الخليج والاقتصاد العالمي.. وقفة تأمل

الخليج والاقتصاد العالمي.. وقفة تأمل

[caption id="attachment_55235526" align="aligncenter" width="620" caption="مدينة مصدر في ابوظبي أول مدينة خضراء ستستخدم الطاقة المتجددة"]مدينة مصدر في ابوظبي أول مدينة خضراء ستستخدم الطاقة المتجددة[/caption]



ساعد الاستقرار لبلدان الخليج العربي وانفتاحها على العالم على تعزيز جاذبيتها الجيواستراتيجية كمناطق آمنة نسبيا للاستثمارات في منطقة معرضة للخطر.

وعلى الرغم من تلك الخلفية المتفائلة، تمثل الثورات السياسية وفترة الغموض المحيطة بالعالم العربي تحديا بيّنا. فعلى الرغم من أن الثورات لم تخلف تأثيرا جديا على دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء البحرين، فإنها فرضت إعادة تقييم لآليات التعاون الإقليمي. فقد أثار التصريح الذي صدر في مايو (أيار) الماضي والخاص بدعوة دول مجلس التعاون الخليجي لكل من الأردن والمغرب لتقديم طلب للحصول على عضوية المجلس، دهشة العديد من المراقبين، فيما أشار العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، في ديسمبر (كانون الأول) إلى الاتجاه صوب «كيان واحد».
ومن المفترض أن يصبح ذلك التكامل الأعمق واقعيا بعد إقراره من الدول الست.


تشابه بنيوي




للوهلة الأولى، ربما تبدو دول مجلس التعاون الخليجي في وضع يخول لها الاتجاه صوب اتحاد أقوى. فبخلاف دول الاتحاد الأوروبي الـ27، تتشارك دول مجلس التعاون في خصائص لغوية واجتماعية ـ ثقافية بالإضافة إلى التشابه البنيوي لاقتصاداتها. فقد أعلنت دول مجلس التعاون عن توحيد الجمارك في 2003، وإنشاء سوق مشتركة في 2008 فيما شكلت «المجلس النقدي الخليجي» في 2009 كخطوة أولى صوب توحيد العملة في النهاية. وهو ما كان من المفترض أن يتم تطبيقه في 2010، ولكنه تعطل نظرا لأن كلا من عمان، أولا، ثم الإمارات قد انسحبتا من المشروع.
وتلقي الصعوبات التي واجهت مشروع الاتحاد النقدي، بالضوء على بعض التحديات التي تواجه سياسات الاتحاد والتقدم صوب الكونفدرالية. فقد انسحبت عمان في 2007 نظرا لقضايا تتعلق بالتقارب الاقتصادي والمالي، فيما كان انسحاب الإمارات، في مايو (أيار) 2009 في اليوم التالي، ، أكثر إشكالية.

وهناك العديد من التحديات التي تقف في الطريق صوب تكامل إقليمي أعمق، بل وربما تعرقل بزوغ أي من دول مجلس التعاون كمركز تجاري عالمي، حيث إن التشابه البنيوي للاقتصادات الخليجية، يعني في الوقت الراهن أنه لا يوجد سوى قدر محدود من التجارة البينية الإقليمية.

ومن ثم، فباستثناء نقل الغاز الطبيعي المسيل من قطر إلى عمان والإمارات عبر أنابيب دولفين، لم تصل الصلات التي تربط بين دول مجلس التعاون الخليجي الى المستوى المرجو كما هو الحال مع الارتباط بالاقتصاد العالمي.

وبالمثل فإن تدفق العمالة عبر الحدود بين دول مجلس التعاون ما زال محدودا رغم السوق المشتركة التي تم إعلانها في 2008، وذلك نظرا لأن سوق العمل المقسم، يعني أن معظم مواطني مجلس التعاون يتمركزون في القطاع العام (الوطني)، فيما يستعين القطاع الخاص بعاملين من الخارج.
وعلى النقيض من ذلك، تزايدت أهمية دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي، الذي شهد ازدهارا وركودا.


