انتظارا للجمهورية الثالثة في ليبيا

انتظارا للجمهورية الثالثة في ليبيا

[caption id="attachment_55237086" align="aligncenter" width="620"]بعد عرس الانتخابات الذي أعلن نهاية عصر الجماهيرية.. الليبيون في انتظار حصتهم من "كعكة" الجمهورية بعد عرس الانتخابات الذي أعلن نهاية عصر الجماهيرية.. الليبيون في انتظار حصتهم من "كعكة" الجمهورية[/caption]


الجمهورية الأولى كانت إثر «رسالة من تحت الماء» جاء بها صاحبها، وهو سليمان باشا الباروني الذي كان علما من أعلام الجهاد الليبي ضد الاحتلال الإيطالي، على متن غواصة ألمانية، وقامت بعد سنتين من توليه ولاية طرابلس. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1918 ومن جامع المجابرة بمدينة مسلاته، أعلنت «الجمهورية الطرابلسية»، التي وقع على قيامها أربعة من أعلام الجهاد في ليبيا أنذاك هم: سليمان الباروني، أحمد المريض، عبد النبي بلخير ورمضان السويحلي. والسبب في أنه لم يكن أحد من شرق ليبيا في هذا المجلس، أن منطقة برقة كانت في أزمة معقدة للغاية. فقد غادر أحمد الشريف، الذي قاد المجاهدين في معارك طاحنة ضد الجيش البريطاني، على متن غواصة ألمانية أيضا، إلى أوروبا ومنها إلى الآستانة ليقيم هناك. لكن هذه الجمهورية لم تدم سوى مائتي يوم، وانهتها حكومة سميت حكومة (الإصلاح الوطني) شكلت إثر (فرمان) آخر صدر في 1 يونيو (حزيران) عام 1919أتى هذه المرة عبر (رسالة من فوق الماء) على متن بارجة من بوارج ايطاليا الفاشية. ويمكن أن يقال عن هذه الجمهورية انها ربما كانت الأولى في بلاد العرب.

هذا كلام عجيب معجون في بعضه بعضا، اجتمع فيه «المجاهدون» والغواصات والبوارج، وجمهورية طرابلسية ليست ليبية مثلا، أو بنغازية ولا حتى سبهاوية. وحسنا فعل ملك إيطاليا آنذاك فيكتور الثالث، بقطعه دابر هذه الجمهورية في المهد، وإلا لكان في ليبيا ثلاث جمهوريات: الجمهورية الطرابلسية. الجمهورية الفزانية والجمهورية البرقاوية.
أما الجمهورية الثانية فقد جاء بها بيان القذافي الأول في سبتمبر (أيلول) عام 1969، وأعلن فيه قيام «الجمهورية العربية الليبية».

واستمرت جمهورية القذافي هذه أكثر قليلا من سبع سنوات، جرب فيها العقيد نقاطه الخمس التي كانت تمهيدا لتطبيق الكتاب الأخضر. واسدل الستار على الجمهورية الثانية، التي لم يكن فيها شيء يوحي بأنها تنتمي للنظام الجمهوري، في الثاني من مارس (آذار) 1977، بإعلان القذافي، بشكل مفاجئ، أمام ما كان يسمى «مؤتمر الشعب» في مدينة طرابلس عن قيام ما أطلق عليه «النظام الجماهيري» أو قيام «سلطة الشعب»، وسمى القذافي ليبيا آنذاك «الجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية». وبقيام هذا النظام، بدأ فعليا عصر الفوضى العارمة في ليبيا، التي لم تستطع أن تتخلص من تبعاتها حتى الآن، على الرغم من القضاء على هذا النظام ومؤسسه.

الليبيون الآن في انتظار «الجمهورية الثالثة»، بعد جمهوريتين فاشلتين و«جماهيرية» كانت مسرحا لتجارب العقيد السياسية والثقافية والاجتماعية. وهم بعد هذا الفشل الذي استمر عقودا، ينبغي أن يُنجحوا هذه الجمهورية، عبر التفافهم عبر قادتها، وعليهم أن ينسوا أحقادهم وخلافاتهم، لينقذوا بلدهم من هذه المتاهة التي عصفت بها، لأكثر من أربعة عقود متوالية.

ننتظر المادة الثانية من ميثاق التحالف التي تقول: "ليبيا جمهورية مدنية ديمقراطية تعدّدية قوامها السّيادة للشّعب، والولاية لمن ينتخبهم عبر الاقتراع الحرّ النّزيه والشّفاف".
لا شك أن مواد ميثاق هذا التحالف تبدو براقة وجاذبة، لكن هل يستطيع هذا التحالف تنفيذ ما جاء في مواده، حتى ولو كانت وراءه قوة الجماهير الساحقة؟
إن مشكلة هذا التحالف في نظري ستصطدم ببنادق هؤلاء المسلحين.. المسلحين الذين شعروا بدفء السلطة وبذخها.. بذخ إعطاء الأوامر في القبض على من يشاؤون، وتسريح من يودون تسريحه! لم لا؟ إنها تسعة أشهر من ممارسة سلطة مطلقة باذخة.

على المسلحين أن يرموا أسلحتهم وراء ظهورهم ويندمجوا في الحياة المدنية، بعد أن انتخب أهاليهم هؤلاء الناس ووثقوا بهم. إن عليهم أن يستعدوا للبناء قبل فوات الأوان.. بناء هذا الخراب العظيم الذي حل بليبيا فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأدبيا طيلة عقود.

إن العالم كله ينتظر ولادة هذه الجمهورية التي أتت فعلا بإرادة الشعب الليبي بكل أطيافه. ولكن السؤال هنا هو: هل ينجح هذا التحالف الوطني في انقاذ ليبيا والرسو بها في بر الأمان، وإعادتها إلى ركب الأمم الذي غيبت عنه طويلا؟!
font change