تركيا.. صراع أجيال أم صراع على السلطة؟

تركيا.. صراع أجيال أم صراع على السلطة؟

[caption id="attachment_55233535" align="aligncenter" width="620" caption="رجب طيب أردوغان"]رجب طيب أردوغان[/caption]


صوت البرلمان التركي على تمرير التعديل في السادس عشر من فبراير (شباط) بعد أسبوع من إصدار ممثلي الادعاء أمرا باستدعاء رئيس وكالة الاستخبارات الوطنية، حقان فيدان، كمشتبه به في إطار تحقيقات طويلة بشأن أعمال إرهابية.
وقال ممثلو الادعاء إنهم أرادوا أن يتحدثوا مع فيدان، المعين من قِبل رئيس الوزراء والصديق المقرب له، حول تهريب وكالة الاستخبارات عدد من الأشخاص على صلة بحزب العمال الكردستاني، الحزب الذي أشعل حربا ضد تركيا لمدة 30 عاما.

تقرير الشرطة الذي اعتمد عليه الادعاء ارتكز على المباحثات المكثفة التي جرت بين مسؤولين في وكالة الاستخبارات وحزب العمال الكردستاني حول إمكانية وقف إطلاق النار وهو الأمر الذي أثار الشبهات بأن الاستدعاء كان جزءا من خطة لتخريب عملية السلام التي يعتقد المتشددون أنها قدمت الكثير من التنازلات لصالح الأكراد.

ويصف سنغز قاندار، وهو محلل سياسي بارز، الاستدعاء بكونه «انقلابا قضائيا» ضد المحادثات التي ترعاها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني والتي استمرت ثلاثة أعوام حتى 2011، ويقول: «إنه أمر مثير للضحك، فهل من المفترض أن تأخذ الحكومة إذنا من المحاكم قبل اتخاذ قراراتها السياسية؟ لقد بدأت الشرطة والمحاكم العمل في السياسة».
وفي الواقع، مارست كل من الشرطة والمحاكم التركية العمل في السياسة لأعوام. وتوضح قضية فيدان انهيار مساعي الحكومة للاتفاق مع أجهزة الدولة المختلفة في إطار مساعيها لإسقاط النظام القديم.

وعندما تولت حكومة حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002 لم يكن لديها حليف محتمل غير الشرطة، التي تظهر تعاطفا تقليديا مع السياسات المحافظة للحزب الإسلامي، إلا أن باقي أجهزة الدولة، والجيش والقضاء ووكالة الاستخبارات، كانت جميعها غير مطمئنة للحكومة.
والأكثر من ذلك أن تلك الأجهزة حاولت إسقاط الحكومة، كما تشير وثائق سرية تسربت عام 2006 إلى أن خططا عسكرية كانت قد وضعت لإسقاط الحكومة خلال عامي 2003 و2004 بينما حاول أحد ممثلي الادعاء العام البارزين إغلاق الحزب عام 2008.

ومع ذلك بدأت الحكومة بالتدريج، يعززها الفوز في الانتخابات، تغيير ميزان القوة لصالحها، حيث تخلصت وكالة الاستخبارات الوطنية من سيطرة الجيش. كما تم إغلاق محاكم أمن الدولة التي كانت تتعرض لانتقادات حادة لانتهاكها لحقوق الإنسان خلال التسعينيات.
وبعد مرور عام، أنشأت الحكومة محكمة ذات سلطات خاصة (محاكم السلطات الخاصة) والتي تتشابه إلى حد كبير مع محكمة أمن الدولة القديمة فيما عدا أنها لا تشتمل على القضاء العسكري.

[caption id="attachment_55233537" align="alignleft" width="210" caption="عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني.. قضية ما زالت تؤرق تركيا"]عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني.. قضية ما زالت تؤرق تركيا[/caption]

وقد بدأ على الفور أحد ممثلي الادعاء البارزين الجدد والتابع للمحكمة الخاصة التحقيق مع اثنين من ضباط الجيش اللذين ضُبطا متلبسين أثناء إلقاء قنبلة يدوية على محل كردي لبيع الكتب. ويقول أورهان غازي أرتيكين، القاضي والمعلق البارز، إن ذلك كان بمثابة الضربة الأولى في الحرب على السلطة بين النخبة القديمة ونظيرتها الجديدة.

