هشام قنديل.. رئيس وزراء خارج التوقعات

هشام قنديل.. رئيس وزراء خارج التوقعات

[caption id="attachment_55237517" align="aligncenter" width="620"]هشام قنديل هشام قنديل[/caption]



"اختيار خارج التوقعات" هو الوصف الذي أطلقته القوى السياسية المختلفة على قرار الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بتعيين الدكتور هشام قنديل لمنصب رئيس الوزراء المصري، حيث جاء صادما لهم وللشارع المصري، خاصة بعد ظهور تكهنات سابقة حول ترشيح أسماء عديدة من القوى الليبرالية والسياسية الكبرى، وذوي الثقل الدولي لهذا المنصب منها الدكتور محمد البرادعي والدكتور حازم الببلاوي. كما أدى هذا الاختيار إلى فقد الرئيس المصري لبعض من ثقة القوى الليبرالية والثورية في وعوده الانتخابية، والذين اعتبروا قراره تعيين قنديل رئيسا للوزراء، بداية لنقض تعهداته السابقة باختيار شخصية توافقية وطنية، وذلك بعد اختياره لشخصية إخوانية تنتمى لنفس مدرسته السياسية وليس لها إنجازات مهمة يلمسها المصريون.


سهام التهم




وسرعان ما انطلقت سهام التهم والاعتراضات تجاه رئيس الوزراء الجدي،د حتى قبل أن يشكل وزارته ويقسم اليمين. وقال الخصوم "رئيس من عباءة المرشد.. يختار مؤذن وزارة الري لحكومته"، وهو ما دفعه للرد عليهم قائلا "إحنا لسه بنقول بسم الله الرحمن الرحيم".
"مؤذن الوزارة" لقب اشتهر به رئيس الوزراء المصري الجديد، لأنه كان يؤذن للصلاة في وزارته بنفسه، وذلك قبل أن يصدر أوامره بإذاعة الأذان من إذاعة القرآن الكريم في الميكروفون الداخلي للوزارة، بعد أن أصبح وزيرا.

مصادر مهمة كشفت عن أن تعيين دكتور هشام قنديل الحاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة في الري والصرف، والذي شغل العديد من المناصب آخرها كبير خبراء الموارد المائية بالبنك الإفريقي للتنمية، قبل أن يصبح وزيرا للموارد المائية في حكومتي عصام شرف وكمال الجنزوري. كشفت تلك المصادر أن صراعا كان محتدما داخل جماعة الإخوان المسلمين، حول مرشحين آخرين لرئاسة الوزارة، حيث رشح خيرت الشاطر نائب المرشد الدكتور محمد العريان لرئاسة الوزارة، بينما انحاز مجلس شورى الجماعة إلى الدكتور محمود أبوالعيون، صديق الرئيس محمد مرسي، ولكن وفقا لمصادر مطلعة، تبين أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، هو الذي حسم الخلاف باختيار الدكتور هشام قنديل، باعتباره أحد شباب الجماعة من غير الأعضاء التنظيميين.
يذكر أن ترتيبات اختيار مؤذن الوزارة رئيسا للوزراء، قد بدأت سرية منذ رحلة الرئيس مرسي لأديس أبابا، واصطحابه للدكتور هشام قنديل خلال الرحلة، باعتباره وزيرا للري والموارد المائية، وعضو مجلس وزراء شؤون المياه في دول حوض النيل.

ويعد هشام قنديل رئيس الحكومة المصرية رقم 31 منذ ثورة يوليو 1952، ورئيس الحكومة رقم 119 منذ القرن التاسع عشر، أصغر رئيس وزراء مصري سنا، عبر تلك الحكومات، فهو مازال في العقد الخامس من عمره، ويطلق عليه رئيس الوزراء الشاب، كما يعد أول رئيس وزراء ملتح في تاريخ مصر أيضا.


ضعف الخبرة




التخوف من ضعف الخبرة السياسية والاقتصادية لرئيس الوزراء الجديد وراء حدة المعارضة التي يلاقيها قنديل لتوليه المنصب الجديد، حيث ينحصرتاريخه وتتركز خبراته في علاقته الوطيدة بملف مياه النيل، منذ التحق بالمركز القومي لبحوث المياه، قبل توليه العمل مديرا لمكتب وزير الموارد المائية والري من 1999 – 2005. وحتى على المستوى الدولي ارتبط عمله بنفس المجال، حيث تقلد العديد من المناصب في بنك التنمية الأفريقي، كان آخرها منصب كبير خبراء الموارد المائية بالبنك.. حيث قام بقيادة فريق العمل لإعداد خطة البنك الأفريقي لتنمية الموارد المائية والري بالقارة الأفريقية، بالإضافة إلى الإعداد والإشراف على تنفيذ مشروعات تنمية الموارد المائية والري، في العديد من الدول الأفريقية، كما شارك في أعمال مبادرة حوض النيل وعمل كعضو مراقب للهيئة المصرية السودانية المشتركة لمياه النيل، وعضو اللجنة التوجيهية لمشروع مكافحة الحشائش بأوغندا.
كما ساهم في إنشاء المجلس الأفريقي للمياه، ومرفق المياه الأفريقي.

ومن المفارقات الطريفة التي لا يعلمها الكثيرون، مشاركة رئيس الوزراء المصري الجديد مع بناته في المظاهرات التونسية، التي سبقت سقوط نظام بن علي أمام السفارة المصرية بتونس، أثناء توليه منصب كبير خبراء الموارد المائية بالبنك الأفريقي للتنمية، وشارك أيضا في مظاهرات ثورة يناير لإسقاط نظام مبارك.
كما شارك الدكتور قنديل في معارك مهمة مع النظام السابق، أهمها معركة إسقاط الحراسة القضائية عن نقابة المهندسين، والتي قام بنفسه بحل أزمتها، بعد سنوات طويلة بعد أن صار وزيرا.

