوح في الأفق.

ويعني النقص الحاد في الغذاء والمياه والوظائف المزيد من الاضطرابات، وشعبا يائسا ومعرضا للخطر يمكن تسييسه بسهولة وتجنيده في مجموعات مسلحة غير نظامية. وتعني الاضطرابات في مأرب نقص الوقود كما يستعد مواطنو محافظة أبين في جنوب اليمن لحرب شاملة بعد شهور من القتال المستمر بين السلفيين والحوثيين.

وعلى مقربة من العاصمة، حدث انقسام بين منطقتي أرحب ونهم بمحافظة صنعاء حيث تؤيد الأولى صالح فيما تطالب الثانية برحيله. وقد تضمنت صداماتهم الهيمنة على أكبر مطار بالبلاد وتبادلا السيطرة على السلطة ثلاث مرات.
وفيما استمرت الفصائل السياسية والعسكرية المتصارعة في العراك في المراكز الحضرية باليمن، نشب القتال في المناطق القبلية الريفية بالبلاد معززا ليس فقط العصبيات القبلية ولكن الانقسامات الطائفية المريرة أيضا. وكان متمردو الشيعة الحوثيون في شمال اليمن يتقهقرون في معاركهم ضد السلفيين فيما كان تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة ينسق هجمات في صعدة والجوف ضد المقاتلين الحوثيين.

وسوف تزيد قوة القبائل اليمنية، وميليشياتها والانقسامات الطائفية مما يقلص فرصة الانتقال السلمي للسلطة. فإذا ما ذهب أولاد صالح وأسرته الكبيرة - التي تهيمن على عدة جوانب من حكومته - لمطاردة زعماء القبائل، فمن المحتمل أن تصبح المناطق الريفية المسالمة التي تخضع لحكم قبلي راديكالية ودفاعية. فحتى الآن، لم يكن لدى تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة مساحة كافية للمناورة ولكن المزيد من الاضطرابات وتقلص العلاقة بين سلطة العاصمة وسلطة القبيلة سوف يخلق المساحة التي يحتاجها تنظيم القاعدة. وكما نعلم حاليا، فإن تنظيم القاعدة يزدهر في ظل العنف والاضطرابات.

لقد بدأ الصبر ينفد، حتى بين أصدقاء صالح. حيث إن رجال الأعمال اليمنيين - القلقين بشأن كارثة اقتصادية اضطرت اليمن إلى تأجيل التعامل معها - يدفعون السياسيين لعقد صفقة لنقل السلطة، وهو ما سيجعل من الصعب على صالح أن يستمر في السلطة كما ربما يؤدي ذلك المأزق إلى نشوب حرب أهلية.

انقلاب عسكري


إذا ما تمسك صالح بالسلطة، فربما يتخلى الجيش عنه. فربما يدعمون مرشحا آخر من داخل الحكومة أو نائب الرئيس أو ينضمون للمنشقين بزعامة محسن. وليس لدى صالح العديد من السوابق المعاصرة أو السابقة لكي يتطلع إليها عندما يتعلق الأمر ببقاء زعيم حيا في العالم العربي بعد نشوب انقلاب عسكري ضده. فليست هناك حاجة للنظر أبعد من معمر القذافي الذي تم سحله حيا وسط الجماهير وضربه وإطلاق النيران عليه عدة مرات في الرأس بعدما قاوم بعناد تسليم السلطة. وبخلاف الخروج الطوعي لزين العابدين بن علي ومبارك والذي وفر لهما نوعا من الراحة بعد خروجهما من السلطة، من المستبعد أن يتلقى صالح نفس المعاملة إذا ما تمسك بالسلطة وخلعه الجيش عنوة.

[caption id="attachment_55229372" align="alignright" width="300" caption="الجيش.. متى يقول كلمته ولمن سوف ينحاز؟"]الجيش.. متى يقول كلمته ولمن سوف ينحاز؟[/caption]

لقد قضى صالح 33 عاما في السلطة «يرقص على رؤوس الأفاعي» وكانت تلك الرقصة الطقوسية المفضلة هي ما منحته عددا من الأعداء والأصدقاء المستعدين للإلقاء به في حفرة الأفاعي إذا ما تطلب الأمر ذلك.
كما جعل استخدام صالح للقوة ضد شعبه منذ بداية الانتفاضة تلك الرقصة أكثر صعوبة، حيث تخلت عنه القبائل التي كانت تؤيده سواء في الشمال أو في الجنوب كما تسبب الانشقاق في الجيش بزعامة محسن إلى انقسامات داخل الجيش أيضا.

وإذا ما تخلى الجيش عنه، فإن نفوذ أسرته، التي تتمركز في صنعاء سوف يتداعى بلا شك. وعلى الرغم من حصوله على تأييد بعض القبائل، كان صالح رجلا عسكريا يعتمد دائما على الجيش في مواجهة خصومه وتوفير دافع لمساعدة الغرب له والذي كان يعتمد عليه في قتال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة. وباستخدام التمويل الخاص بمواجهة الإرهاب، مول صالح نفوذ أسرته وشبكة المنتفعين. وإذا ما خسر ورقته الرابحة، سوف ينتهي حكمه حتما.
وليس واضحا كيف سيسلك الجيش إذا ما انشق على صالح، ولكن المرجح أن يختار من داخل صفوفه ويستبعد أسرة صالح وكبار المسؤولين بالإدارة الذين اقترنوا بنظام صالح سواء في النظام أو في المناصب الكبيرة بالجيش.
وإذا ما كان العراق يمثل قياسا تاريخيا، فيجب أن يتذكر علي عبد الله صالح مصير عبد الكريم قاسم الذي أخفق في الحفاظ على السلطة عام 1963 عبر رقصة الأفاعي وتم إرداؤه قتيلا.
كما أن فرصة انفصال الجيش بالكامل عنه منخفضة للغاية نظرا لأنه كان يملأ الجيش بأفراد أسرته وحلفائه. كما أن إجراء مصالحة سريعة بين الجيش والمعارضة بعد عشرة أشهر من القتال المرير تمثل إشكالية أيضا. ومن ثم، يبدو ذلك السيناريو مستبعدا.

