طارق الهاشمي: قضيتي سياسية بامتياز

طارق الهاشمي: قضيتي سياسية بامتياز

[caption id="attachment_55230740" align="aligncenter" width="620" caption="طارق الهاشمي"]طارق الهاشمي[/caption]



أزمة متجددة في العراق فجرتها مذكرة اعتقال نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وبخاصة مع صعوبة تطويق الازمة في ظل الشد والجذب ما بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية نتيجة استمرار الخلافات بين ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الحكومة نوري المالكي والقائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، عقب الانتخابات العراقية التي جرت في يناير(كانون الثاني) 2010.

وعلى الرغم من الوساطات المتكررة، من اتفاقية اربيل مرورا بمبادرات عربية، ووساطات عراقية من مختلف الفرقاء، واخيرا مقترح المؤتمر الوطني الموسع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العراقية جلال طالباني، واضطره للعودة الى بغداد لاكمال حوارته مع الفرقاء، تاركا في السليمانية نائبه الذي التجأ اليها، هربا من مذكرة إلقاء القبض عليه بتهمة الارهاب.

وهي تهمة تطالب بغداد بموجبها إقليم كردستان بتسلميها طارق الهاشمي لمحاكته، وهو ما تتجاهله سلطات الاقليم ما يجعل الغموض يكتنف مستقبل الهاشمي ومآل قضيته."المجلة" كان لها حوار مع صاحب القضية الذي لجأ الى كردستان مبتعدا عن سلطات بغداد وسألته عن القضية وأبعادها وعن "لعبة السياسة" في العراق الجديد وعن رؤيته وموقفه مما يحدث في العراق وفي دول الجوار، فكان الحوار التالي:


شكوك


* تقرر مؤخرا الحجز على أموالكم المنقولة وغير المنقولة، أي أن القضاء العراقي يمضي في اجراءاته فيما يخص الاتهامات التي وجهت اليكم، بماذا تصف هذا الاجراء؟
ـ المعلومة غير دقيقة، والقضية ما زالت في إطار التحقيق الابتدائي، ولم تصل للمحاكم المختصة بعد، وآمل أن تأخذوا المعلومات من مصادرها مباشرة، ولا تعتمدوا على ما يروجه الإعلام، وينقل من دون تدقيق الكثير من الكذب.

* هناك حديث عن انه سوف يتم احالتكم، غيابيا الى محكمة الجنايات، وفقا للمادة 121 من قانون اصول المحاكمات الجزائية لسنة 1971 المعدل، ما الأسوا الذي تتوقع حدوثه في سير مجريات التحقيق، وما مدى الاجراءات التي من المحتمل اتخاذها ضدك؟
ـ أنا متفائل، بل واثق بأن القضاء العادل سينصفني، ولذلك طالبت بنقل الدعوى من بغداد إلى كركوك.

* هل لديك تخوفات أن تتم مقايضات معينة حول قضيتكم لحساب مصالح سياسية، ضمن المعادلة السياسية المعقدة في العراق؟
ـ لابد أن أتحسب لذلك، خصوصا أن قضيتي سياسية بامتياز وليست جنائية.

* إلى أي مدى أبدت القيادات العراقية في الكتل الأخرى تأييدا لما ذهبتم اليه في مطالبتكم بمحاكمة تخضع لرقابة عربية او دولية؟
ـ الموضوع يتعلق بي شخصيا، ولا بد لي في ضوء تسييس القضاء والتعدي على استقلاليته من ان أتحوط لذلك عربيا، وان اقتضى الأمر دوليا، هذا هو خيار المضطر، ولو توفر تحقيق نزيه ومحاكمة عادلة، لفضلت حصر القضية في إطارها الوطني.


[caption id="attachment_55230741" align="alignright" width="300" caption="مسعود البارزاني"]مسعود البارزاني[/caption]

* ان تم اتفاق بين الكتل لذهابكم إلى بغداد هل ستذهب، وما الضمانات التي ستطالب بها وقتها؟
ـ قررت نقل الدعوى إلى كركوك، وتقدمت بطلب أصولي إلى رئيس مجلس القضاء، وآمل حصولي على الموافقة، الموضوع يتعلق بي ولا انتظر موافقة احد، اذ من المحتمل أن تتباين وجهات النظر حول العدالة ومقتضيات الأمن.

* هل هناك محام يتابع مجريات قضيتكم وكيف تنظرون الى هيئة القضاء التي تتولى مهمة التحقيق في قضيتكم؟
ـ نعم سميت فريقا من المحامين العراقيين، وادرس عرضا من محامين متطوعين عرب وأجانب للدفاع في قضيتي.