[caption id="attachment_55237518" align="alignleft" width="300"]محمد مرسي يستقبل قنديل محمد مرسي يستقبل قنديل[/caption]


شائعة الحزب الوطني





عضويته السابقة بأمانة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل، والتي كان يسيطر عليه جمال مبارك شائعة ترددت بقوة على المواقع الإلكترونية، لتشويه صورته واستعداء الشارع المصري ضد تعيينه لمنصب رئيس الوزراء، وعلى الرغم من تكذيب هذه الشائعة، إلا أن هناك من يؤكد أن قنديل كان ضمن أعضاء لجنة السياسات عام 2003، في الحزب المنحل، وفق ما قالته الدكتور هالة مصطفى الخبيرة في مركز الدراسات الاستراتيجية في "الأهرام"، لـجريدة "الجريدة". وهو ما يثير الشكوك حول هذا الأمر، خاصة في ظل معارضة جماعة الإخوان المسلمين الشديدة، بعد قيام ثورة يناير، لأن يشمل قانون العزل السياسي أعضاء لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، فيما يبدو أنه تحسب لعدم عرقلة اختيار شخصيات معينة لأي مناصب حساسة، كما هو الحال مع الدكتور هشام قنديل.

الصحافة العالمية اهتمت بخبر تولي الدكتور هشام قنديل رئاسة الوزراء بحكم التأثير الكبيرللخبر المفاجئ والذي اعتبره الكثيرون أنه جاء خارج التوقعات، وحذرت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" من هذه الخطوة، وقالت إن طريق رئيس الوزراء المصري مليء بالأشواك، مشيرة للتحديات الكبرى التي تنتظره خاصة ما يتعلق بالأزمات الاقتصادية أو المشاكل السياسية وعدم التوافق المصري على اختياره، بل واعتبرت الصحيفة أن مصداقية الرئيس مرسي صارت مرتبطة بمدى كفاءة وإجادة حكومة دكتور قنديل في حل مشاكل المصريين المزمنة. بينما تخوفت "ديلي ستار" من حالة الغضب الشعبي في الشارع المصري، بسبب تدني مستوى الخدمات وثقل المهمة على الدكتور قنديل، المطالب بنزع فتيل الغضب في أسرع وقت من خلال عمل شاق ودؤوب.

إلا أن أكثر الموضوعات حساسية في موضوع اختيار الدكتورهشام قنديل، هي علاقته بالقوات المسلحة والمجلس العسكري والمصير المجهول للمشير طنطاوي في الحكومة الجديدة، حيث ثارت تساؤلات عديدة حول احتمالات إقالته، خاصة في ظل ما تردد على الساحة السياسية المصرية مؤخرا من اختيار شخصية عسكرية بالمعاش، أي من خارج المجلس العسكري الحالي، ومعروف بقربه من جماعة الإخوان، ليتوافق معهم، وهو ما لمح إليه الكثيرون حتى قطع الدكتور قنديل الشك باليقين، حينما كشف عن طبيعة علاقته المستقبلية بالجيش المصري وقادته، مؤكدا احترامه لهم وعدم تدخله في اختيار وزير الدفاع، موضحا على أنه ترك هذه المهمة للمجلس العسكري، بينما اختيار وزير الداخلية يأتي بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

المقربون من الدكتور هشام قنديل لا يشعرون بأي قلق من اختياره رئيسا للوزراء، حتى وإن فوجئوا بقرار تعيينه، حيث يؤكدون قدرته على قيادة المنصب وإدارته بجدارة، استنادا إلى سماته الشخصية الهادئة وتواضعه الجم، وعلاقته الطيبة بكل جيرانه على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، والذين يعرفونه عن ظهر قلب في منطقة الدقي في محافظة الجيزة المصرية، والتي يسكنها منذ طفولته، وحتى ورث الشقة عن والديه.


تواضع جم




كما يتسم قنديل بطهارة اليد والنزاهة بشهادة جيرانه ورفاقه، حيث يرفض أن يركب سيارة الوزارة، أو أن تستخدمها أي من بناته الخمس أو زوجته في أي تحركات خاصة، حيث يستعين بسيارته "الكيا" ذات الموديل القديم، لعدم حرصه على المظاهر. وبعد سويعات قليلة من تكليفه بتشكيل الوزارة، فوجئ المصلون بأحد المساجد القريبة من منزله بوجوده بينهم بملابس بسيطة جدا، واقفا في الصف الثاني للصلاة كعادته دائما طوال حياته. أكثر ما يخشاه المراقبون والقوى الثورية في مصر، تأثير الانتماء الإخواني لرئيس الوزراء على اختياراته للوزراء وسياساتهم المتوقعة، خاصة في ظل وجود رئيس دولة إخواني حيث تثورالشكوك في نوايا جماعة الإخوان، والتيارات الدينية في السيطرة على الحقائب الوزارية سواء باختيار وزراء من الجماعة، أو من التيارات المقربة منها، بالإضافة إلى أساتذة الجامعة ذوي التوجه الإسلامي، وهو ما يثير المخاوف من أن يكون رئيس الوزراء الجديد، هو تأكيد للتحول إلى نموذج الدولة الدينية، وهو ما سيتضح جليا في الفترة المقبلة.
font change