12 في المائة من الإنتاج العالمي للبتروكيماويات




ويعد البترول والغاز الطبيعي حجر الأساس للتدفق التجاري من مجلس التعاون الخليجي إلى الشركاء العالميين. وهو القطاع الذي يشكل أكبر القطاعات في كل اقتصادات مجلس التعاون الخليجي، حيث ارتفعت إلى حد بعيد حصة المنتجات الهيدروكوربونية من الناتج المحلي الإجمالي مما نسبته 3 في المائة في 2002 إلى نحو 51 في المائة في 2006، على خلفية استمرار ارتفاع الأسعار. والأهم من ذلك، فإن برامج التنويع الاقتصادي واسعة النطاق التي تطورت في ذلك العقد خلقت أيضا روابط قوية جديدة بالاقتصاد العالمي، عندما أصبح الخليج مركزا عالميا لإنتاج عدد من الصناعات التي تتراوح من البتروكيماويات والألومنيوم إلى الأسمنت ومواد البناء. وبحلول عام 2008، كانت دول مجلس التعاون تمثل نحو 12 في المائة من الإنتاج العالمي للبتروكيماويات فيما تطورت روابط صناعية أكثر تعقيدا مع الاقتصادات الناشئة والاقتصادات الصناعية على حد سواء.


[caption id="attachment_55235527" align="alignleft" width="228" caption="برج المملكة في مدينة الرياض أحد المشاريع العملاقة في السعودية"]برج المملكة في مدينة الرياض أحد المشاريع العملاقة في السعودية[/caption]


كما تجاوزت تلك الصلات قطاع البترول والغاز وامتدت إلى شركاء كبار جدد أيضا. فقد تم عقد اتفاقات جديدة مهمة مع الهند، والصين، واقتصادات شرق آسيا وهو ما مثل تنوعا للاعتمادية بين دول الخليج والدول المستوردة للطاقة. والمهم هو أن تلك الروابط امتدت لما بعد البترول والغاز، عندما دفعت المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي دول المجلس للمزيد من التقارب مع الشركاء الآسيويين الزراعيين المصدرين للغذاء. فقد قام الأمين العام لاتحاد دول جنوب شرقي آسيا المعروف باسم (آسيان)، سورين بتسوان، في 2009 بصياغة تلك الروابط المتزايدة المتعلقة بأمن الطاقة ــ الغذاء، خلال الفعاليات الافتتاحية للقاء المشترك بين الاتحاد ودول مجلس التعاون الخليجي، حين قال: «لديكم ما نفتقر إليه ولدينا بوفرة ما ينقصكم، ومن ثم فإن كلا منا بحاجة إلى الآخر».

وقد أصبحت تلك التدفقات الجديدة، بالإضافة إلى التوجهات الأخرى، مثل النمو الثابت لصناديق الثروة السيادية المتمركزة في الخليج ودورها في استغلال الاقتصادات الغربية المتعثرة في 2007 ــ 2008 صورة مصغرة لإعادة توازن القوى العالمية الجيواقتصادية. ويتمحور ذلك حول الاتجاه الصارم لمركز الجاذبية الاقتصادية العالمية صوب الشرق. فقد أشار بحث حديث أجراه العالم، داني كواه، من كلية لندن للاقتصاد إلى أن مركز الجاذبية الاقتصادية العالمية تغير 4800 كيلومتر إلى الشرق في الفترة ما بين 1980 و2010 وسوف يتقدم مسافة تصل إلى نحو 4500 كيلومترا شرقا بحلول عام 2050. وسواء من الناحية الجغرافية أو من منطلق امتلاك وقود التجارة العالمية، تقف دول مجلس التعاون الخليجي حجر زاوية يتمحور حوله الاقتصاد العالمي.

وأخذا في الاعتبار ما سبق، فقد نجحت دول مجلس التعاون في إدارة تكاملها مع الاقتصاد العالمي بشروطها الخاصة.

فقد التحقت كل من قطر والإمارات بالسعودية لتصبحا من القوى الإقليمية ذات القدرة على التواصل الدولي. فقد كانت هذه الدول قادرة على الاستفادة من تميزها النسبي نظرا لامتلاكها البترول والغاز. كما سمحت لها الخيارات السياسية الأكثر حذرا ــ مما جرى خلال صدمة أسعار البترول في السبعينات ــ بالإفادة من عوامل قوتها من خلال الاستثمارات في الثروات السيادية في جميع أنحاء العالم. ولكنّ هناك خطرا يتهدد قصة النجاح تلك، ينبعث من الثورات التي تجتاح العالم العربي، ويفسر بلا شك الاتجاه صوب درجة أعلى من التكامل.

ومع ذلك، فإن مثل تلك الخطوة يمكن أن تكون للأغراض الداخلية، ومن ثم فإنها من المستبعد أن تسفر عن مكاسب حقيقية لاقتصادات دول المجلس المتطلعة للخارج.
font change