ولدي شكوك كبيرة حول التحقيق الابتدائي، بسبب خضوع افراد حمايتي إلى بطش وارهاب أجهزة أمنية معروفة وطنيا بسلوكها المشين في ملف حقوق الإنسان.

تحديات


* هناك من يقول إن كتلتكم، اي العراقية، بدأت تنهار بماذا ترد؟
ـ مبالغة، العراقية مازالت بخير، وأعضاؤها صامدون على الرغم من إرهاب السلطة. تماسك العراقية يتوقف على وحدة قياداتها وهي ظاهرة حقيقية، بل ان من الإفرازات الايجابية للازمة الراهنة زيادة تماسك العراقية، لشعور الجميع بالخطر وأنهم جميعا مستهدفون.

* انسحب بعض نوابكم في البرلمان لأسباب، وعلى لسان بعضهم، جاء ان العراقية لم تعد تمثل المشروع الوطني، ألا تعتقد ان عدم اتخاذكم موقع المعارضة في المعادلة السياسية، ودخولكم في مساعي المشاركة في الحكومة، عززا ما ذهب اليه بعض النواب؟
ـ التحديات التي واجهتها العراقية ومازالت، لم يتعرض لها أي كيان سياسي آخر، وفي ظل مثل هذا الوضع الذي تواصل منذ فترة ما قبل الانتخابات ومازال، لابد من وقوع أخطاء وهفوات، لا أزكي أداءنا، لكن ما كان بمقدورنا فعل المزيد في مثل هكذا ظروف. أتمنى لمن انتقدنا أن يؤدي دورا أفضل.

* العراقية وحسب قياداتها، هي تكتل من النواب السنة والشيعة والاكراد والعلمانيين، لكن ربطكم استهداف العراقية باستهداف السنة في العراق تارة، ووقوفكم ضد الفيدرالية تارة اخرى، غيرا من هذا الوصف، الى اي مدى توافق على هذا الرأي؟
ـ العراقية تمثل الطيف العراقي، وهي تبقى مشروعا وطنيا، المعيار فيه الهوية الوطنية وليس الانتماء، لم يرد على لساني ما ذكرت، وإنما قلت انه قبل استهداف الهاشمي كشخص، كان ينبغي التحسب لرمزيته، والمتجمع الذي يمثل، والمشروع الذي يتبناه الملايين من العراقيين المؤيدين للعراقية وللهاشمي الذين لابد أنهم سيشعرون وكأنهم أصبحوا متهمين بعد اتهام الهاشمي.

* هل زجت العراقية في صراع طائفي؟ والى أي مدى يكون السنة هم أولوية بالنسبة اليكم؟
ـ الأزمة انطوت على مضامين طائفية واضحة، والدفع باتجاه إحياء الفتنة الطائفية من خلال استهداف رموز بعينهم، حقيقة لا يمكن إخفاؤها.

* هل تعتبر نفسك ممثلا للمكون السني في العراق؟ ولما ربطت استهدافك باستهداف السنة العراقيين؟
ـ أنا عراقي في المقام الأول، وامتداداتي لجميع العراقيين أينما كان تواجدهم، وكيف ما كان انتماؤهم أدافع عمن ظلم منهم، وأقولها للتاريخ ان العرب السنة في العراق حملوا من دون وجه حق، أوزارا وخطايا، وهم لذلك يتعرضون إلى ظلم لا مبرر له، هذه حقيقة على الرغم من أن سوء الإدارة والفساد يصيبان الجميع بأضرار متفاوتة.


[caption id="attachment_55230742" align="alignleft" width="300" caption="نوري المالكي"]نوري المالكي[/caption]


* كيف تقيم تحركات أو مساعي كل من زعيم القائمة العراقية اياد علاوي، ورئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي تجاه قضيتكم، وهل العراقية على موقف موحد باعتبار أن الأحكام القضائية التي صدرت بحقكم مسيسة؟
ـ القيادة متماسكة وموحدة ومجمعة على حل قضيتي بأسبقية، وقبل الحوار على أي قضية سياسية أخرى.

* هل سنشهد تحالفا بينكم وبين الصدريين، وما مدى امكانية تحقيق هذا التحالف؟
ـ علاقة العراقية مع التيار الصدري طيبة، ونتشاور معهم من وقت لآخر، لكني أتصور أن التحالفات القائمة سوف تستمر في الأقل للمستقبل المنظور.

أزمة ضيافة


* ضيافتكم في اقليم كردستان اثارت أزمة بين الاكراد والشيعة، هل الأكراد بالفعل يحاولون استغلال قضيتكم لمصالح سياسية؟
ـ الكرد اخوة شجعان، وهم أصحاب المواقف، ولن تؤثر فيهم أصوات منكرة صدرت من هنا أو هناك للابتزاز والحرب النفسية، لم أتعرض ولا أتوقع اني سأتعرض للابتزاز أو الاستغلال، وليس بيني وبين الإخوة الأكراد إلا الخير، وأنا أتفهم تطلعاتهم، وسوف أسعى لحسم الخلافات التي بقيت معلقة على مدى السنوات الباقية بأفضل طريقة ممكنة.