استقالة صالح


يجب على صالح أن يتنحى وأن يدع عملية انتقال السلطة تبدأ. وبالطبع، كان صالح يكرر دائما موافقته على صفقة مجلس التعاون الخليجي ثم يحنث بها متسائلا: لمن أسلم السلطة. ومن منظور صالح، كان ذلك دائما تكتيكا للتأجيل. في الأسابيع الأخيرة، كان مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، جمال بن عمر يتفاوض على آليات لنقل السلطة. فسوف يقوم صالح بتسليم السلطة لنائبه، عبد ربه منصور هادي، وسوف تشكل المعارضة و«المؤتمر الشعبي العام» الحاكم حكومة وحدة ويعاد هيكلة الجيش قبل الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها خلال ثلاثة أشهر. نظريا، يبدو ذلك أمرا طيبا ولكن الخطة تشتمل على مشكلات كبرى، أقلها هو من سوف يقوم بتنفيذ تلك الخطة.

لقد بدأ بن عمر دبلوماسيته المكوكية بين «المؤتمر الشعبي العام» الموالي لصالح وجماعات المعارضة الرئيسية (أحزاب اللقاء المشترك). ولكن حركة المعارضة أوسع من مجرد «أحزاب اللقاء المشترك»، ولكي تستمر الصفقة، يجب ألا تبدو وكأنها محاكمة بين هذين الخصمين فقط. ومن جهة أخرى، إذا ما امتدت تلك العملية لكي تشمل أطرافا أخرى، هناك خطر أن يتحول نقل السلطة إلى مؤتمر متعدد الأطراف وحوار وطني من النوع الذي يصاحب المفاوضات الدستورية والإصلاحات. وعلى الرغم من أن ذلك ليس سيئا في ذاته، فإنه سوف يزيد من احتمالية امتداد فترة التغيير والاضطرابات السياسية.



وحتى خلال الأشهر الثلاثة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية، هناك مشكلات هائلة. حيث إن استعداد «المؤتمر الشعبي العام» للتفاوض مع المعارضة لم يتم اختباره، مثله مثل استعداد أي من - أو كل من - الجنرال محسن، وقادة الجيش الموالين لصالح (عدد منهم من أقارب صالح أو على علاقات قبلية به) لإعادة هيكلة الجيش.
وكما حدث في ليبيا، فإن ما يوحد المتظاهرين المناهضين للحكومة هو حركة المعارضة وليس وجود رؤية إيجابية حول ما يمكن أن يحل محل الرئيس المذموم. ولنفس السبب، فإنهم يفتقرون للقادة الذين يمكنهم الزعم أنهم يمثلون الإرادة الجماعية، إن كان هناك مثل هذا النوع من الإرادة. فقد أعرب تمرد الجنرال محسن بوضوح عن طموحاته الرئاسية، كما منحته حمايته للمعارضين المتحصنين بميدان التحرير بصنعاء بعض التأييد. إلا أنه من غير الواضح، مدى التأييد الذي يحظى به بين الجماعات المختلفة للمعارضة أو إلى أي مدى سوف يستمر ذلك إذا ما بدأ انتقال السلطة.
والأهم من ذلك، فإنه من غير الواضح إذا ما كانت تلك المجموعات، أو من بينها، سوف يقبل إجراء الانتخابات الرئاسية كإنجاز لأحد عشر شهرا من الاحتجاجات. فخطورة ذلك السيناريو هو أن فراغ السلطة الذي سوف ينجم عن تنحي صالح لا يمكن ملؤه بسهولة أو ببساطة خلال الأشهر الثلاثة التي تعول عليها الأمم المتحدة. بل ربما يكون لذلك تأثير عكسي، من خلال إشعال التنافس بين المجموعات التي كانت حتى الآن متحالفة ضد صالح. في ذلك السيناريو سيكون الفائز الأكبر هو «المؤتمر الشعبي العام».

ما التالي؟


ليس من بين السيناريوهات المتوقعة سيناريو يتوقع بقاء صالح في السلطة على المدى البعيد، ويبدو من خلال تصريحات صالح وأفعاله أنه يدرك تلك الحقيقة. فهو يقر بذلك في تصريح أخير: «لدي 33 عاما من الخبرة في السلطة وأدرك الصعوبات والسلبيات والإيجابيات. وأعلم أن من يتشبث بالسلطة ليس إلا مجنونا».
والسؤال الآن وعلى المدى القريب: كيف سيسلم صالح السلطة. هل سيكون قادرا على تأمين مصالحه ومصالح أسرته عندما يغادر، أم أنه سوف يفقدها جميعا حينما يستمر اليمن من دونه؟ على المدى البعيد، يجب أن يبدأ اليمن النظر في إعادة بناء الدولة التي تشكو من جراح عميقة يصعب مداواتها من دون وحدة وطنية وتغليب الجميع مصلحة اليمن.

مريم إيشاني
أندرو بوين
توماس ألبرتس
font change