رباعيات الخيّام

رباعيات الخيّام

[caption id="attachment_55235673" align="aligncenter" width="619" caption="عمر الخيام.. الفيلسوف والشاعر والرياضي والفلكي واللغوي والفقيه والمؤرخ"]عمر الخيام.. الفيلسوف والشاعر والرياضي والفلكي واللغوي والفقيه والمؤرخ[/caption]

سمعت صوتاً هاتفاً في السحر/ نادى من الغيب غفاة البشر
هبّوا املأوا كأس المنى قبل أن/ تملأ كأس العمر كفّ القدر

هكذا كانت تشدو كوكب الشرق أم كلثوم بألحان السنباطي ترجمة أحمد رامي لرباعيات عمر الخيّام وهو شاعرٌ فارسيٌ شهيرٌ، انتمت إلى شخصيته السحرية جماعاتٌ في الشرق والغرب، فشعره ذائع الصيت عميق الشجن، وقد ترجم لعدة لغاتٍ.

رباعيات الخيّام هي نوعٌ من الفنّ الفارسي يسمّى "دو بيت" والدو بالفارسية تعني اثنين أي بيتين من الشعر، وقد ترجمه للعربية أحمد رامي ولم أقرأ ترجمته ولكنني قرأت ترجمة أحمد الصافي النجفي ذلك العراقي الذي أطال المكث في بلاد فارس حتى أتقن لغتها وأدبها، وترجمته جميلة سلسلةٌ وإن كنت قد أحسست أحياناً أن الخيّام يريد معنى أعمق مما ترجمه النجفي الذي ربما منعه الوزن والقافية من إتمامه، والترجمة فيها مدارس، ولكن النجفي ألزم نفسه أن يترجم شعر الخيّام الفارسي لا نثراً بل شعراً باللغة العربية.

لدى الخيّام فكرتان أساسيتان: الأولى، الهيام بالمتع الحاضرة، ونسيان الماضي بهمومه، والمستقبل بمخاوفه، والثانية التركيز على فكرة الفناء والنهاية إلى التراب.
أول بيتين بحسب ترجمة النجفي هي:

كلّ ذرات هذه الأرض كانت/ أوجهاً كالشموس ذات بهاءِ
أُوجلُ عن وجهك الغبار برفقٍ/ فهو خدٌّ لكاعبٍ حسناءِ

كان أول ما خطر ببالي هو التأثير المباشر للمعرّي على الخيّام، فالمعرّي له الأبيات الشهيرة التي يقول فيها:

خفف الوطء ما أظنّ أديم الأرض إلا من هذه الأجسادِ

وهذه الفكرة مشهورةٌ للمعري وإن كان قد سبقها أثرٌ منسوبٌ لعلي بن أبي طالب يقول فيه عندما أمسك إناءً "يا كوب كم فيك من خدٍ أسيلٍ وطرفٍ كحيل".
في شعر الخيّام من التجديف والهيام بالنساء والخمر ما لا تخطئه العين، كما أنّ فيه من المعاني الوجودية والفلسفية ما يمتع قارئه ويسحر متذوّقه.
كم استحضرت إيليا أبو ماضي في رائعته "لست أدري" وأنا أقرأ:

لا تحسبنّي جئت من نفسي ولا/ قطعت وحدي ذا الطريق المُعنتا
إن يك منه جوهري ومنشئي/ فمن أنا وأين كنت ومتى؟
ومن آرائه:

سرور حشاً يفوق لدي أجراً/ على تعمير أنحاء الوجودِ
وجعل الحرّ بالإحسان عبداً/ يفوق لدي تحرير العبيدِ
وفي الأخلاق:

قال شيخٌ لمومسٍ أنت سكرى/ كل آنٍ بصاحبٍ لك وجد
فأجابت إني كما قلت لكن/ أنت حقاً كما لدى الناس تبدو!!
وفي التدين والفلسفة:

إن كنت تفقه يا هذا الفقيه فلِمْ/ تلحو فلاسفةً دانوا بأفكارِ
هم يبحثون عن الباري وصنعته/ وأنت تبحث في حيضٍ وأقذارِ
font change