* ما الأسباب التي جعلت اقليم كردستان متمسكا بكم؟
ـ المروءة، نصرة المظلوم، والخوف من المجهول، الكل يدرك الآن انه لو نجحت الفرية في تسقيط الهاشمي كما خطط لها، فعلى القادة الآخرين ان يتهيؤوا لمثل هكذا أزمة، فهم مستهدفون عاجلا أم آجلا. وبالتالي فالوقوف مع الهاشمي في محنته، إنما هو دفاع عن النفس وحصانة لهم للمستقبل.

* هل الإقليم ضحى بتحالفه الاستراتيجي مع شيعة العراق؟
ـ ليس من المعقول أن تصبح مصالح الإخوة الكرد رهنا بقضية الهاشمي، كما ان وجود تفاهم تاريخي بينهم وبين الآخرين، لم يمنع حصول منازعات واحتكاكات في ملفات حساسة عديدة. والموضوع يقيمه الإخوة الكرد أنفسهم.

* تصريحات النائب في دولة القانون الأسدي، والتي اتهم فيها رئيس الجمهورية بخرق الدستور لإيوائه إياكم؟ ما دلالات موقف النائب الأسدي، وهل يقنعكم رد دولة القانون بأن الديمقراطية في العراق تكفل حق الرأي؟
ـ النائب تلقى الصفعة التي يستحقها من قبل مجلس النواب، عندما صوت بطرده أو الاعتذار. النائب يستغل الحصانة في إطلاق تصريحات لا مسؤولة تفتقر للياقة ولا بد أن يحاسب عليها.

* لما يذهب الرئيس طالباني الى الدفاع عنكم، على الرغم من مواقف سابقة لكم تخص موضوع رئاسة الجمهورية في العراق، والتي دعوت خلالها الى ان يكون رئيس الجمهورية عربيا سنيا، ودخولك في منافسة مع طالباني لتولي منصب الرئاسة؟
ـ هذا الأمر أصبح في ذمة التاريخ، ولم يؤثر على علاقتي الحميمة بالشعب الكردي، وأحب أن اذكر هنا أيضا ان دعمي الشخصي لتولي الرئيس طالباني رئاسة الجمهورية عام 2006 كان العامل الحاسم في حينه، هذا أيضا ينبغي تذكره.

* كيف تنظر العراقية الى مواقف الإقليم تجاه قضيتكم وعدم القبول بدعوات المالكي لتسليمكم؟
ـ موقف إقليم كردستان الذي عبر عنه الرئيس طالباني، ورئيس الإقليم مسعود البارزاني، محل تقدير عال وامتنان من جميع قادة وأعضاء العراقية.

* كان هناك بيان صادر عن رئاسة الجهورية، جاء فيها، وعلى لسان طالباني، ان رئيس الحكومة نوري المالكي لم يلتزم بالاتفاق، هل موضوع قرار المحكمة كان رئيس الجمهورية مطلعا عليه قبل مداهمة منزلكم؟
ـ المالكي نكل مرتين عن تعهدات قطعها على نفسه لفخامة الرئيس طالباني، ورئيس مجلس القضاء، ليس فقط بحصانة حرمة منزلي، بل وعدم نشر اعترافات لمتهمين مازالت في طور التحقيق الابتدائي.

تزامن



* لمَ اختيار هذا التوقيت في فتح قضيتكم والذي تزامن مع الانسحاب الأميركي؟
ـ اسألوا من فجر الأزمة، لا تفسيرَ محددا لدي.

* هل اميركا مقتنعة بقرارات المحكمة العراقية بخصوص قضيتكم؟ وهل كانت هناك اتصالات من الإدارة الاميركية اجريت معكم، وهل طالبتم بوساطات بهذا الخصوص؟
ـ لا يعنيني الموقف الأميركي ولم أجر أية اتصالات في هذا المجال، والولايات المتحدة تتحمل قسطا كبيرا في ما آل إليه أمر العراق.

* أنت طالبت أن تكون هناك مراقبة عربية (الجامعة العربية) لمجريات التحقيق، هل هناك دول معينة ابدت استعدادها للتدخل؟
ـ نعم. العديد، لكني مازلت أفضل حل الأزمة وطنيا، وتبقى الخيارات العربية، وربما حتى الدولية مفتوحة لاستخدامها عند الضرورة.





