محمد عبلة.. عائلتي وأهلي وميدان التحرير

محمد عبلة.. عائلتي وأهلي وميدان التحرير

[caption id="attachment_55236570" align="aligncenter" width="620"]اليد في اليد لمحمد عبلة اليد في اليد لمحمد عبلة[/caption]


بدأ محمد عبلة، الذي ولد عام 1953 في بلقاس، مدينة تقع شمال شرقي القاهرة، حياته المهنية كفنان رغم معارضة أبيه القوية الذي كان يأمل أن يحذو ابنه حذو الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ويصبح ضابطا. وعلى الرغم من تلك المعارضة، تخرج عبلة في كلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية عام 1977 واستأنف دراسة الفن في سويسرا ثم في النمسا. وكان عبلة دائم السفر فيما كانت رسومه، وأعماله التركيبية، ولوحاته قد أكسبته شهرة واسعة ومكنته من الفوز بعدد من الجوائز ومهدت الطريق أمامه لعرض أعماله على المستوى الدولي. ودائما ما تعكس أعمال عبلة الفنية الواقع المصري بدءا من التغيرات الاجتماعية وصولا للتغيرات السياسية التي تتعرض لها بلاده.

نفذ عبلة معرضه «عائلتي وأهلي» في الفترة من 2006 إلى 2011 من خلال الرسم بألوان الأكريليك على قماش اللوحات الزيتية بالإضافة إلى التصوير والرسم بألوان الزيت على الورق. عن ذلك يقول عبلة: «عندما بدأت رسم تلك السلسلة، شعرت بحنين لعائلتي، كنت أرغب في أن أرسم أبا وأما وربما طفلين». وفي حوار خاص لـ«المجلة»، أضاف عبلة: «ولكن العائلة تتغير والأهل يتفرقون لتأسيس عائلاتهم الخاصة: مصر. ألعب بالكلمات والمعاني وأنظر إلى كل التغيرات التي تطرأ على العائلة وكيف تنمو وكيف تغيرت مصر. بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011، بدأت أراقب العائلة في ميدان التحرير: كان الناس يتجمعون في حلقات، يتحدثون، ثم يسيرون في اتجاهات مختلفة. وكنت أرصد كيف تؤثر تلك الأحداث على معنى العائلة. «فكنت أسأل نفسي. إلى أين نذهب؟».

وكانت اللوحات التي تصور أفراد الأسرة المقربين معروضة في قاعة «آرت سبيس» بدبي في بداية العام الحالي. فيقول عبلة: «في لندن، أضفت منحى سياسيا. حيث تصور حاليا العديد من اللوحات القضايا السياسية والاجتماعية الملحة. بالإضافة إلى أن بعض تلك اللوحات - التي تصور السلفيين، والإخوان المسلمين، والجيش المصري - ربما لا تلقى قبولا في مصر في الوقت الراهن. ولكنني في معرض لندن تمكنت من إطلاق تلك الشحنة».


[caption id="attachment_55236571" align="alignleft" width="300"]محمد عبلة محمد عبلة[/caption]

قضى عبلة الذي يحمل قلبا متمردا الثمانية عشر يوما الأولى التي أطاحت بحسني مبارك في ميدان التحرير ثم عاد ليوثقها خلال الأشهر التالية. «لا أستطيع المشاركة في الثورة كناشط ولكنني أستطيع المشاركة كفنان. لحظة الإبداع تأتي عندما لا أفكر في الجودة أو التاريخ أو المسافة. فالأمر يتعلق بكيف أشعر الآن وذلك الآن هو ما أحتاج إلى التعبير عنه. فلا يجب أن أطلق عليه فنا، فيمكنك أن تطلق عليها اسكتشات أو خربشات. كما يجب علي أن أكون نموذجا للفنانين الشبان. فلا أستطيع أن أقول لهم: حافظوا على مسافة ولا تبدعوا. فذلك يقتلهم». وعلى الرغم من أن عبلة يعمل باستمرار، فإنه لا يصل إلى قاعات العرض سوى 20 في المائة فقط من أعماله، «أستمتع بالرسم أكثر من العرض. فأعمالي هي مذكراتي، والتي أختار منها بعض العناصر للعرض».

وكان عبلة قد نظم ورشة عمل للأطفال في ميدان التحرير بعنوان «فنان مواليد الثورة» توفر لهم فرصة للتعبير عن أنفسهم من خلال الفن. «على الرغم من أن الأطفال قدموا أعمالا عفوية ومثيرة، فإن هدفنا الرئيسي هو الوصول إلى آبائهم، لتعليمهم ومنحهم الآمل. استمر العديد من الناس في الذهاب للتحرير دون أن يعرفوا حقا السبب في ذلك. لقد كانت وسيلة لجمع الناس والحديث معهم».

