[/caption]
القصة هي أكثر الطرق فاعلية في إيصال الرسالة. ففي القصة عبر للناس يتناقلوها أبا عن جدّ..
تاريخيا، اعمتدت القصة كالوسيلة المثلى للتوثيق وتناقل الأخبار. اليوم، عام الربيع العربي هو من دون شك عام القصة، الذي ظهرت فيه قصص من تحت الطاولة عن العقود السابقة، وحكيت فيه روايات بطولية جديدة عن مجريات ميدان التحرير وبنغازي وسيدي بوزيد.
العامل المشترك بين قصص الربيع العربي أنها في مجملها وهمية وعاطفية. فبعيدا عن الخطابات السياسية، والدعاية الحزبية، قصة الربيع العربي أسست بشكل ممتاز لعقود وعقود من استدراك عطف المستمع للربيع العربي.
إحدى القصص المؤثرة من 2011، هي شعلة الربيع العربي محمد البوعزيزي، رحمه الله، الذي أشعل باتنحاره فتيل الثورة في تونس.
قصة محمد البوعزيزي هي أول أوهام الربيع العربي. بعاطفية غير عادية، تم تداول قصة البوعزيزي بمبالغات كثيرة.
الغالبية تتناقل القصة اليوم بأن البوعزيزي كان خريجا جامعيا، ويكاد يجزم البعض بأنه كان الطالب الأكثر اجتهادا. لكن الحقيقة كما تقول أخته، أنه لم يكمل دراسته الثانوية. أيضا، وكما يروج الكثير بعاطفة مختلطة ببعض الوهم، أن الشرطية صفعت البوعزيزي، وقد يزيد البعض أمورا أخرى.
[caption id="attachment_55230592" align="alignleft" width="300" caption="محمد البوعزيزي"]
[/caption]
الحقيقة في القصة، وهو الأمر الذي أكدته محكمة تونس ما بعد الثورة، أن الشرطية لم تصفع البوعزيزي. لكن القصة الحقيقية ليست عاطفية بالقدر الكافي، فلابد من الأوهام لإيصال هذه المعاناة إلى قلب كل مستمع وزيادة تعلقه بالربيع العربي.
الأوهام والعواطف ليست مصنوعة في العالم العربي، مثل كل شيء آخر. ففي مختلف الدول، تطغى الأوهام في الثورات وتوثيقها.
بعد الثورة الأمريكية، كتب مايسون ويمز مذكرات الرئيس الأمريكي وقائد الثورة الأمريكية جورج واشنطن.
المذكرات تتحدث وهما عن شخص غير عادي بكل المقاييس. إحدى أشهر القصص التي يذكرها ويمز في المذكرات هي قصة جورج واشنطن الصغير وشجرة التوت، حيث يذكر بأن جورج الصغير قطع بفأسه الصغير يوما شجرة التوت الكبيرة المفضلة لوالده. وعند قدوم والد جورج غاضبا بعد رؤية الشجرة مقطوعة، وهو لا يعلم من قام بذلك، انتفض جورج الصغير وقال: "أنا لا أعرف كيف أكذب، أبي. أنا قطعت الشجرة".
قصة وهمية من الطراز الأول، تجمع بين الشجاعة والقوة والصدق، وتحاول أن تضرب مثلا وهميا بوسائل عاطفية لما كانت عليه الثورة الأمريكية وقادتها. وفي بعض المناطق في أمريكا، لا زالت القصة تدرّس للأطفال افتخارا بقادة الثورة في بلادهم.
الربيع العربي سيخلق قصصا خيالية وعاطفية لن ينازعها في ذلك حتى أفلام هوليوود. سنسمع عن حكام أشرار كانوا يأكلون لحوم البشر، وأبطال كانوا علماء وفلاسفة سبقوا عصرهم فلقوا حتفهم. سيكتب تاريخ الربيع العربي بمجموعة من الأوهام، تحركها العواطف، وتجملها البهارات.