وقد أيدت الحكومة بدء ممثلي الادعاء في المحكمة الخاصة تحقيقات موسعة بشأن خطط الانقلاب المزعومة عام 2007 وذلك باستخدام قانون الإرهاب المبهم الجديد والذي انتقده مؤيدوه عندما قاموا بتشريعه عام 2006. وبعد مرور خمس سنوات تقريبا قُدم أكثر من مائة شخص بينهم عدد من الجنرالات السابقين للمحاكمة في إحدى محاكم أمن الدولة العليا خارج إسطنبول.

وتواصل الحكومة ومؤيدوها وصف التحقيقات بأنها محاولة لتطهير تركيا من الأشخاص الذين حولوا البلاد إلى ما هو أسوأ قليلا من دولة المافيا الرائجة إبان التسعينيات. ولوهلة نجد أن هناك سببا يجعلنا نصدقهم حيث إن الكثير من الأشخاص الذين اعتقلوا كانوا مجرد أفراد عصابات ونماذج استخباراتية غامضة عرفت بدورها الوحشي في محاولة قمع التمرد الكردي الذي كان يحميه في ذلك الوقت النظام القديم.

ومنذ البداية، كانت هناك أسئلة حول طريقة إجراء التحقيقات، حيث يصف الصحافي روزين كاكير كلا من الإعلام المؤيد للحكومة والشرطة والمحاكم بأنها تعمل معا كقاض ومحلف وجلاد حيث تسرب الشرطة دليلا للإدانة لوسائل الإعلام ثم يقوم ممثلو الادعاء بالقبض على المجرمين وتوجيه الاتهامات لهم ومن ثم تبدأ الأمور في الخروج عن السيطرة، ويمثل للاستجواب أشخاص لا علاقة لهم بالجريمة المنظمة، وقد أدى تحقيق ثان أجرته مجموعة أخرى من ممثلي الادعاء التابعين للمحكمة الخاصة إلى القبض على ألف كردي على الأقل بتهمة الصلة بحزب العمال الكردستاني، بينما يقول حزب كردي إن عدد المقبوض عليهم يفوق ستة آلاف.

[caption id="attachment_55233538" align="alignright" width="180" caption="حقان فيدان"]حقان فيدان[/caption]

ويقول أورهان غازي إن اتهامات الادعاء أصبحت بمثابة نص سياسي للنظام الجديد، حيث أصبح القضاء يلعب الدور الذي كان الجيش يقوم به في السابق وهو صياغة العمل السياسي. وقد خرج رؤساء حزب العدالة والتنمية بنفس الديباجة القديمة البائدة التي كررها الساسة الأتراك لعشرات السنين: «القضاء مستقل ولا يمكننا التدخل». ولكن لم يمنع ذلك الاستقلال من تنحية ممثل الادعاء الذي قام باستدعاء حقان فيدان عن القضية.

ولكن لا يزال علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان حزب العدالة والتنمية سيتحرك لتصحيح عدم التوازن القانوني والهيكلي الذي سمح للمحكمة والشرطة بالحصول على هذه الدرجة من القوة، إذ يقول كاتب العمود الصحافي كورسات بومين إن الوقت قد حان لإعادة صياغة شاملة للقوانين الجنائية التي تحدد سلطات المحكمة الخاصة حيث يصف تأسيس محاكم السلطة الخاصة بأنها مقطوعة مثالية من المكر الشرقي الذي يحتاج إلى الإبادة.

ويقول المتحدث باسم الحكومة حسين سيليك في حواره مع صحيفة «راديكال» اليومية في عدد السابع عشر من فبراير (شباط) إن حزب العدالة والتنمية لا يملك خططا فورية للتخلص من تلك المحاكم ويبدو أن الاستفادة الكبيرة من الوضع القائم تجعل الحكومة سعيدة في الوقت الحالي بإجراء إصلاح جزئي.
font change