ومن جهة أخرى، فإن جيل الشباب حاضر دائما في عقل عبلة. «أفكر دائما في المستقبل والمستقبل تصنعه الأجيال الشابة. ودوري هو الاستثمار في تلك الأجيال». ولذلك أسس عبلة في 2006 «مركز الفيوم للفنون» الذي يقع على بعد 130 كيلومترا جنوب غربي القاهرة برعاية «الأكاديمية الدولية للفنون» بسالزبورغ. ويحتفي المركز ويرعى المواهب الفنية الشابة ويقدم لهم العديد من ورش العمل كما أنه يحتوي على مكتبة فنية. وكل شتاء، يقدم المركز برنامجا أكاديميا يتم تدريب الفنانين الشبان خلاله على يد أساتذة وفنانين عالميين.

كما أن عبلة هو أحد مؤسسي «الفن ميدان»، وهو الحدث الذي تم تنظيمه لأول مرة في أبريل (نيسان) 2011 والذي يقام أول سبت من كل شهر في ميدان عابدين بالقاهرة بالإضافة إلى غيرها من المحافظات في نفس اليوم. ويتضمن ذلك الحدث حفلات موسيقية، ومسرح عرائس ومعارض مفتوحة، وهو يستهدف تقديم الفنون للناس في الشوارع. «ليس لدينا سوى دعم محدود للغاية من وزارة الثقافة فنحن ندعم أنفسنا بشكل أساسي. ولكننا مصرون على الاستمرار لنؤكد أن الفن ملك للناس. فيجب علينا الاستمرار». ولكي يفعل ذلك، أجرى عبلة مع مجموعة أخرى من الفنانين مؤخرا مزادا امتد لخمس ساعات بقاعة عرض «وسط البلد» تم تخصيص عائداته لدعم «الفن ميدان».


[caption id="attachment_55236572" align="alignright" width="300"]مطلوب رئيس مطلوب رئيس[/caption]

ونظرا لاندماجه في المجتمع، عرض عبلة، مدفوعا بروحه الثورية، ثلاث لوحات من أجمل مجموعاته الفنية «ذئاب» في نسخة يناير (كانون الثاني) 2012 من «الفن ميدان». وبالتوازي مع ذلك، وفي نفس اليوم، قدم عبلة معرضا افتراضيا على «فيس بوك» يعرض السلسلة كاملة. ويعد معرض «ذئاب» المحمل بأبعاد سياسية تعليق الفنان حول الهجمات العنيفة على المعتصمين في مجلس الوزراء في ديسمبر (كانون الأول) 2011، وهو الحدث الذي أسفر عن وفاة 17 شخصا وجرح نحو 300.

يقول عبلة: «لقد كان الموقف متوترا للغاية. وكان علي أن أفعل شيئا، فقد كان علي المساعدة عبر الفن. وكنت أخشى أن تتم إزالة معرض (ذئاب) من الميدان. ولكن أحد الجنود اقترب من اللوحات وشرع في البكاء، مؤكدا: نحن (الجنود) ننفذ الأوامر».

وكانت حاجة عبلة للمشاركة هي العامل المشترك في كافة أعماله الفنية الأخيرة. «على الفنان أن يعمل ويقاتل. ويستطيع كل فنان أن يختار الوسيلة المناسبة له ولكن القتال واحد في النهاية. فكونك فنانا مسؤولية».
وعلى الرغم من أن عبلة يعتقد أن الموقف في مصر سوف يصبح أسوأ بالنسبة للجميع، فإنه يرى ضوءا في نهاية النفق. «كل شيء سوف يتغير، ولكن ليس في القريب العاجل. لقد بدأت الثورة ولم تنته بعد. فليس لدينا نموذج نحذو حذوه، فيجب أن نشق طريقنا بأنفسنا».

«مصر حالة خاصة، فلديها تاريخ طويل من الاحتلال، والغزاة والصراعات الداخلية. إلا أن مصر تنتصر دائما. فسوف يبتكر المصريون تركيبتهم الخاصة وسوف تكون هناك مساحة للجميع ولكافة الأفكار. كما أننا لا يجب أن ننسى أيضا أن الثورة المصرية لم تكون قاصرة على القضايا المحلية، فقد امتدت إلى كافة أنحاء المنطقة. ومن خلال معرضي بلندن، أتمنى أن أفتح نقاشا مع الجمهور الدولي حول الوضع الحالي بمصر».

بعد عودته للقاهرة، يخطط عبلة للبدء في مشروع فني جديد، وعن ذلك يقول: «أشعر بالحاجة إلى أن أكون مباشرا للغاية. أتمنى أن أقدم شيئا ببساطة مقال في صحيفة أو ببساطة الجرافيتي. فمسؤولية الفنان هي التجاوب مع حاجات وطنه ويتطلب الموقف الآن أن نكون مباشرين».
font change