* انت اتهمت ايران اكثر من مرة بالتدخل في العراق، وعلى الرغم من مواقفكم زار وفد من العراقية ايران، ما أسباب هذه الزيارة، خاصة في هذا التوقيت؟
ـ الزيارة حسب علمي كان مخططا لها منذ فترة وتحققت الآن، ولا علاقة لها بالأزمة الراهنة. إضافة إلى ان غرض الزيارة كان ينصرف أيضا إلى اللقاء مع السيد مقتدى الصدر المقيم في إيران.

* ما صحة الأنباء التي تحدثت عن رغبة ايرانية في التوسط في الأزمة الحالية في العراق، ولقاء قيادات من الاكراد ومن القائمة العراقية؟
ـ لا صحة لذلك.

* بحسب مصادر اعلام ايرانية، وتناقلته مواقع عراقية، تحدثت عن مساع لتصفيتكم من قبل دول عربية، ما صحة هذه الانباء؟
ـ تشويش إعلامي مقصود. لا صحة لهذه الأخبار.

* كيف تقرأ التحرك الدبلوماسي التركي الأخير تجاه ايران، وكيف تقيم الدور التركي في العراق؟
ـ نرحب بأي جهد إقليمي أو دولي يبذل باتجاه تحقيق الاستقرار في العراق، وتركيا تتعامل مع العراق على أساس الندية والمصالح المشتركة، كما تقدم تركيا العديد من الخدمات، وهي بذلك تخفف الكثيرمن معاناة العراقيين في هذه الظروف الصعبة، لهذه الأسباب وقع العراق ما يزيد على 48 اتفاقية، غطت مختلف أوجه العلاقات بين البلدين.

تحفظ



* كيف تقرأ موقف الحكومة العراقية تجاه ما يجري في سوريا؟
ـ لدي تحفظات موضوعية على السياسية الخارجية المعتمدة من جانب الحكومة العراقية، وعلى وجه الخصوص التحول المفاجئ في التعاطي مع الملف السوري. بالتأكيد لا أحد يتمنى انزلاق سوريا للفوضى أو ان يجري التغيير فيها من خلال تدخل عسكري أجنبي، بل ان يجري الإصلاح ذاتيا ووطنيا بالاستجابة للرغبة الشعبية، ومن دون إراقة دماء. القتل المنهجي للمعارضين العزل غير مقبول، وينبغي ان يتوقف.

* اين العراق من سيناريو الهلال الشيعي، وما مدى تخوفكم مما يجري من احداث في سوريا، ومواقف داعمة ايرانية وعراقية معلنة، تقف مع النظام السوري؟
ـ العراق شعب متعدد الأعراق والأديان والمذاهب والثقافات، وينبغي ان تكون له خصوصيته في الحكم، وأفضل وصفة للعراق هي أن يعيش أهله بالتوافق، في ظل حكومة مدنية قائمة على العدل، معيار المفاضلة فيها الهوية الوطنية.

تفاؤل



* هل العراق مقبل على حرب طائفية، وهل يمكن للعراق ان يكون بمعزل عن توعد النظام السوري وحزب الله بأن دمارا سيطول المنطقة في حال سقوط النظام السوري؟
ـ الأزمة الحالية في العراق هي ردة فعل لا مبرر لها، استندت الى مخاوف لا أساس لها عن احتمال حصول انعكاسات محلية لما يمكن ان يحصل في سوريا من تغيير، كأنها جاءت بمثابة ضربة استباقية، واشارة إلى ما يمكن ان يحصل في العراق لاحقا، فيما لو تحقق التغيير في سوريا، لكني آمل أن لا يتأثر الوضع في العراق مستقبلا، وأفضل حصانة في تصوري هي تحقيق الشراكة الوطنية في الحكم وإقامة دولة المؤسسات والعدل.
لن يعود العراق إلى الفتنة الطائفية مهما حاول البعض النفخ في الرماد.

* ما مدى أهمية المؤتمر الذي دعا اليه رئيس الجمهورية جلال طالباني لبحث الازمة العراقية؟
ـ مهم وضروري في حسم ملفات حساسة باقية معلقة على مدى السنوات الثماني الماضية، وكانت سببا في حالة عدم الاستقرار.

* هل ستحضر المؤتمر؟
ـ إنشاء الله.

* هل انت متفائل بمستقبلك السياسي في العراق؟
ـ نعم، ورب ضارة نافعة، وسوف اخرج من الأزمة بخير كثير، إن شاء الله، فقد رفعت الأزمة من رصيدي الجماهيري إلى مستويات قياسية لم يكن احد يتوقعها، ولا يسعني بعد هذا القبول والتأييد الواسع النطاق، إلا ان أنشط سياسيا في خدمة الناس الذين وقفوا معي في ظروف الشدة.

حوار: روشن قاسم
font change