العقوبات الاقتصادية.. تعاقب من؟

العقوبات الاقتصادية.. تعاقب من؟

[caption id="attachment_55229511" align="aligncenter" width="620" caption="النظام السوري يحشد أنصاره"]النظام السوري يحشد أنصاره[/caption]

اجتمع وزراء المالية في جامعة الدول العربية يوم السبت لفرض عقوبات اقتصادية على سوريا. تأتي هذه الخطوة امتدادا لمحاولات جامعة الدول العربية في اضعاف موقف النظام السوري ووقف القمع الداخلي. وعلى الرغم من ان هذه العقوبات اصبحت اجراء روتينيا في حقبة الإجراءات الرامية الى إسقاط الأنظمة، الا ان تأثيرها الفعلي محدود في ايقاف مسلسل القمع، كما ان لها أثرا سلبيا على المواطنين قبل الحكومات.

في العقود السابقة، أقدم المجتمع الدولي الى فرض عقوبات اقتصادية على عدد من الدول في الشرق الاوسط - أبرزها العراق. وعلى الرغم من ان العقوبات قادت العراق الى عزلة دولية، إلا انها زادت من سطوة نظام صدام حسين وتجاوزاته على المدنيين. يعود ذلك جزئيا الى غياب العلاقات الدولية التي قد تلعب دورا في التأثير على النظام العراقي ومحاسبته.

بعد فرض العقوبات الاقتصادية على العراق بسبب غزو الكويت، عانى المواطن العراقي من انخفاض حاد في مستوى المعيشة. على سبيل المثال، ارتفع عدد الاطفال الذين ماتوا قبل سن الخمس سنوات بسبب غياب التغذية السليمة والرعاية الصحية ليصل الى 500 الف طفل ما بين عام 1990 و1997 - ضعف النسبة ما قبل العقوبات.

كذلك، ارتفع عدد الأميين من الاطفال العراقيين الى 20 في المائة مقارنة بنصف ذلك قبل العقوبات. اثرت العقوبات الاقتصادية بشكل رئيس على المواطن العراقي وأدى ذلك الى انخفاض حاد في مستوى التعليم والانتاج الزراعي والرعاية الصحية.
وبذلك، لم تحقق العقوبات الاقتصادية هدفها، بل استهدفت الفئة الضعيفة وسمحت للنظام العراقي من الاستمرار لاكثر من عقد تحت هذه العقوبات لقدرته على توجيه آثار العقوبات الى المواطن وعدم الاكتراث بشكل جدي بالتنمية.

[caption id="attachment_55229512" align="alignleft" width="276" caption="العرب يعزلون سوريا "]العرب يعزلون سوريا [/caption]

من جهة اخرى، مارس نظام صدام حسين اعمال قمع في فترة العقوبات تتجاوز تلك التي سبقتها. في عام 1991-1992 فقط، قمع نظام صدام حسين عددا من الجماعات المعارضة في كردستان وجنوب العراق لتصل الى ما بين 20 ألفا و100 ألف قتيل في كردستان، و60 ألفا الى 130 ألف قتيل في الجنوب.
وبحكم العزلة الدولية، لم يستجب نظام صدام حسين الى اي من المطالبات الدولية بوقف آلاته العسكرية التي وجهها على شعبه جزئيا لعدم وجود اي محفز اقتصادي او سياسي يدعو الى ذلك. قطعت العقوبات الاقتصادية اي وسيلة للتفاوض مع نظام صدام حسين واعطته مساحة اكبر في رفع وتيرة القمع داخليا.

العقوبات التي تؤدي الى غياب التبادل الاقتصادي والعلاقات الديبلوماسية بين نظام قمعي والمجتمع الدولي، تقود النظام الى عدم الانصياع لتحقيقات منظمات حقوق الانسان او المطالبات الدولية بوقف اعمال العنف.
سوريا اليوم تعيش في وضع اقتصادي صعب، وقد تؤدي العقوبات الى انحدار مستوى المعيشة اولا وارتفاع حصيلة القتلى في اعمال القمع.
النظام القمعي ليس نظاما يتأثر في حال غياب التنمية الاقتصادية عن مواطنيه، بل قد يكون ذلك خطوة في سبيل تحكيم سطوة النظام على السوق والمواطن.

في حال كانت خطوة العقوبات الاقتصادية هي خطوة شكلية واستباقية للتدخل العسكري، فيمكننا وقتها ان نرى مستقبلا افضل لسوريا.
العقوبات الاقتصادية سيتحملها المواطن السوري وسيتمكن النظام من الاستمرار في عزلة دولية - كما فعل قبل ذلك.
font change